04 - 10 - 2025

هجمة مرتدة .. كيف أربكت حماس حسابات نتنياهو؟

هجمة مرتدة .. كيف أربكت حماس حسابات نتنياهو؟

في خطوة بدت غير متوقعة على الإطلاق، وجدت الساحة السياسية في الشرق الأوسط نفسها أمام مشهد جديد أربك الحسابات الصهيونية وأثار كثيرًا من علامات الاستفهام. فحين طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته للتسوية في المنطقة، والتي عُرفت إعلاميًا باسم "خطة ترامب"، كان رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يتوقع رفضًا قاطعًا من جانب حركة حماس، انسجامًا مع مواقفها السابقة الرافضة لأي مبادرات أمريكية تُعتبر منحازة لإسرائيل. غير أنّ المفاجأة وقعت عندما جاء رد الحركة إيجابيًا على غير العادة، الأمر الذي وضع نتنياهو أمام معادلة سياسية لم يكن قد استعد لها.

نتنياهو الذي اعتاد توظيف الرفض الفلسطيني لمشاريع التسوية لتعزيز خطابه المتشدد أمام الداخل الإسرائيلي والمجتمع الدولي، وجد نفسه هذه المرة أمام مشهد مختلف. فالموافقة المبدئية من حركة حماس على مناقشة خطة ترامب، بل والترحيب ببعض بنودها، أظهرت إسرائيل وكأنها الطرف المتصلب غير المستعد للتفاوض. هذه المفارقة قلبت الطاولة على حسابات نتنياهو، وألقت بكرة اللهب في ملعبه أمام الرأي العام العالمي، خاصة في ظل محاولاته المستمرة لتصوير إسرائيل على أنها الطرف الوحيد الراغب في "السلام".

أرى أن هذا الموقف هو "هجمة مرتدة" ذكية من قِبل حماس، إذ استثمرت الحركة اللحظة لإظهار مرونة سياسية غير متوقعة، ما أربك خصومها وأكسبها نقاطًا على صعيد الصورة الذهنية. فالغموض الذي أحاط بموقفها ظل سيد الموقف، ربما عن قصد، لإبقاء الخيارات مفتوحة وإجبار الأطراف الأخرى على إعادة حساباتهم. وبذلك نجحت الحركة في نقل المبادرة إلى ملعبها، بدل أن تبقى في موقع المتلقي لقرارات الآخرين.

وسط هذه التطورات، يبرز الدور المصري كعامل مؤثر وحاسم. فالقاهرة لطالما لعبت دور الوسيط بين الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية، وتدرك جيدًا أن استمرار حالة الجمود لن يخدم لا مصالح الشعب الفلسطيني ولا الأمن القومي العربي والمصري. وتشير التقديرات إلى أن مصر مارست ضغوطًا سياسية ودبلوماسية لإقناع حماس بقبول مناقشة خطة ترامب، في محاولة لتفويت الفرصة على نتنياهو ومنع إسرائيل من الانفراد برسم مسار الأحداث.

هذا التحرك يعكس إدراكًا مصريًا لأهمية التوازن في معادلة الشرق الأوسط، حيث لا يمكن السماح لإسرائيل بفرض روايتها على العالم من خلال اتهام الفلسطينيين بالتشدد. كما أن الدور المصري يتناغم مع رؤية أشمل لحماية الأمن القومي العربي، وتحصين المنطقة من الانزلاق نحو مزيد من التوتر.

يبقى أن الغموض الذي يكتنف الموقف الفلسطيني، ولا سيما موقف حماس، ليس مجرد صدفة. حيث يبدو لي  أن حركة حماس تعمدت ترك مساحة للتأويل، لتبقى المبادرة بيدها وتحتفظ بأوراق ضغط يمكن استخدامها في مراحل لاحقة من أي مفاوضات. هذا الغموض يعكس فهمًا لطبيعة اللعبة السياسية في الشرق الأوسط، حيث التحركات غالبًا ما تشبه رقعة شطرنج معقدة، لا تُكسب فيها المعارك بالخطوة الأولى، بل عبر تراكم المناورات على المدى الطويل.

ختامًا، شكّلت موافقة حماس المبدئية على خطة ترامب صدمة سياسية أربكت نتنياهو وأحرجت إسرائيل أمام العالم. كما منحت مصر فرصة لتأكيد حضورها كوسيط إقليمي أساسي في الملف الفلسطيني. وبينما يظل الغموض سيد الموقف، يبدو أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام جولة جديدة من التجاذبات السياسية في المنطقة، وستعيد ترتيب أوراق اللاعبين على رقعة الشطرنج الشرق أوسطية بما قد يخدم في النهاية القضية الفلسطينية والأمن القومي العربي.
-----------------------------
بقلم: إبراهيم خالد


مقالات اخرى للكاتب

هجمة مرتدة .. كيف أربكت حماس حسابات نتنياهو؟