شكّلت الضربة الجوية الإسرائيلية على الدوحة حدثًا استثنائيًا ومفصليًا ليس فقط فى مسار الوساطة القطرية فى إنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، بل وفى مسارات العلاقات الخليجية الإسرائيلية واتفاقيات التطبيع الخليجي الإسرائيلي، وخصوصا الأمنية، ووضعت علامات استفهام عديدة حول فاعلية البنية الدفاعية والعسكرية القطرية وقدرتها على مواجهة المخاطر ، بل وشككت فى جدوى وجود قواعد عسكرية أمريكية فى منطقة الخليج، تتظاهر بالموالاة وهى فى الواقع تخدم الأمن الإسرائيلى وتحميه.
ربما كانت الحسنة الوحيدة لهذه الضربة أنها أعادت إسرائيل لموقعها الحقيقي كعدو تاريخى للعرب كافة بعد أن تم استبدال إيران بها لسنوات طويلة وتصويرها بأنها الخطر الأكبر على أمن الخليج، فبعد أن حول التطبيع إسرائيل من دولة احتلال إلى دولة صديقة، فإن هذا الهجوم سيكون سببا رئيسيا فى إعادة التفكير جديا فى اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية وجدواها ومخاطرها على كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
فشلت إسرائيل في اغتيال قادة حماس حماس لكنها نجحت فى اغتيال أى فرصة فى استكمال
المفاوضات، ونجحت فى إنهاء الدور القطرى فى الوساطة وربما يتبعه الدور المصرى ، بعد التهديدات الإسرائيلية بملاحقة قادة حماس فى اى مكان يذهبون إليه ، وكشفت الضربة الغطاء عن أوهام الوساطات الأمريكية و المشاريع الترامبية لوقف الحرب، وهو الأمر الذى يضع الجميع أمام حقيقة واحدة ، أن إسرائيل عازمة على استكمال مخططها بمساعدة ومباركة أمريكية، ولن يوقفها سوى الوقوف صفا واحدا فى وجه الكيان الإسرائيلي ومخططاته.
*ضرب الدوحة والخطاب الإعلامى*
ما حدث فى الدوحة كان بمثابة أولا "قرصة ودن" لدولة قطر وقناة الجزيرة التى لم تتوقف لحظة واحدة عن عرض ما يحدث فى غزة منذ بداية العدوان وحتى الآن .
ومثل تهديدا مباشرا لقادة حماس بأننا يمكن أن نصل إليكم فى أى مكان ، وشكل ضربة قاسمة لبنود الاتفاق الذى عرضه ترامب مؤخرا ووافقت عليه حماس بشكل مبدئى والذى كان من الممكن أن ينهى الحرب فى غزة.
منح العدوان الإسرائيلي على الأراضي القطرية نتنياهو فرصة جديدة لاستكمال المخطط الذى بدأه، وصرف الأنظار عما يحدث فى مدينة غزة من قتل ممنهج ضد المدنيين وهدم الأبراج المستمر وأوامر الإخلاء والدفع بالسكان جنوبا نحو المواصى استكمالا لمخطط التهجير وأبعد كاميرات الجزيرة نسبيا عن متابعة ما يحدث ونقله للعالم صوتا وصورة على الهواء .
بعد الضربة الإسرائيلية أصبحنا أمام نوعين من الخطاب الإعلامي، خطاب الشماتة والسخرية من قطر ، وخطاب الدعم والمساندة لها ، الأول شعبوى وغير رسمى لكنه يزيد من فرقة الدول العربية وتشرذمها ويعلى مصلحة كل دولة عربية على حدة فوق مصالح الجميع، لكنه يحولها إلى لقمة سائغة أمام العدو يلتهمها ثم يبحث عن التى تليها ..
والثانى خطاب رسمى تبنته كل الدول العربية والإسلامية، يلم الشمل ويزيد الترابط والوحدة بين الدول العربية ويجعلها تقف صفا واحدا فى وجه عدوها التاريخى، وهو الخطاب الذى يجب أن تتعلمه الشعوب العربية.
صحيح أن قطر تبنت خطابا إعلاميا عدائيا من خلال شبكة قنوات "الجزيرة" تجاه العديد من الأنظمة العربية على مدار سنوات طويلة ولم تأبه لخطورة التدخل فى الشأن الداخلى للدول، أو المساهمة بشكل مباشر فى إشعال جذوة الثورات العربية، وإسقاط العديد من الأنظمة العربية الأمر الذى أدى إلى تحقيق بعض الأهداف الغربية ومعهم اسرائيل فى نشر الفوضى فى المنطقة وتغيير خريطة الشرق الأوسط بشكل أو بآخر ، وصحيح أن الجزيرة تراجعت عن نهجها فى مهاجمة الدول العربية وأنظمتها عقب مصالحة قمة العلا فى 2021 ، والتى أعقبتها المصالحة المصرية القطرية فى 2022 ، وأصبح كل تركيزها على نقل معاناة الفلسطينيين، وما ترتكبه إسرائيل من جرائم إبادة منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى الآن ، وهذا ما وضعها فى عداء مباشر مع إسرائيل التى اغتالت 240 صحفيا معظمهم يعملون بقناة الجزيرة، ولعل ذلك يثير إشكالية جديدة تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحليل مفادها: هل تستطيع قناة الجزيرة أن تحمى دولة صغيرة بحجم قطر من الاعتداءات الإسرائيلية المحتملة مستقبلا، أم أن تأمين الدول يحتاج إلى أكثر من مجرد شبكة قنوات فضائية واسعة الانتشار ، وأن هناك مخاطر فعلية فى أن يكون إعلامك أقوى من قدراتك العسكرية والدفاعية أظهرتها جليا الضربة الإسرائيلية للعاصمة القطرية.
--------------------------------
بقلم: سحر عبدالرحيم