من الطبيعى أن يكون اليهودى منتظرا لمجئ المسيح حسب التصور التوراتي لطبيعة السيد المسيح حسب النظرة اليهودية التوراتية . تلك النظرة التى تنتظر مسيحا سيأتى ليحكم العالم حكما دنيويا كملك جبار قاهر فى الحروب حسب الهوية والطبيعة اليهودية الاستعلائية والعنصرية التى تختلف وتتميز على كل البشر ( الأغيار ) .
واعتمدت الصهيونية المسيحية السياسية على اختراق المسيحية على الآية التى تقول (جئت لأكمل لا لأنقض) مما جعلهم يجمعون بين التوراة وبين الانجيل فى كتاب واحد تحت مسمى ( الانجيل ) عام ١٥٤٤ . معتمدين على التفسير الحرفى للنص الدينى . وحتى يصل هذا الاختراق إلى مداه السياسى فى المقام الأول وليس الديني؛ حيث أن هناك فارق كبير بين المعتقد اليهودى والمعتقد المسيحى . هنا كان لابد من استغلال بعض النصوص الإنجيلية لتبرير هذا الاختراق فاعتمدوا على نص فى انجيل يوحنا يتحدث عن مايسمى بالحكم الألفى . هنا حاولوا الربط بين المجئ الثانى للمسيح حسب المعتقد المسيحى وبين المجئ الأول للمسيح الذى لازال ينتظره اليهود . وكأن لا فرق بين مجى المسيح الذى أمن به المسيحيون وبين المعتقد اليهودى الذى لازال ينتظر مسيحا على المقاس اليهودى العنصرى !!
وكان تفسيرهم للحكم الألفى عن طريق بعض الطوائف المسيحية التى هى أقرب لليهودية منها للمسيحية . أن المسيح سيأتى ليحكم العالم لالف عام حكما دنيويا ويكون هناك سلام وبعدها يكون العالم كله للمسيح الذى ينتظره اليهود .
هنا لابد للمسيحى الحقيقى الذى ينتظر مجئ المسيح أن يعمل من أجل هذا المجيء . هنا نصل إلى قمة الاختراق الصهيونى ويتم الخلط بين الفكرة وبين السردية اليهودية التلمودية التى تصر على أن اليهود هم شعب الله المختار وان فلسطين هى أرض الميعاد الذى وعد الله بها ابراهيم . كما أنهم بمعنون فى الكذب بأن المسيح لكى يأتى ثانية لابد من إعادة بناء الهيكل حسب نبوءة التوراة؛ لذا لابد من هدم المسجد الأقصى حيث يزعمون أن المسجد مكان الهيكل مع العلم أن نبوءة بناء الهيكل قد تمت قبل ذلك أكثر من مرة كانت أولها عام ١٨٧ قبل الميلاد . هنا إذا كان الاختراق يهدف الى ايمان المسيحى حرفيا بكل ماجاء فى التوراة . وإيمان المسيحى بالمجئ الثانى على الطريقة اليهودية الصهيونية . واذا كان هذا يتطلب أيضا وبالمرة الايمان بأن اليهود هم شعب الله المختار وان فلسطين هى أرض الميعاد . هنا فقد تكتمل الحلقة وتتحول القضية الفلسطينية إلى مواجهة دينية بين المسيحية الصهيونية واليهود وبين الاسلام . خاصة أن حماس قد ساهمت فى تديين القضية مما بصب فى صالح التديين الصهيو مسيحى . هنا كان طبيعيا أن نرى بايدن يقول إنه مسيحى صهيونى وان لم يكن يهوديا أو يقول لو لم تكن هناك اسرائيل لاخترعناها !!! كما نرى أفعال ترامب الذى يتقمص دور المخلص الدينى لتحقيق أهداف إسرائيل التوسعية وتحقيق مايسمى باسرائيل الكبرى حسب السردية التوراتية !!!
هنا لابد أن يعلم الجميع أن هذا الاختراق الصهيونى للمسيحية تحت هذه المزاعم لا علاقة لها البتة بصحيح المعتقد المسيحى الصحيح . فالكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية لا تؤمن بهذا الحكم الألفى المزعوم . فهى تؤمن أن التنبؤات قد تحققت وان الهيكل قد بنى أكثر من مرة وان اليهود لم يعودوا شعب الله المختار وان فلسطين ليست ارض الميعاد وغير الميعاد وان المسيح يحكم اتباعه الان حكما روحيا لا دنيويا كما أن عدد الف عام فهذا حكما مجازيا ( الف عام عند الله كعام وعام كألف عام ) .
هنا لابد أن ندرك جميعا خطورة ذلك المخطط وخطورة تديين القضايا والمجتمعات لأن هذا التديين فى مصلحة المستعمر أيا كان اسمه . كما على الكنائس الاهتمام بهذه القضية اهتماما خاصا حتى لا يتم استغلال هذا التديين وتلك المواجهات الدينية المصطنعة ضد مصلحة الوطن . هنا نذكر بموقف الكنيسة المصرية الذى أعلنه البابا شنودة والانبا اغريغوريوس بأن اليهود ليسوا شعبا مختارا ولا فلسطين ارضا للميعاد كما أن اسرائيل لم تأت بوعد من الله ولكن بوعد من بلفور . حفظ الله مصر وشعبها العظيم من شر الفتن الدينية وغير الدينية .
--------------------------------
بقلم: جمال أسعد