04 - 10 - 2025

نقابة التشكيليين: امتياز ضريبى وتهرب من ٢٪

نقابة التشكيليين: امتياز ضريبى وتهرب من ٢٪

الحقوق الضائعة بين صراع المجلس وتهرب الفنانين

ينتقد كل أعضاء الجمعية العمومية لنقابة التشكيليين بلا استثناء المعاش الهزيل الذى يحصل عليه الفنان حين يبلغ سن الستين والذى يبلغ ٧٥ جنيها أى ما يعادل دولارا ونصف فى الشهر.

لم ينتبه أحد ممن يتم اقتناء أعمالهم إلى أن عضويته بالنقابة تعفيه من دفع الضرائب الخاصة على مبيعاته، الأمر الذى لا يبرر تهربه من دفع الـ ٢٪ التى أقرتها النقابة والتى ستزيد من قيمة المعاش بكل تأكيد.

إن نسبة الإعفاء من ضريبة المبيعات أو ضريبة الدخل على العمل الفني غالباً ما تكون أكبر بكثير من الـ 2% التي تطالب بها النقابة. هذا الإعفاء هو مكسب مالي مباشر وفعلي، يساهم فى البنية التحتية، وهذا الامتياز النقابى يجعل من الفنان المتهرب من التزامه مستغلا لحقوق الكيان الجمعى المتمثل فى النقابة. هذا السلوك ينتهك مبدأ التبادلية، وهو حجر الزاوية في بناء أي مجتمع أو مؤسسة.

إن الإعفاء الضريبي لم يُمنح للفنانين بشكل فردي، بل هو إنجازٌ تمّ عبر جهد جماعي ونقابي لتمثيل القطاع والتفاوض مع الدولة. الفنان يقطف ثمرة الجهد الجماعي (الإعفاء) دون أن يسقي شجرة هذا الجهد.

تآكل العقد الضمني: العضوية في هذه الحالة هي عقد مالي صريح. أنت تدفع جزءاً ضئيلاً جداً (الـ 2%) لتحصل على فائدة كبرى (الإعفاء الضريبي والمعاش). رفض دفع هذا الجزء الضئيل هو بمثابة نقض للعقد من جانب واحد، مع الإصرار على استغلال مميزاته.

إن التمسك بالعضوية للاستفادة من الإعفاء الضريبي مع التهرب من دفع الـ 2% يكشف عن ذاتٍ نفعية قصوى لا ترى في الجماعة شريكاً يجب دعمه، بل ترى فيها أداة وظيفية للاستخلاص والانتفاع الشخصي. هذا السلوك لا يقلل فقط من قيمة المعاش، بل يهدد وجود الإطار القانوني والسياسي الذي يوفر الإعفاءات الضريبية للفنانين.

 في ضوء هذا الإعفاء، يصبح التساؤل "ألا تستحون؟". أليس هذا استغلالا واضحا لأموال وحقوق الزملاء الآخرين.

إن هذا التساؤل ينقلنا من حقل الأخلاق إلى حقل المنفعة البراغماتية، ويكشف عن تناقضٍ وجوديٍّ يُعرف في الفلسفة الاجتماعية باسم "مشكلة الراكب الحر" (The Free Rider Problem).

الفنان يتمسك بالعضوية لأنه يراها أداةً ضرورية لتحقيق غاياته، حتى وإن كان يتهرب من دفع ثمن هذه الأداة. 

إن العضوية في النقابة هي بمثابة شهادة ميلاد مهنية في الساحة الرسمية، وتمنح العضوية للفنان الغطاء القانونى والإعفاء الضريبي. أيضا عضوية النقابة تعطيك صفة ضرورية للتعامل مع المؤسسات الحكومية، والمشاركة في المعارض الرسمية، والحصول على التصاريح، وتوقيع العقود التي تتطلب مرجعية رسمية. تعطيك العضوية صفة "المهنيين" وليس "الهواة" أو "المجهولين".

