09 - 09 - 2025

ضرورة الحرب الإجهاضية

ضرورة الحرب الإجهاضية

رغم انتهاء عملي في القوات المسلحة قبل نصف قرن تقريباً ، إلا أنني لم أتوقف عن قراءة الكتب العسكرية ، ومتابعة تطور نظريات الحرب والتسليح ، وقد التهمت تقريباً كل أمهات الكتب التي تناولت موضوع " الحرب " ، كما كتبت كثيرا في هذا الموضوع الشائك .

ومن الضروري أن ندرك أهمية أن تكون أي دولة جاهزة لإحتمال الحرب ، فهو إحتمال ملازم لكل المجتمعات البشرية في مسيرتها الطويلة عبر التاريخ.

والإعداد لهذا الإحتمال الدموي ، لا يتطلب فقط توفير أفضل انواع المعدات العسكرية والأسلحة كماً ونوعاً ، وإنما تحقيق التعبئة العامة المناسبة لكل حالة علي حدة ، وإعداد إقتصاديات خاصة يطلق عليها إقتصاد الحرب ، وتتضمن في الغالب ترشيد الإنفاق الحكومي ، وتخصيص ميزانية أكبر  للمجهود الحربي ، وتخزين إحتياطيات هائلة من الإحتياجات الأساسية مثل الوقود والطعام والمياه..

من أقدم الكتب التي عالجت نظرية الحرب كان كتاب الفيلسوف الصيني الشهير " صن تسو " ( الحرب ) ، والذي تشبع بفلسفة كونفوشيوس  ( 500 قبل الميلاد ) .

كان يؤكد علي أهمية هزيمة العدو بغير حرب فعلية ، وذلك عن طريق ضرب إستراتيجية العدو ، بحيث يؤدي التخطيط الجيد إلي انهزام العدو دون الإضطرار إلي قتاله .

وعلي عكس نظرية الهجوم الشامل التي اعتنقها كلاوزفيتز،  فأن الإستراتيجي الانجليزي ليدل هارت من واقع تجربته الشخصية في الحرب العالمية الأولي،  ودراسة إخفاقات الجيش الانجليزي،  قام بتطوير نظرية الحرب،  واستبدل نظرية الهجوم المباشر لكلاوزفتز ( والتي شهدت تطبيقات عديدة في الحروب النابليونية ) ، بنظرية الإقتراب غير المباشر ، وشبهها بأسلوب التتار تحت قيادة جنكيز خان الذي كان مزيجا محكما ما بين الحركة والقوة .

رأي ليدل هارت ( ١٩٢٢ ) أن حروب العصر الحديث يجب أن تعتمد بشكل متزايد علي قوة التدريع وسرعته مع الإسناد الجوي ( والذي كان آنذاك في بدايته ) .. وقد اعتنقت العسكرية الألمانية هذه العقيدة وحققت بها نتائج مبهرة في السنوات الأولي للحرب العالمية الثانية .

وترتكز نظرية الإقتراب غير المباشر علي أن الإنتصار ليس تدمير قوات العدو بشكل مادي ، وإنما تحقيق انهياره المعنوي ، بالضغط المتزايد بالقوات والنيران ، وخاصة علي نقاط الضعف ، واستغلال ذلك في الاختراق مع استطلاع جيد يؤمن سرعة الوصول إلي مؤخرة العدو ، لإرباكه وتشتيت فكر مراكز القيادة والسيطرة ، مع التركيز علي القصف المستمر لخطوط إمداده ( وربما يقترب هنا ليدل هارت من الصيني صن تسو الذي روج بعقيدة النصر بدون قتال مع اختلاف في التكتيك ).

وقد كنت قد فكرت أن أكتب اليوم عن موضوع " الحرب الإجهاضية " ، لأنني أعتقد جازماّ في أنه إذا كانت كل المؤشرات تؤكد أن " العدو " يجهز كل الذرائع لشن عمليات تعرضية خاطفة ، فمن واجب رؤساء أركان حرب الأفرع الرئيسية ، إعداد خطط " ضربات إجهاضية " ، لإحباط الهجوم المتوقع ، واستغلال حالة الضعف والإرتباك التي أصابت صفوفه ، وحالته المعنوية الخائرة ، لضمان نجاح هذه الضربات ..

أن " الحرب الإجهاضية " تمثل أحياناً  حربا وجودية لإنقاذ الدولة من عدو له قدرات عسكرية متفوقة ، ووجود دلائل قوية علي إعداده لهجوم خاطف مفاجئ ..

أما كيف يتم ذلك ومتي ، فذلك أمر يطول شرحه ،و يحتاج إلي مساحات شرح قد لا تساعد عليها ظروف الصحة في الوقت الحالي ...

--------------------------------

بقلم : معصوم مرزوق

مساعد وزير الخارجية المصري الاسبق

مقالات اخرى للكاتب

ضرورة الحرب الإجهاضية