30 - 09 - 2025

مؤشرات | ملاحظات على خطة ترامب بين الاستسلام والتهديد بخيار الحرب

مؤشرات | ملاحظات على خطة ترامب بين الاستسلام والتهديد بخيار الحرب

حتماً إن القرار في قبول خطة ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة، هو قرار سياسي، ووفق رؤية لكل الأطراف، ووفق مصالح كل طرف، ورؤاه للحرب التي تقوم بها قوات الكيان المحتل، وبالتأكيد فإن كل طرف يدرس كل تفاصيل الخطة، والتي تتضمن مقترحات سبق الحوار عليها، وناقشتها الإدارة الأمريكية مع أطراف عربية، وغيرها.

ولكن ما تضمنته خطة ترامب، وما قاله رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، والشروط والتلميحات التي تتضمنها كلمات دونالد ترامب، ومعه بنيامين نتنياهو، تعطي مؤشراً فحواه "الاستسلام أو الحرب"، وليس السلام المأمول، والذي يطمح إليه الجميع، ومن هنا يكمن الشيطان في التفاصيل، ورغم ذلك فالكل يطمح للسلام، من أجل دولة فلسطينية حرة، يحكمها أهلها، دون وصاية من أحد.

ولا شك أن أهل غزة من المدنيين هم الأكثر تضرراً من تلك الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، وينتظرون – كما يقولون على صفحات التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) - أن تنتهي تلك الحرب غير المتكافئة، وهذا العدوان الإجرامي الغاشم من الكيان الصهيوني على حياتهم وعلى كل ما يملكون بالتدمير والإبادة.

ولكن السؤال المهم، هل هناك ضمانات تؤكد وقف هذا العدوان الصهيوني، خصوصاً أنه وبعد سويعات من إعلان ترامب عن خطته، بحضور "بنيامين نتنياهو"، خرج هذا المعتدي، قائلا صباح الثلاثاء، وهو اليوم التالي لإعلان خطة ترامب "سنستعيد جميع رهائننا، أحياء وبصحة جيدة، بينما سيبقى الجيش الإسرائيلي في معظم أنحاء قطاع غزة"، بل رفض أي دور للسلطة الفلسطينية.

وهذا مؤشر خطير ولا يحمل أي بوادر عن وجود ضمانات إسرائيلية، خصوصاً أن نتنياهو هو من يبحث عن أسباب ومبررات تطيل أمد الحرب، ويحمي نفسه من أي مساءلة داخلية، ويسعى إلى الحفاظ على حكومته، وإرضاء أعضائها المتطرفين.

بعض بنود الاتفاق في مضمونها جيدة، مثل ارسال مساعدات كاملة بشكل فوري إلى قطاع غزة، وإدخالها وتوزيعها داخل القطاع دون تدخل من الطرفين وعبر الأمم المتحدة ووكالاتها، والهلال الأحمر، ومؤسسات دولية أخرى غير مرتبطة بأي من الطرفين، وكذلك إعادة تأهيل البنية التحتية من المياه والكهرباء والصرف الصحي، وإعادة تأهيل المستشفيات والمخابز، وإدخال المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض، وإعادة بناء غزة، وفتح الطرق، وفتح معبر رفح في كلا الاتجاهين.

ورغم وجود مخاوف، فإن بعض البنود الواردة بخطة ترامب جيدة، مثل إطلاق حوار بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي من أجل تعايش سلمي مزدهر، بخلاف الاتفاق على إعادة المحتجزين الإسرائيليين الأحياء ورفات الأموات، مقابل إفراج إسرائيل عن 250 سجيناً محكوماً عليهم بالمؤبد و1700 من سكان غزة الذين اعتُقِلوا بعد 7 أكتوبر 2023، مع تسليم رفات 15 شهيدا، وبالتالي من المتوقع أن تنتهي الحرب بموافقة الطرفين على الاتفاق.

