كانت قبل أعوام قليلة قد تشكلت حركة فتح عام 1959 على يد ياسر عرفات وخليل الوزير (أبو جهاد) وغيرهم، رافعة شعار "تحرير فلسطين من قبل أبنائها" كبديل عن شعار التحرير العربي ومن ثم تم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 بمبادرة من جامعة الدول العربية وبقيادة أحمد الشقيري. والتي كان هدفها الأساسي تمثيل الشعب الفلسطيني، كانت البدايات كانت بداية العمل المسلح في 1 يناير 1965، أعلنت حركة فتح انطلاق عملها المسلح عبر جناحها العسكري "العاصفة" بتنفيذ أول عملية عسكرية داخل إسرائيل. هذه اللحظة مثلت ولادة الدور الفلسطيني المستقل والفاعل في الصراع، رغم ضعف التأثير العسكري المباشر آنذاك الذي نتج عن هزيمة 1967 (النكسة)، لكنها فتحت الباب أمام صعود الدور الفلسطيني المستقل، أدت الهزيمة الساحقة للجيوش العربية إلى فقدان مصداقية شعار "التحرير على أيدي الجيوش النظامية" في ذلك الوقت المنكسر و هذا الفراغ الذي تسببت به النكسة وتحديداً في 21 آذار (مارس) 1968 وقعت معركة "الكرامة" بين جيش الاحتلال الإسرائيلي من جهة والمقاومة الفلسطينية والجيش الأردني من جهة أخرى، في منطقة الغور الأردني، وتحديداً في بلدة الكرامة التي اكتسبت المعركة اسمها منها. جاءت المعركة بعد أقل من عام على هزيمة حزيران 1967 (النكسة)، التي احتلت فيها إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء وهضبة الجولان وقتها كانت الروح المعنوية للجيوش العربية والشعوب في أدنى مستوياتها وكانت قد بدأت حركة المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة فتح، بتنظيم عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية انطلاقاً من الأراضي الأردنية. فلم يعد الفراغ الذي تركته النكسة بعد أن ملأته الفصائل الفلسطينية المسلحة، وخاصة حركة فتح، التي قدمت نفسها للعالم من خلال تلك المعركة التى كانت بداية استعادة الكرامة العربية واستطاعت التواجد بقوة كبديل ثوري وتحرري وتم استقلال منظمة التحرير الفلسطينية ، وصعدت فتح، واصبحت منظمة التحرير ممثلا له ثقل للشعب الفلسطيني وفي عام 1969، أصبح ياسر عرفات رئيساً للجنة التنفيذية للمنظمة، مما حولها من كيان تابع إلى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وزاد نشاط المقاومة المسلحة (الكفاح المسلح) وازدادت عمليات الاختراق والعمليات الفدائية من خلال الأردن ولبنان فأصبحت المقاومة الفلسطينية رمزاً للنضال والكرامة في العالم العربي والعالم الثالث، وجذبت انتباه الإعلام العالمي، وفي عام 1971 خرجت القوات من الأردن إلى لبنان بعد أن اصبح لها تأثير على الصراع الإقليمي و أصبحت منظمة التحرير لاعباً رئيسياً في المعادلة الإقليمية. وكان الدور الفلسطيني في حرب أكتوبر 1973 جزءاً مهماً من سياق الحرب، على الرغم من أنه لم يكن دوراً محورياً في سير المعارك العسكرية الرئيسية على الجبهتين المصرية والسورية. يمكن تلخيص هذا الدور في عدة محاور منها المشاركة العسكرية المباشرة (قوات العاصفة)
تك تلدفع بتشكيل قوات "العاصفة" التابعة لحركة فتح بعدد من العمليات العسكرية عبر خطوط وقف إطلاق النار (خط بارليف) قبل وبعد بداية الحرب مباشرة. كان الهدف من هذه العمليات الربط مع القوات المصرية لتأمين المناطق وتقديم الدعم الاستخباراتي والميداني للقوات المصرية المتقدمة وتأمين الجناح الشرقي للقناة (سيناء) لتأمين أجنحة الجيش المصري ومضايقة القوات الإسرائيلية من الخلف عن طريق عمليات استطلاع وأسر فنفذت عمليات استطلاع وكمائن ناجحة أسفرت عن أسر عدد من الجنود الإسرائيليين، مما رفع معنويات الجانب العربي.
الدعم السياسي والدبلوماسي عن طريق تأييد كامل للمبادرة، أيدت منظمة التحرير الفلسطينية المبادرة المصرية-السورية للحرب بشكل كامل، ورأت فيها فرصة لتحريك القضية الفلسطينية بعد سنوات من الجمود.
وسعت المنظمة إلى حشد الدعم الدبلوماسي والعربي للجهود الحربية، واستغلت المنصة الدولية لتذكير العالم بقضية الفلسطينيين.
وأيضاً التأثير المعنوي والنفسي ورفع الروح المعنوية فلقد مثلت المشاركة الفلسطينية، ولو كانت محدودة، رمزاً لوحدة الهدف العربي واستعداد الفلسطينيين للمشاركة في معركة التحرير وإثبات الوجود وساعدت العمليات الفلسطينية في تأكيد أن القضية الفلسطينية لا تزال حية وقادرة على العطاء حتى في ظل الظروف الصعبة من خلال السياق الأوسع والتحديات فمن المهم فهم الدور الفلسطيني في سياقه التاريخي فقد حدث ضعف للقدرة العسكرية بعد أحداث أيلول الأسود (1970) وخروج المقاومة الفلسطينية من الأردن إلى لبنان (1971)، كانت القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية محدودة وغير منظمة بالشكل الذي يمكنها من خوض معارك كبرى كما حدث في معركة الكرامة من قبل وغياب القرار المستقل فلم تكن المقاومة الفلسطينية جبهة قتال مستقلة، بل عملت بشكل تابع ومكمل للجيشين المصري والسوري والتركيز على البعد السياسي في تلك الفترة، كانت منظمة التحرير الفلسطينية تسعى للحصول على اعتراف عربي ودولي بكونها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، وهو ما تحقق جزئياً في قمة الرباط عام 1974.
الدور الفلسطيني في حرب أكتوبر 1973 كان دوراً مسانداً ومكملاً وليس دوراً محورياً أو مستقلاً. لقد قدّم الفلسطينيون دعمًا عسكريًا محدودًا لكنه فعال في مناطق عملياتهم، ودعمًا سياسيًا ومعنويًا كبيرًا. ساعدت نتائج الحرب، وخاصة الصدمة التي أحدثتها في إسرائيل والعالم، في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية، مما مهد الطريق لاعتراف الجامعة العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني لاحقاً، وحصول ياسر عرفات على فرصة لإلقاء خطابه التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1974. وكانت أحد أهداف حرب أكتوبر 1973 من الجانب المصري والسوري هو "كسر جمود الصراع" الذي قد يفتح الباب لحل للقضية الفلسطينية.
---------------------------------
بقلم: حاتم نظمي
( القاهرة، 7 اكتوبر 2025 )