رغم ضعف النقابة التى تجاهلهم قسمكم الموجود فى المادة (٤٩) والذى ينص على أن يؤدى العضو الذى يقيد فى جدول الاعضاء العاملين اليمين الآتية أمام مجلس النقابة: (أقسم بالله العظيم أن اكون في مصلحة الوطن وأؤدى رسالته بالشرف والأمانة والنزاهة وأن أحافظ على كرامة الفن وأن أحترم تقاليده وان ابذل غاية الجهد لتحقيق أهداف النقابة)

رغم هذا الضعف فإن التمسك بالعضوية هو تمسك بالهوية الاجتماعية والمهنية داخل حقل الفن.

فلماذا تتهربون من الواجب الأخلاقي المتمثل في حق جموع الفنانين؟.

تتعاملون مع النقابة كـ "راكب حر" يسعى للاستمتاع بـ "السلعة العامة" التي توفرها الجماعة (في هذه الحالة، الشرعية المهنية والحماية النقابية) دون المساهمة في تكلفة إنتاجها أو صيانتها (الـ 2% المستحقة).

هذا التفكير الأنانى بالحصول على المنفعة مجانا دون أن يدفع ما عليه بدعوى "أن دفعى أنا وحدة لن يغير شيئا فى ضعف المعاش, ولن أدفع الا إذا دفع الجميع". هذا السلوك هو الذي يساهم في إضعاف النقابة نفسها. فإذا تبنى معظم الأعضاء هذا المنطق، تتحول النقابة إلى مجرد هيكل إداري فارغ من القوة المالية، ويبقى المعاش ضعيفاً كما هو، ليُبرر سلوك التهرب ذاته في حلقة مفرغة.

إن تمسك الفنان بالعضوية وتهربه من الدفع هو تجسيد لـ تناقض المصالح. الفنان يرى في النقابة "مظلة" يجب أن توفر له الحماية (الحق) ويسعى جاهداً للوقوف تحتها. لكنه يرفض أن يكون "عموداً" يدعم هذه المظلة (الواجب). هذا السلوك، الذي يثير تساؤل "ألا تستحون؟"، هذا السؤال موجه لكل فنان يحتفظ بعضوية النقابة، ولا يلتزم بحقها. لماذا أنت مستمر بعضويتها. لماذا لا تقدم استقالتك طالما لا تحترم قسمك تجاهها. تحقق غاياتك وتتهرب من دفع الثمن

لا أستطيع ان أعفى مجلس النقابة ولا النقيب طارق الكومى من تجاهله لمثل هذا الموضوع والبحث فى إيجاد حل حقيقى فيه. لكن الاعضاء للأسف مشغولون فى التناحر على اللاشيء. المجلس أصبح ساحة صراع على الألقاب وغاب الهدف المشترك ليصبح دور الأعضاء غامضا وغير ملزم. وتحول التركيز من البحث فى وسائل لخدمة الأعضاء إلى صراع على المصالح الشخصية وعلى الألقاب والمسميات وتصفية الحسابات الداخلية بدلا من مواجهة الواقع الصعب.

الصراع الحقيقي ضد المعوقات المالية والتشريعية التي تعاني منها النقابة. يجد الأعضاء أن قضاء الوقت في تصفية الحسابات الداخلية أو ترتيب المسميات أيسر من مواجهة الواقع الصعب.

باختصار، إن تركيز أعضاء المجلس على الألقاب والمسميات هو عرضٌ لمشكلة أساسية تتمثل في تغليب الذات الرمزية على المصلحة الجماعية، واستبدال الوظيفة الحقيقية للقيادة بـ مظهر القيادة الأجوف. وهذا يؤدي حتماً إلى تآكل الثقة في المؤسسة الفنية وضعف قدرتها على حماية حقوق فنانيها في الوقت الذي هم فيه بأمس الحاجة إليها. لذلك يجب على النقيب وأعضاء المجلس البحث فى أمور النقابة الجوهرية كحل مشكلة ال ٢٪. أو البحث عن ملفات حقيقية تخدم الفنانين مثل ملف العلاج الذى يكون الفنان فى أشد الحاجة إليه عندما يبلغ الستين.
-------------------------
بقلم: د. سامى البلشى

مقالات اخرى للكاتب

نقابة التشكيليين: امتياز ضريبى وتهرب من ٢٪