ولكن في المقابل فإن الأخطر من وجهة نظر كثيرين، ما تضمنه خطة ترامب، ما يشبه التهديدات، بل في بعضها تهديدات مباشرة، وتحميل المسؤولية على الأطراف العربية والفلسطينية، حيت تضع الدول العربية والإسلامية في المواجهة مع حركة حماس، بما يحمله ذلك من مخاطر، بل وصل الأمر إلى التهديد المباشر بقول "ترامب" (إذا رفضت حماس الاتفاق فسيحصل نتنياهو على دعمنا الكامل)، ثم القول (إذا لم تستكمل السلطة الفلسطينية متطلبات إصلاحها فلا يلومون إلا أنفسهم).

وبوضوح قال ترامب (خطتنا تشمل تدمير بنى حماس العسكرية، والجميع وافق على الخطة وحماس الطرف الوحيد المتبقي، والخطة تتضمن إنشاء مجلس أترأسه بنفسي من أجل تحقيق السلام وإدارة غزة يتألف من فلسطينيين وخبراء من مختلف أنحاء، بينما حماس وفصائل "المقاومة" – التي اسمها بالإرهابية لن تمارس أي دور في إدارة قطاع غزة على الإطلاق).

ومن مخاطر ما جاء على لسان نتنياهو أنه يعارض بشدة قيام دولة فلسطينية، والغريب أن ترامب قال (أتفهم هذا)، بل أعاد بنيامين القول "لن يكون للسلطة الفلسطينية أي دور في قطاع غزة من دون تغيير جذري، بل ستحتفظ إسرائيل بالمسؤولية عن الأمن في قطاع غزة"، ورفع لغة التحذير بقوله، "إن الدولة العبرية ستنهي المهمة إذا رفضت حماس الخطة، بل ستحتفظ إسرائيل بالمسؤولية عن الأمن، وانسحاب إسرائيل مرتبط بحجم نزع سلاح حماس.

في المجمل هناك محاولة لوقف حرب الإبادة، إلا أن المخاوف في الشارع العربي والسياسي العام، لديه قلق واسع، من مفهوم إدارة قطاع غزة تحت حكم انتقالي مؤقت تحت إشراف هيئة انتقالية دولية باسم "مجلس السلام"، برئاسة دونالد ترامب، مع أعضاء ورؤساء دول آخرين، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، حتى وإن ضمت لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية، مع استبعاد كامل للسلطة الفلسطينية.

الشروط وفروض الطاعة في خطة ترامب بحاجة لمناقشة في التفاصيل، لتلاشي المواجهة التي تضعها حكومة الاحتلال، وبنود الخطة، وإلقاء كرة اللهب في حجر دول الإقليم، بقوله ترامب "سيتم تقديم ضمان من شركاء إقليميين للتأكد من التزام حماس والفصائل بتعهداتهم وأن غزة الجديدة لا تشكل تهديدًا لجيرانها أو لسكانها"، بينما يتم استثناء المعتدي والمغتصب من أي مسؤولية، ولا يجب أن تكون هناك تأكيدات ملموسة لمقولات مثل "إسرائيل لن تحتل غزة أو تضمها" و"ستنسحب قوات الدفاع الإسرائيلية من قطاع غزة".

والكلمات المطاطة كثيرة، مثل "الانسحاب مرهون وفق معايير ومراحل وجداول زمنية مرتبطة بعملية نزع السلاح، وتوافق بين الجيش الإسرائيلي وقوة الاستقرار الدولية والجهات الضامنة والولايات المتحدة، وتأمين غزة بشكل يجعلها لا تشكل تهديدًا لأحد"، وهو ما يتطلب تطمينات واضحة، بخلاف غلق ملف محاولات التهجير تحت مسمى "ممر آمن إلى دول مستقبلة".
---------------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | ملاحظات على خطة ترامب بين الاستسلام والتهديد بخيار الحرب