25 - 09 - 2025

من المساجد إلى الجامعات.. يه ليانغ ينغ تكشف رحلة تعلم "اللغة العربية" في الصين

من المساجد إلى الجامعات..  يه ليانغ ينغ تكشف رحلة تعلم

نظم مركز الصين الدولي للتواصل الصحفي، في العاصمة بكين، محاضرة ثرية عن تعليم اللغة العربية، قدمتها الدكتورة يه ليانغ ينغ، الباحثة المتخصصة في علم اللسانيات والدراسات العربية بجامعة اللغات الأجنبية في بكين.

و تحت عنوان “تعليم اللغة العربية في الصين.. الجذور التاريخية والواقع“،  تطرقت المحاضرة إلي المراحل التي مرت بها هذه التجربة الفريدة منذ دخول الإسلام إلى البلاد وحتى العصر الحديث.

استهلت الدكتورة حديثها بالإشارة إلى أن الإسلام دخل الصين رسميًا عام 1279، حيث بدأت العربية تُدرّس في المساجد كجزء من النشاط الديني والثقافي، تزامنًا مع توافد البعثات العربية على الأراضي الصينية قبل أكثر من ألف عام.

ومنذ ذلك التاريخ، أخذت اللغة العربية موقعًا مميزًا في التفاعل الحضاري بين الصين والعالم العربي.

وفي تقسيمها لمسيرة تعليم العربية في الصين، أوضحت ليانغ ينغ ، أنها مرت بخمس مراحل رئيسية: مرحلة التأسيس (1949 – 1966)، عقب تأسيس الصين الجديدة ونجاح الشعب الصيني في بناء أسس الدولة الحديثة، شهدت الجامعات الصينية نشاطًا متناميًا في تدريس العربية، وكان من أبرز محطاتها استقدام جامعة بكين عام 1946 للأستاذ محمد مكين، الذي عاد من جامعة الأزهر في مصر ليساهم في وضع اللبنات الأولى لهذا التعليم. 

كما أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع عشر دول عربية، مصر وهي أول دولة عربية أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين، ثم سوريا، ثم اليمن، ما ساهم في تعزيز حضور العربية أكاديميًا.

وأشارت ليانغ ينغ، إلي التحاق نحو 100 ألف طالب سنويًا بالمدارس العربية والإسلامية، فيما تقدّم 50 جامعة صينية برامج أكاديمية متخصصة في تعليم اللغة العربية.

وقالت إن معظم خريجي هذه البرامج يعملون في مجالات حيوية مثل وزارة الخارجية الصينية، والسفارات والقنصليات في الدول العربية، إضافة إلى مراكز البحوث والترجمة. 

ولفتت إلي  أن تأسيس مدارس تعليم اللغة العربية شهد تطورا ماحوظا في مختلف أنحاء البلاد، لا سيما في المناطق الشمالية والغربية التي تتميز بأغلبية مسلمة، مما يعكس اهتمام الدولة المتزايد بتعزيز التواصل الثقافي واللغوي مع العالم العربي.

وجاءت مرحلة الانحطاط (1966 – 1976) والتي تزامنت مع الثورة الثقافية التي أدت إلى توقف شبه كامل لبرامج تدريس العربية، حيث تعطلت الأنشطة الأكاديمية لفترة امتدت عقدًا كاملًا.

ثم تطرقت لمرحلة الازدهار (1978 – 2003)، حيث بدأت مع تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين. وبحلول التسعينيات، شهدت العلاقات الصينية – العربية طفرة كبيرة على مختلف الأصعدة. وفي عام 2001، أنشأت الصين جمعية الصداقة العربية بموافقة مجلس الدولة، في خطوة هدفت إلى تعزيز التبادل التجاري والثقافي والاستثماري.

وأشارت إلي مرحلة السعي إلى التميز (2004 وما بعدها) ودخلت الصين مرحلة جديدة من بناء شراكات استراتيجية مع أكثر من عشر دول عربية، ما انعكس على تطور الدراسات العربية داخل الجامعات الصينية، التي أولت اهتمامًا كبيرًا بالبحث العلمي وإجراء دراسات معمقة عن اللغة العربية وثقافتها.

وأكدت الدكتورة يه أن المستقبل يحمل فرصًا وتحديات في آن واحد، موضحة أن الجامعات الصينية اليوم تبذل جهودًا متواصلة للارتقاء ببرامج تعليم اللغة العربية، مستفيدة من تراكم الخبرات التاريخية، وموجهة بوصلتها نحو بناء جيل جديد من المتخصصين القادرين على خدمة التواصل الحضاري بين الصين والعالم العربي.

وأشارت الباحثة الصينية إلى أن الطفرة التي أحدثها تعليم العربية في الصين بعد تأسيس الدولة الجديدة لم تكن مجرد تطور أكاديمي، بل جسّدت رؤية استراتيجية جعلت من اللغة العربية جسرًا للتفاهم والتعاون بين الجانبين.

وفي ختام المحاضرة، عبّر عدد من الصحفيين العرب عن إعجابهم العميق بتجربة الصين في تعليم اللغة العربية، حيث أكدوا أن العرض الذي قدمته الدكتورة يه عكس اهتمامًا حقيقيًا من جانب المؤسسات الأكاديمية الصينية بتعزيز جسور التواصل مع العالم العربي.

ورأى بعضهم أن الصين تقدم نموذجًا ملهِمًا في الجمع بين الانفتاح الثقافي والتطوير الأكاديمي،

فيما شدد آخرون على أن استثمار الصين في تعليم العربية يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التفاهم والشراكة الاستراتيجية بين الشعوب العربية والشعب الصيني.

واتفق المشاركون على أن هذه التجربة لا تقتصر على لغة يتم تدريسها داخل قاعات الجامعات، بل هي مشروع حضاري متكامل يعكس مكانة الصين العالمية وسعيها لبناء مستقبل يقوم على الحوار والتكامل مع مختلف الثقافات.

هذا وقد، شهد تعليم اللغة العربية في الجامعات الصينية تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث أظهرت إحصائيات حديثة زيادة كبيرة في عدد الجامعات التي تقدم برامج دراسات باللغة العربية.

ووفقًا لتصريحات الدكتور شيو تشينغوي، أستاذ الأدب العربي وتاريخ الثقافة العربية بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين، فإن عدد الجامعات الصينية التي تُدرّس اللغة العربية قد ارتفع إلى 57 جامعة حتى عام 2025، مقارنةً بسبع أو ثماني جامعات فقط في فترات سابقة.  

وتُعد جامعة الدراسات الأجنبية ببكين واحدة من أبرز المؤسسات الأكاديمية في هذا المجال، حيث تأسس قسم اللغة العربية بها عام 1958، وتحول إلى كلية الدراسات العربية في عام 2015.

وتُقدّم الكلية برامج دراسات بكالريوس ودراسات عليا في اللغة العربية، وتضم هيئة تدريسية متخصصة في مجالات الأدب العربي، تاريخ الثقافة العربية، والعلاقات الصينية-العربية.  

وتُظهر هذه الإحصائيات والبيانات التزام الصين بتعزيز تعليم اللغة العربية، وتوفير فرص تعليمية متقدمة للطلاب الصينيين المهتمين بدراسة اللغة والثقافة العربية.

هذا التوسع في برامج الدراسات العربية يعكس أيضًا الاهتمام المتزايد بالعلاقات الثقافية والاقتصادية بين الصين والدول العربية، ويُسهم في تعزيز التفاهم المتبادل والتعاون بين الجانبين.