24 - 08 - 2025

مظلمة الأسرة

مظلمة الأسرة

لا أزعم أن لى بالقانون كثير علم ولا قليل فأستعين به على النظر فى القوانين والتشريعات وعمل المحاكم، لكن الأحكام الناشئة عن هذه القوانين والتشريعات أثرها ظاهر بادٍ لأعين المشرعين، والقانونيين، والمتقاضين، وأمثالى من الأميين.

والأميون أمثالى يعلمون أن المحاكم تعقد لفض النزاعات، والفصل فى الخصومات، ورد المظالم، وإقامة العدل، إلا ما يراه الناس من محكمة الأسرة، فإنه يدخلها الزوجان فيخرجان أشد خصومة، وعداوة، ولجاجة، فالذى تقضى له المحكمة يشكو طول أمد التقاضى، وقلة الإنصاف (فى ظنه)، والذى تقضى عليه يشكو الغبن، والمحاباة، والتحامل! فالكل ساخط متسخط، والكل متربص بصاحبه ليوقع به، ثم يكون من أثر ذلك أن يشعر كثير من المتقاضين بالمظلمة الشديدة فتنشأ عن الحكم خصومة ألَجُّ، وتنازع أشد، فيكون بين الطليقين وأسرتيهما ما يشهده الناس من المشاجرات والمُسابَّات فى نوادى الرؤية وتحضرها الشرطة للفصل بينهم، ويقع من بعضهم ترويع، وخطف، ويفضى الحقد ببعضهم إلى القتل، بل القتل الجماعى أحيانًا! وحين تفيض الأخبار بهذه الوقائع، ويمسى الناس ويصبحون عليها فهاهنا نقول: يجب مراجعة قوانين الأسرة، وإعادة النظر فى أعراف الزواج عند المصريين، فقد أفضت إلى كثرة الطلاق، وازدياد الخصومات بين الناس.

فالزواج فى شرعنا سكن ومودة ورحمة، فإذا وقع النفور بين الزوجين ففيه إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وانظر إلى جمال الألفاظ فى حال الخصومة (معروف وإحسان)، بل أقول متيقنًا إن آداب الطلاق التى جاءت فى سورة الطلاق لو أخذ بها الأزواج لما وقع أكثر الطلاق! فكيف استحالت هذه الآداب الرفيعة فى الزواج والخلاف والطلاق إلى ما نراه اليوم من عداوة وتدابر وقطيعة أرحام؟! وكيف تبدلت الأسرة التى هى الأساس فى بناء الأمة إلى ثلم فى جدران الأمة ونقب فى حصونها؟!

إن مما ينبغى على أولياء الأمر، وأهل الحل والعقد فى بلدنا مصر أن  يوجهوا باحثيهم لفحص هذا الشأن، وإعداد التقارير الوافية لما خلصوا إليه، وأن يرفعوا توصياتهم إلى من بيدهم أمر (قوانين الأسرة) لمراجعتها وإصلاحها، وأظن أن إصلاح (قوانين الأسرة) ينبغى أن يزامنه إصلاح (أعراف) الزواج عند المصريين، فالعمل لتدارك الأسرة المصرية لن يعكف عليه المشرعون والقانونيون وحدهم، بل يحتاج إلى عمل كبير من أئمة الدين، وعلماء الاجتماع، وأهل الثقافة والإعلام، فإن إبطال التشريعات غير الموافقة لدين الناس، وإبطال الأعراف المبتدعة فى الزواج، ثم تثقيف الناس وتعليمهم ما لهم وما عليهم فى أمر الزواج والخلاف والطلاق عمل تضطلع به طوائف كثر؛ لإصلاح ما انثلم من جدار الأمة المصرية.
------------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

مظلمة الأسرة