"قطاع غزة على المحك" خلاصة الساعات الـ"72 الأخيرة"، ولا يمكن أن ننكر بأن الوقائع تؤكد انحياز الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، بشكل واضح إلى الكيان الصهيوني المحتل في كل المفاوضات الخاصة بوقف حرب الإبادة التي كادت تنهي عامها الثاني، على أيدي قوات الاحتلال، إلا أن المواقف العربية والدولية، والاعترافات بفلسطين قد غيّرت بعض المواقف.
ولأن ترامب يعتبر نفسه إمبراطور العالم، فمنذ طرح خطته لوقف الحرب، يريد أن يأمر فيُطاع، دون نقاش، معتبراً من نفسه سيد العالم، وأنه إمبراطور الكرة الأرضية، وكلامه لا يُرد، بل تجاهل تحفظات العديد من الدول على بعض بنود خطته، والقبول بها دون نقاش، رغم أنه وجود اتفاق على أهمية النقاش في كل التفاصيل، والتي تحمل في طياتها الكثير من الألغام.
وفي السطور التالية، نقرأ ما جرى، ونقف على ما هو منتظر .. ففي الساعات الأخيرة تطورت الأحداث سريعاً، فعلي مدي يومي الأربعاء والخميس 1 و2 أكتوبر، رأت حركة حماس (الطرف الرئيسي في خطة ترامب) أهمية تعديل بعض بنود خطة السلام في قطاع غزة، خصوصاً ما يتعلق بنزع السلاح ومغادرة مقاتليها القطاع، وإبعاد كوادر من حماس والفصائل الفلسطينية، ومستقبل قطاع غزة، حيث جرت مشاورات مكثَّفة داخل قيادة الحركة في فلسطين والخارج، وتم عقد لقاءات مع مصر وقطر باعتبارهما الوسطاء الرئيسيين، وحضرها ممثلون عن تركيا، وطلبت توفير ضمانات دولية للانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة وتأكيدات بعدم خرق إسرائيل وقف إطلاق النار.
وجاء الترحيب إيجابياً من جانب العديد من الدول ومنها مصر، بخطة ترامب، مع التأكيد على ضرورة وقف الحرب وإنهاء أعمال القتل والإبادة التي تتم يوميا تحت مرأى ومسمع من العالم في القطاع بشكل فورى، ووقف السياسات الإسرائيلية التي تمثل انتهاكات فاضحة للقانون الدولي في الضفة الغربية.
ورغم ذلك فقد رأت مصر على لسان وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، من الضروري وقف إطلاق النار فور الانتهاء من الترتيبات الانتقالية في غزة، وأن يكون تتولى لجنة إدارية فلسطينية مؤقتة تمهيدا بهدف تمكين السلطة الفلسطينية لتتولى دورها، وأن إدارة الفلسطينيين قطاع غزة أمر بديهي، تمهيدا لتجسيد الدولة الفلسطينية.
كثير من الدول رأت في خطة ترامب الكثير من العناصر الإيجابية، خاصة إنهاء الحرب بشكل فوري، والرفض الكامل لضم الضفة الغربية وتوحيدها مع قطاع غزة، والرفض الكامل لتهجير الفلسطينيين، إلا أن ذلك لا يمنع ضرورة وجود عناصر بحاجة للنقاش، وهو ما تراه مصر وغيرها، فوفقاً لما قاله وزير الخارجية، إن "الشيطان يكمن في التفاصيل وبالتالي يتعين مناقشة هذه القضايا بشكل متعمق لتحقيق توافق بشأنها خاصة فيما يتعلق بعملية التنفيذ على الأرض".
هذا كله وغيره يؤكد أن بعض الأمور كانت بحاجة لنقاش، والمؤكد أن مصر والدول العربية لن تقبل بتهجير الفلسطينيين، وهو موقف شعوب العالم الرافضة لمثل هذه الجريمة الإنسانية، لأنه جريمة تطهير عرقي، ولن يقبل أحد أن يغادر الفلسطينيين أرضهم، ومن هنا فهذا كله يحتاج لتوضيحات وضمانات واضحة.
