في تعقيبه على مقال (السايس والسياسة الدولية)، يشير الدكتور حافظ السلماوي، الرئيس الأسبق لمرفق الكهرباء والأستاذ بكلية هندسة الزقازيق، إلى:
"أن القصة موحية، وهي صورة جميلة من الفن القصصي، حينما يُشبِه ما نراه من أمور على المستوي الدولي بأمور حياتية، نراها يوميًا، وندرك الحكمة منها، فتساعدنا على فهم ما هو مطروح دوليا، والذي قد يتوه معناه وسط التحليلات المعقدة التي لا تخرج في معناها عن القصة البسيطة الواردة في المقال.
إن ما حدث مع قطر هو بالضبط ما قام به السايس، فقد فُرضت إتاوة تحت مسمى الحماية ضد المخاطر، لتأتي المخاطر فتكتشف قطر أنه لا توجد حماية، بالرغم من التزامها وزيادة. وأن ما تفعله أمريكا ليس أكثر من كونه بلطجة دولية، زادت عليها أنها كانت متآمرة مع المعتدي.
أما حالة السايس فقد يكون كذلك نظرًا لتمنع صاحب السيارة في البداية عن دفع الإتاوة، لكنه يعرف قبل غيره أن ما يأخذه هو إتاوة ليست بغرض الحماية. ويظهر نموذج السايس عندما يغيب القانون وتكثُر البطالة، وهذا بالضبط ما يحدث على المسرح الدولي، فقد غاب القانون أو حتى العرف، والذي لا يُقر أخد مال بدون مقابل حقيقي، والتدهور في حالة الدول وهو ما يعادل بطالة الأفراد، تبدأ بانتهاج سلوك البلطجة الدولية لمواجهة التدهور الذي تعانيه. فعندما كانت أمريكا قوية حاربت النازية مع أوروبا، وزادت بأن قدمت دعمًا لإعادة تعمير أوروبا بعد الحرب، صحيح أنها قبضت الثمن بأن حلت محل أوروبا دوليًا، وكان هذا في شكل صفقة خذ وهات. لكن مؤخرًا، وبعد ظهور التدهور في الحالة الأمريكية رأينا سلوك البلطجة هو السائد، وهو هات دون خذ، إلا درءًا للبلطجة.
جانب آخر جميل من القصة، في سردية السايس عندما هددته صاحبة السيارة، من خلال الاتصال بشخص لا يعلم ولا نعلم من هو، فقد تكون القصة مختلقة، فربما دفعت له كي يتركها، وهو يعلم أن صاحب السيارة لم يشاهد شيئًا. وهذا بالضبط حالة قطر، أو دول الخليج. فقد ذكرت أمريكا سردية أنها لم تُبَلَغْ من إسرائيل إلا في آخر لحظة وأنها قامت بدورها بإبلاغ قطر، ولكن هذا أخذ بعض الوقت حيث أنها ابلغتها بعد حدوث الضربة بعشر دقائق.
بينما، ويمكن أن يكون هذا هو الفارق الوحيد بين السايس وأمريكا، وهو أن أمريكا لابد أن يتم إبلاغها بوقت كاف نظرا لوجود القاعدة المجهزة بأعلى وسائل الحماية، وأكيد أن إسرائيل أبلغتها حتى لا تتدخل، ولو على سبيل الخطأ، بل زادت أمريكا عليه بأن عطلت جميع وسائل الدفاع الجوي على مسار الطائرات المغيرة حتى لا يكون أمام دول الخليج سوي السردية الامريكية. وقد أزيد على ذلك من شكي في انطلاق الطائرات من قاعدة العديد نفسها، حيث أن ضرب هدف بسيط مثل منزل وبه اجتماع قد ينفض في أي وقت لا يحتاج ١٥ طائرة، مثلما قالت إسرائيل، ولا يمكن الاعتماد على طائرات تنطلق لتأخذ أكثر من ساعة لتصل إلى هدفها، الذي قد يكون تحرك خلال تلك الساعة، ولكن المنطقي هو انطلاق مُسيرة أو اثنتين من قاعدة العديد على بعد ٣٠ كلم من المنزل وتوجيه الضربة والعودة دون أن يدري أحد، لتَعَطُل جميع وسائل الدفاع الجوي. وقد يبدو هذا التفسير من وجهه نظر البعض مبالغا، إلا أنه يرقي لأن يكون مماثلاً لما يقوم به السايس نفسه، بالتخريب كدرس لأصحاب السيارات بألا يمتنعوا عن دفع الإتاوة." انتهى..
محاولة جديدة لتفسير وفهم ما يجري تحمل وجهة نظر مختلفة، تستحق أن نفكر فيها، خاصة إذا أضفنا إليها البعد اللوجيستي المتمثل في إمداد الطائرات بالوقود في الجو..
------------------------------------
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط
[email protected]