احتل قرار تأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956، الذي أعلنه الرئيس جمال عبد الناصر، مكانة بارزة في دراسات العلوم السياسية، وكان موضوعًا لرسائل ماجستير ودكتوراه وأبحاث متعددة. من أبرز هذه الأعمال ما ورد في كتاب "كيف يصنع القرار في الوطن العربي"، الصادر عام 1985 عن مركز دراسات الوحدة العربية ضمن سلسلة "مكتبة المستقبلات العربية البديلة"، والذي تضمن أبحاث ومناقشات ندوة عُقدت في القاهرة.
في القسم الثاني من الكتاب، قدّم الدكتور محمد السيد سليم، أستاذ العلوم السياسية، دراسة بعنوان "قرار تأميم قناة السويس عام 1956: دراسة في اتخاذ القرار القطري". في مقدمة دراسته، أكد أن قرار التأميم يعد أحد أهم خمسة قرارات أثرت في مسار التطور السياسي للوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ استعاد لمصر سيادتها على القناة بعد أن فقدتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومنحها السيطرة على جميع أرباحها بعد أن كانت حصتها لا تتجاوز 7%، كما غيّر من أنماط التفاعلات السياسية في المنطقة.
حلل سليم القرار من جوانب متعددة: هيكل عملية اتخاذ القرار، دور عبد الناصر القيادي، نظام الاتصال داخل جهاز اتخاذ القرار، والسياق التاريخي الذي سبق التأميم. كما تناول مطالبات الحكومات المصرية السابقة بزيادة دور مصر في إدارة القناة، والمفاوضات مع شركة قناة السويس، ومحاولات الشركة تمديد فترة الامتياز، وصولًا إلى تأثير ثورة يوليو 1952 في إعادة صياغة العلاقة مع الشركة.
أفردت الدراسة مساحة للسياق المباشر الذي مهّد للتأميم، والمتمثل في سحب الولايات المتحدة وبريطانيا عرض تمويل مشروع السد العالي. وأوضح المؤلف أن عملية اتخاذ القرار تضمنت جمع معلومات عن المخاطر المتوقعة، مثل الغزو العسكري، وتجميد الأرصدة المصرية في الخارج، وانسحاب المرشدين الأجانب. كما جرت دراسة بدائل التأميم قبل اتخاذ القرار النهائي.
جاء التنفيذ بسرية تامة، وأسند عبد الناصر مهمة إدارة عملية التأميم إلى المهندس محمود يونس، نظرًا لخبرته بالأعمال الهندسية لشركة القناة من خلال عمله في مكتب القناة بمجلس الوزراء.
بهذا القرار، فتحت مصر صفحة جديدة من سيادتها الوطنية، وأرسلت رسالة قوية إلى العالم بأن القرارات الكبرى يمكن أن تُتخذ بإرادة سياسية واعية، مدعومة بحسابات دقيقة للسياق المحلي والدولي.
---------------------------
من المشهد الأسبوعية
اقرأ أيضا
خمسون عامًا على التأميم… دعوة لإحياء الوعي وتكريم إنسان القناة