ومن القضايا الخلافية التي تحتاج إلى توضيحات، ما يتعلق بمستقبل فصائل المقاومة بكل تصنيفاتها وتوجهاتها، ومن يحددها، فالمنطق هو قرار شعبي فلسطيني، رغم الإقرار بإمكانية قيام سلطة إدارية فلسطينية بالإدارة المؤقتة للقطاع مع دعم من بعثة دولية، مع توفير كل الدعم لتمكين السلطة الفلسطينية من إدارة السلطة الفلسطينية، مع توافق على عدم وجود دور لحماس.
في ظل هذه المواقف، فقد خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، (سريع الطلقات)، وفي انحياز مفضوح لإسرائيل، في الساعات الأولى من يوم الجمعة الثالث من أكتوبر متوعداً الجميع، خاصة حماس، محددا مهلة كانت تنتهي في السادسة مساء بتوقيت واشنطن من يوم الأحد للتوصل إلى اتفاق بشأن خطته لمستقبل قطاع غزة، معتبراً أنها الفرصة الأخيرة للحركة.
وحملت رسالته الأولى التهديد باندلاع جحيم لم يشهده أحد، معتبراً نفسه طرفا في جحيمه المرتقب، في تأكيد أن أمريكا هي من ستقوم بذلك، بل زاد من تهديده بمطالبة جميع الفلسطينيين مغادرة مدينة غزة، والتي ستكون مكانا للموت، مع تهديد كل عناصر المقاومة.
ولقطع الطريق أمام ترامب، وقبل أن يخرج بتصريحاته اللعينة، قدمت حماس ردها بالموافقة على تسليم الرهائن، مع طرح مناقشة مستقبل قطاع غزة ضمن إطار وطني فلسطيني جامع ستكون حماس من ضمنه وستسهم فيه، مع التأكيد على حرص حماس على وقف العدوان وحرب الإبادة التي يتعرض أقطاع غزة.
جاء رد حماس، بعد مشاورات داخلية، ومع القوى والفصائل الفلسطينية، ومع الوسطاء، لتحديد موقف مسؤول في التعامل مع خطة ترامب، لضمان وقف الحرب وحماية الدم الفلسطيني، وتبادل الأسرى ودخول المساعدات، ولمنع ورفض احتلال القطاع وتهجير الفلسطينيين، مع الدخول عبر الوسطاء في مفاوضات مناقشة التفاصيل، مع تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين، بتوافق وطني فلسطيني وبدعم عربي وإسلامي.
وعلى الفور نشر دونالد ترامب رد حماس على منصة "تروث سوشيال"، في سابقة هي الأولى من نوعها، وهو ما يرجح قبوله موافقة الحركة، التي استجابت لمطلبه الأساسي وهو قبول إطلاق جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء والأموات.
وطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منتصف ليلة الجمعة السبت، إسرائيل بوقف قصف غزة حتى «نتمكن من إخراج المحتجزين، مضيفاً "بناءً على البيان الصادر عن حماس مؤخرًا، أعتقد أنهم مستعدون لسلام دائم، ويجب على إسرائيل أن توقف قصف غزة فورًا، حتى نتمكن من إخراج المحتجزين بأمان وسرعة، ونناقش بالفعل تفاصيل يجب الاتفاق عليها، الأمر لا يتعلق بغزة فحسب، بل يتعلق بالسلام الذي طال انتظاره في الشرق الأوسط».
لا شك أن تسارع الأحداث، يؤكد وجود رغبة فلسطينية، وعربية وإسلامية، ودولية في وقف الحرب، وإقامة سلام، شامل، مع حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة، .. ويبقى السؤال، هل ستسير الأمور وفقا للمنطق الطبيعي، أم يحمل ترامب مواقف أخرى، ويبقى الأمر متوقف على التزام واضح من "الكيان المحتل"، الذي لم يعلن موقفه حتى كتابة هذه السطور، وهو من أشعل المنطقة حروباً وتجاوزت أفعاله حدود المنطق، وتوسع في أطماعه.
-----------------------
بقلم: محمود الحضري
مؤشرات | 72 ساعة من الأحداث بين تهديدات ترامب ورد حماس وتفاعل البيت الأبيض.. وماذا؟
