05 - 10 - 2025

ترامب في بريطانيا.. قراءة في أبعاد التحالفات الغربية

ترامب في بريطانيا.. قراءة في أبعاد التحالفات الغربية

تمثل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى بريطانيا في السابع عشر من سبتمبر 2025 محطة كاشفة عن طبيعة التوجهات الغربية في مرحلة تتسم بتحول جذري في النظام الدولي. فبغضّ النظر عن التفاصيل البروتوكولية ومشاهد الإبهار في حفل الاستقبال، يمكن اختزال أهداف الزيارة في بعدين رئيسيين: الأول محاولة حشد الغرب ضد روسيا والصين في ضوء الصراع الأوكراني والتوترات في الفلبين وبحر الصين الجنوبي، والثاني إعادة تثبيت الدعم للكيان الصهيوني في مواجهة تآكل صورته الدولية وتراجع مكانته في الرأي العام الغربي.

من منظور العلاقات الدولية، يعكس البعد الأول إدراكاً أمريكياً متزايداً بأن الهيمنة الأحادية التي أعقبت نهاية الحرب الباردة لم تعد قابلة للاستمرار. فالحرب في أوكرانيا ليست مجرد نزاع إقليمي، بل تُعد اختباراً لمصداقية "النظام الليبرالي الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة منذ منتصف القرن العشرين. في المقابل، يشكل بحر الصين الجنوبي ساحة لتجسيد الصعود الصيني، سواء عبر التوسع العسكري أو النفوذ الاقتصادي. وهنا تتضح محاولة ترامب لاستدعاء خطاب الحرب الباردة، إذ يسعى إلى إعادة تشكيل التحالفات عبر إحياء ثنائية "الغرب في مواجهة الشرق"، بما يعزز شرعية القيادة الأمريكية في أعين الحلفاء الأوروبيين.

غير أن هذا الطرح يواجه تحديات بنيوية، فأوروبا غارقة في أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، كما أن الرأي العام الأوروبي بات أقل استعداداً للانخراط في صراعات لا تمس مصالحه المباشرة. كذلك، فإن التداخل الاقتصادي العميق بين أوروبا والصين يحد من قدرة الخطاب الأمريكي على فرض اصطفاف كامل، على خلاف ما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي. وبالتالي، تبدو محاولات الحشد الأمريكية أشبه بجهد دفاعي للحفاظ على نظام آخذ في التآكل أكثر من كونها مشروعاً توسعياً جديداً.

أما البعد الثاني، والمتعلق بالكيان الصهيوني، فيكشف عن تحوّل لا يقل أهمية. فقد حظي هذا الكيان لعقود طويلة بدعم غير مشروط من الغرب، باعتباره جزءاً من البنية الأمنية والسياسية المشتركة. غير أن السنوات الأخيرة شهدت تصدعات واضحة: تقارير المنظمات الحقوقية، وارتفاع أصوات حركات المقاطعة، وتنامي النقد في الإعلام البديل، كلها عوامل ساهمت في كسر "التابو" الذي كان يحول دون المساس بمكانة الكيان.

من هذا المنطلق، يسعى ترامب عبر زيارته إلى بريطانيا إلى إعادة إنتاج مقولة مركزية: إن أمن "إسرائيل" امتداد مباشر للأمن الغربي. غير أن هذه المقولة تبدو أقل إقناعاً اليوم، في ظل ازدياد وعي الرأي العام الغربي بالجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، وتراجع استعداد الحكومات الأوروبية لتحمّل الأكلاف السياسية والأخلاقية المترتبة على الانحياز المطلق.

إن القراءة الأكاديمية لهذه الزيارة تكشف عن مأزق استراتيجي مزدوج: فمن جهة، لم تعد ثنائية "الغرب في مواجهة روسيا والصين" قادرة على إخفاء حقيقة تراجع النفوذ الأمريكي وصعود قوى دولية بديلة، ومن جهة أخرى، فإن خطاب الدعم غير المشروط للكيان الصهيوني يواجه تآكلاً تدريجياً يعكس تحولات في الوعي العالمي. وعليه، فإن زيارة ترامب إلى بريطانيا يمكن النظر إليها باعتبارها محاولة لوقف مسار تاريخي يتجه نحو تعددية قطبية أوسع، لكنها في جوهرها تعبير عن أزمة أكثر من كونها دليلاً على قوة متجددة.
------------------------------
بقلم: إبراهيم خالد


مقالات اخرى للكاتب

هجمة مرتدة .. كيف أربكت حماس حسابات نتنياهو؟