منذ عقود، شكّلت عمليات الاغتيال أحد الأعمدة الرئيسية في عقيدة الاحتلال الصهيوني، سلاحًا يحاول به أن يعوّض عجزه البنيوي أمام إرادة المقاومة. لكن الحقيقة التي لا يريد الإعلام الموجَّه في تل أبيب أن يعترف بها، أنّ كل عملية اغتيال لقادة المقاومة، من الشيخ أحمد ياسين إلى الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ومن قبلهم وبعدهم، لم تكن يومًا ثمرة بطولة عسكرية أو تفوق استخباري خالص، بل كانت نتيجة خيانة وغدر، زرع عملاء باعوا دينهم ووطنهم بثمن بخس.
اليوم، يقف اسم أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب القسام، كابوسًا يؤرق قادة الكيان. صوته وحده صار سلاحًا نفسيًا أشد وقعًا من الصواريخ، ينتظره كل حرّ في العالم، ويخشاه كل صهيوني متطرف. كل كلمة ينطقها تُربك العدو، وتبث الطمأنينة في صفوف المقاومين، حتى غدا رمزًا حيًّا لمعنى الصمود والتحدي. لذلك، يلهث الاحتلال وراء حلم اغتياله، وكأن في موته نهاية المقاومة، أو طيّ صفحة غزة.
لكن هذا الكيان المهزوز، الذي يختبئ خلف جدار فولاذي من الدعم الأميركي والغربي، لم ينجح يومًا في مواجهة المقاومة وجهًا لوجه. فعلى مدى أكثر من ٢٤ شهرًا من الحرب الشرسة على غزة، بما حملته من دعم دولي وعربي مفضوح للعدو، لم يستطع الاحتلال أن يحسم معركة، ولا أن يطفئ جذوة الجهاد. هدم البيوت حجرًا حجرًا، وحوّل غزة إلى أطلال، لكنه لم يهزم روح المقاومة، ولم يكسر إرادة شعبها.
لقد ظنّ الصهاينة أن الاغتيال يطفئ نار المقاومة، لكن التجربة التاريخية تثبت العكس. اغتالوا الشيخ أحمد ياسين، فاشتعلت غزة. اغتالوا الدكتور الرنتيسي، فازدادت الانتفاضة اشتعالًا. لاحقوا فتحي الشقاقي في مالطا، وقتلوا وديع حداد عبر السم، حتى امتدت أياديهم الغادرة إلى قادة في الخارج، ولم تكن أي عملية إلا بفضل خيانة من عميل، لا بفضل قوة هذا الكيان. ومع ذلك، بقيت المقاومة حيّة، وخرج من بين دماء الشهداء ألف قائد جديد.
إنّ حلم اغتيال أبو عبيدة ليس إلا محاولة يائسة للكيان لتغطية هزائمه المتراكمة. حتى لو تحقق هذا الحلم – عبر خيانة لا عبر بطولة – فإن المقاومة لن تموت، كما لم تمت بعد اغتيال آلاف القادة منذ عام ١٩٤٨. فكلما ارتقى شهيد، وُلد ألف مقاتل جديد، وكلما أُسكت صوت، علت أصوات أخرى أشد وأقوى.
والحقيقة الأعمق التي يخشاها الصهاينة أنّ كيانهم كله هشّ لا يعيش إلا على أجهزة التنفس الأميركية. هذا الكيان العشّ لن يستطيع أن يبقى يومًا واحدًا إذا سقطت أو تفككت أمريكا، وهو أمر تلوح بشائره في الأفق. ويومها سيشهد العالم مشهدًا مهيبًا: كل المجاهدين من بقاع الأرض يرفعون الأذان في القدس، بإذن الله، إيذانًا بزوال هذا الكيان إلى غير رجعة.
وهكذا، يظل حلم إسرائيل باغتيال أبو عبيدة مجرد كابوس يعكس هشاشتها، ويُثبت للعالم أنّ المقاومة فكرة، والفكرة لا تُغتال.
أيها الأحرار في كل مكان، إن المعركة ليست مع رجل أو قائد، بل مع كيان دخيل على التاريخ والجغرافيا. كل شهيد يسقط هو بذرة حياة جديدة، وكل اغتيال هو ولادة أمة أشد صلابة. سيرحل الاحتلال كما رحلت كل الإمبراطوريات الباطلة، وسيبقى صوت الأذان يعلو في سماء القدس. وإن غدًا لناظره قريب، وعد الله حق، {وكان حقًا علينا نصر المؤمنين}.
------------------------------
بقلم: عز الدين الهواري