17 - 09 - 2025

بين قرار شابة وصراع المجتمع.. حكاية دميانة فتاة المنيا التي أشعلت جدل الحرية والدين

بين قرار شابة وصراع المجتمع.. حكاية دميانة فتاة المنيا التي أشعلت جدل الحرية والدين

في صباح قائظ من سبتمبر، اصطف العشرات من الأقباط أمام مبنى ديوان محافظة المنيا، رجالا ونساء كبارا وصغارا، بعضهم رفع لافتات مكتوب عليها: عايزين بنتنا، والبعض الآخر اكتفى بالدموع والصمت.. المشهد لم يكن مجرد وقفة احتجاجية عابرة بل انعكاس لصراع طويل بين حرية الفرد في أن يختار مصيره وبين وجع عائلة ومجتمع ما زال يرى أن أي خروج عن المألوف يهدد تماسكه..

- اختفاء يتحول إلى قضية

بدأت القصة حين غادرت دميانة، فتاة المنيا ابنة الرابعة والعشرين عاما منزلها بشكل مفاجيء، أسرتها سارعت بإبلاغ الجهات الأمنية، لتبدأ الشائعات تتدفق: هل اختطفت؟ هل غرر بها أحد؟ أم أنها اتخذت قرارا شخصيا بعيدا عن الضغوط؟ بعد أيام من الترقب ظهرت الفتاة أمام النيابة العامة لتقول كلمتها بوضوح: أسلمت بإرادتها الحرة ولا ترغب في العودة إلى بيت العائلة.. النيابة اكتفت بأقوالها وصرفتها لتبدأ أزمة جديدة، هذه المرة أشد قسوة على الأسرة والمجتمع..

قرارها كان صادما لعائلتها التي لم تستوعب أن ترفض حتى الجلوس معهم.. بينما خرجت جموع من الأقباط في وقفة أمام ديوان المحافظة، لم يكن الهتاف ضد دين بعينه، بل كان خوفا إنسانيا خالصا: بنتنا فين؟ هل هي بخير؟ هل قرارها نابع من حرية كاملة أم تحت ضغط؟

- مجتمع منقسم بين حرية وقلق

الشارع المنياوي انقسم سريعا، فريق يرى أن ما فعلته دميانة حقها الطبيعي كامرأة راشدة تختار معتقدها دون وصاية، وفريق آخر يشكك في الطريقة المفاجئة التي تم بها الأمر، أحد شباب القرية لخص الموقف بقوله: اللي يغير دينه حر بس ليه تختفي فجأة وتعلن ده بعيد عن أهلها؟؟

لكن خلف هذا الانقسام، يظل صوت دميانة غائبا عن الساحة فهي لم تظهر علنا لتروي قصتها أو تشرح دوافعها لتبقى صورتها محصورة بين خطابين: خطاب يقدس قرارها باعتباره حرية شخصية وخطاب آخر يراها ضحية ضغوط أو إغراءات..

- تاريخ متكرر في المنيا

المنيا ليست غريبة على مثل هذه القصص.. تاريخها الحديث يزخر بحوادث لفتيات غيرن ديانتهن أو اختفين لفترة ثم ظهرن ليشعلن الجدل، في مجتمع ريفي مترابط، تتحول أي واقعة مشابهة إلى قضية رأي عام، لأن العائلة والدين متداخلان بشدة، يقول أحد الباحثين في شؤون المجتمع القبطي: ملف تغيير الدين في الصعيد حساس جدا، وأي واقعة تتحول لقضية مجتمع وليس فردا، لأن الناس هنا شايفة إن أي خروج عن المألوف ممكن يهز التعايش كله..

- القانون 

من الناحية القانونية، ما قامت به دميانة لا يخالف أي نص، فهي كاملة الأهلية ولها الحق في اختيار عقيدتها،  لكن القانون لا يعالج وجع العائلات التي تشعر بأنها فقدت ابنتها، محامي مطلع على الملف يوضح: أن النيابة تعاملت بالقانون: البنت قالت إنها أسلمت بإرادتها وصرفوها،  لكن ده ما يمنعش إن أهلها عندهم حق يشوفوها ويطمئنوا عليها، القانون يحمي حرية الفرد، لكنه لا يجيب على مشاعر الفقد..

- أصوات دينية في موقف حساس

الكنيسة التزمت الصمت الحذر، متابعة ما يجري عن قرب و أحد الكهنة قال: الموضوع ليس قرارا شخصيا بس في أسرة مكسورة ومجتمع يغلي. إحنا بندعوا للهدوء، لكن جرح الأهل صعب..على الجانب الآخر، أكد بعض الأئمة أن حرية الاعتقاد مصونة شرعا وقانونا: لا إكراه في الدين، لو البنت اختارت الإسلام بإرادتها، فده حقها الكامل..

القضية طرحت سؤالا قديما يتجدد: أيهما أولى حرية الفرد في أن يختار معتقده، أم استقرار الجماعة التي ترى في ذلك تهديدا لتماسكها؟ في مجتمعات الصعيد، حيث العائلة والدين وجهان لعملة واحدة، أي قرار فردي قد يتحول سريعا إلى أزمة جماعية..

اليوم، تمضي دميانة في طريقها الجديد، محاولة أن تعيش وفق قناعتها، بينما تبقى أسرتها غارقة في صدمة الفقد، وبينهما يقف مجتمع كامل يتأرجح بين التعاطف والخوف، بين الدفاع عن الحرية والقلق على التماسك..

في النهاية، تظل قصة دميانة تذكرة بأن الحرية الفردية في مجتمعاتنا ما زالت تصطدم بجدار من التقاليد والعواطف، وأن قرار شابة في عمر الزهور قادر أن يفتح جرحا قديما في علاقة الدين بالعائلة والسياسة.