31 - 07 - 2025

قريبا .. موسوعة الأدب الأمريكي باللغة العربية للمرة الأولى

قريبا .. موسوعة الأدب الأمريكي باللغة العربية للمرة الأولى

تستعد دار سما للنشر والتوزيع بالقاهرة لإصدار موسوعة الأدب الأمريكي باللغة العربية. وتعد الموسوعة المكونة من عشرة أجزاء إضافة نوعية للمكتبة العربية والموسوعة من تأليف د. صديق جوهر رئيس أقسام الأدب الإنجليزي واللغات والترجمة والمشرف على برامج الدراسات المسرحية والسينمائية والكتابة الإبداعية بجامعة الإمارات (سابقاً) ومستشار الترجمة التحريرية والشفوية في كندا والعالم العربي. 

الجزء الأول: 

كان القتل والإجرام والتطرف والإرهاب والاستعلاء وكراهية الآخر من السمات الرئيسية المتجذرة في مجتمعات المستوطنين الأوروبيين الأوائل الذين هاجروا إلى العالم الجديد (الأمريكيتين) منذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي، حيث انخرطوا في سلسلة من حروب الإبادة الجماعية على مدار ثلاثة قرون ضد أحفاد قدماء الهنود أصحاب الأرض الأصليين الذين عاشوا في تلك البلاد لمدة تربو على عشرين ألف عام منذ العصر الجليدي الأخير بعد عبورهم من سيبيريا إلى ألاسكا. من هذا المنطلق وفي ظل منهجية نقدية رصينة يهدف الجزء الأول من موسوعة الأدب الأمريكي لإعادة قراءة تاريخ العنف والقهر والاضطهاد الذي تسبب في إبادة ملايين البشر في أمريكا الشمالية وفي مناطق أخرى، من خلال دراسة وتحليل عشرات الروايات والقصص وأمهات الكتب لأهم الكُتاب الأمريكيين منذ القرن السابع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، لدحض الادعاءات الجيوسياسية والإعلامية الأمريكية التي سعت لتجميل الوجه العنصري القبيح للرجل الأبيض وشرعنة استعمار الشعوب ونهب ثرواتها وشيطنة المدافعين عن أوطانهم والمقاتلين من أجل الحرية والعدالة. لقد أفرطت الآلة الثقافية/ السينمائية الأمريكية في خداع القارئ / المشاهد وسعت لتزييف وعيه منذ صعود الإمبراطورية الأمريكية في مطلع القرن المنصرم، حيث استبدلت خطاب الواقع بأساطير أيديولوجية كاذبة عن حق الكاوبوي الإلهي المقدس في التوسع والسيطرة على العالم، بادعاء أن أمريكا بلد بلا حدود مع ترويج سرديات مفبركة عن (البراءة الأمريكية) و(الحلم الأمريكي) والديمقراطية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى مرويات ذات صبغة تلمودية وتوراتية مخادعة عن (الأرض الموعودة) و (الآباء المؤسسين) وضرورة تطهير الأرض من دنس السكان الأصليين وقصص خيالية عديدة عن (المدن الفاضلة) وشرف نقل الحضارة الغربية إلى أرض الهمج البرابرة مع تجاهل تام لانخراط رعاة البقر في تاريخ دموي من الحروب لم ينته حتى الآن، بهدف تحقيق مكاسب مادية واقتصادية وطموحات توسعية وأغراض سياسية مشبوهة. 

الجزء الثاني: 

قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية استهدفت الطائرات الحربية للحلفاء السكان المدنيين في مدينة (دريسدين) الألمانية التاريخية عاصمة ولاية ساكسونيا حتى حولتها إلى كومة من تراب، تماماً مثلما استهدفت حملة القصف الجوي الهمجية الصهيونية سكان المخيمات الفلسطينية والمناطق الآهلة بالسكان الأبرياء في غزة وضواحيها على مدار ما يقرب من عامين بدءاً من أكتوبر 2023 ، حيث ألقت القاذفات الصهيو-أمريكية على القطاع قنابل تعادل خمسة أضعاف حجم القنابل النووية التي أُسقطت على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان. في هذا السياق يتناول الجزء الثاني من موسوعة الأدب الأمريكي رواية (المسلخ رقم 5) على ضوء النظرية الأدبية المعاصرة بهدف استقصاء البناء ما بعد الحداثي لرائعة الروائي الأمريكي كيرت فونيغوت، الذي كان شاهد عيان على محرقة (دريسدين) التي قتل فيها ما يربو على مئة وثلاثين ألف نسمة. وتكمن المفارقة في أن المسلك المشين من قبل كبار قادة دول العالم إزاء المذابح اليومية التي وقعت في غزة للنساء والأطفال خلال حرب الإبادة (2023-2025) يستدعي إلى الأذهان ردَّ فعل البطل الخصي في (المسلخ رقم 5) الذي تقبَّل ما حلَّ بمدينة (دريسدين) من إبادةٍ وتدميرٍ على أنه قدرٌ محتوم، لا يمكن لأحد تفاديه. لذلك سعى المؤلف لكشف الوجه البشع للحرب من خلال تجريب سرديات جديدة، وتضمين ذكريات شخصية في متن الرواية ليجعلها بذلك جنسًا أدبيًّا هجينًا يختلف عن روايات الحرب الأمريكية التقليدية، مما جعل هذا العمل نموذجًا يحتذيه روائيو ما بعد الحداثة. لقد اصطنع المؤلف تقنيات حكائية مبتكرة وأدخل بعض عناصر الخيال العلمي من أجل تفكيك وهدم آليات السرد القائمة على الترتيب الزمني والسائدة في روايات ما قبل الحرب العالمية الثانية التي انهمكت في تعظيم الحرب وتمجيد أبطالها.  

الجزء الثالث: 

في سياق بنيوي محكم وجدل سردي رصين يجمع بين منهجية النظريات النقدية المعاصرة ورؤية فنية ثاقبة يتناول الجزء الثالث من موسوعة الأدب الأمريكي ما يربو على عشر روايات تُعدُّ الأكثر أهمية وشهرة عن الحرب الأمريكية في فيتنام، سواء كتبها روائيون شاركوا في الحرب، أو محاربون أمريكيون قدماء أو وردت في كتابات صحفية، أو تقارير وأخبار كتبها المحررون الصحفيون، الذين قضوا عامًا على الأقل بين صفوف الجنود الأمريكيين  في فيتنام، حيث استمرت الحرب على مدار اثني عشر عامًا راح ضحيتها ملايين الأبرياء من الشعب الفيتنامي، لكنها انتهت بهزيمة الجيش الأمريكي وانسحابه. إن همجية وفظاعة الحرب الـفيتنامية، وآثارها المعوِّقة لحياة الأفراد على جانبي الصراع جسديًّـا ونفسيًّـا وعقليًّـا، يشكل العصب الحيوي لهذه الأطروحة النقدية، وذلك من خلال رصد تجارب الأبطال في أهم الروايات الأمريكية التي تناولت الحرب حيث أدى الاندحارُ العسكري وخيبةُ الأمل لتحويل الجنودَ الأمريكيين  إلى وحوشٍ ضارية، فراحوا يستخدمون آلةَ الحرب الأمريكية بلا هوادة لإبادة السكان العزَّل المسالمين. وعلى عكس أفلام هوليود عن الحروب الأمريكية السابقة، فقد أفرزت روايات الحرب الأمريكية الفيتنامية نموذجًا جديدًا من الأبطال المجرمين المتوحشين المجردين من جميع المشاعر الإنسانية، الذين أدمنوا القتل والتنكيل بخصومهم من المدنيين العزل، والعسكريين. في هذا السياق تسعى الدراسة للتأكيد على أن هذه الحرب تمثل تجربة أثيمة قوضت الأساطير الثقافية الأمريكية الموروثة التي تتباهى بالحروب والمحاربين. وتبرهن الدراسة على أن الآلة الثقافية الأمريكية قد دأبت على إنتاج روايات خيالية لا يصدقها عاقل، تدحض الحقيقة والتاريخ، وتعيد تقديم قصة الحرب بشكل جديد، يخدم أهداف الحكومات الأمريكية المتعاقبة، وذلك من أجل التخلص من عقدة الحرب الفيتنامية وما لحق بالجيش الأمريكي من خسائر.

الجزء الرابع: 

دأبت الآلة الثقافية والدعائية الصهيونية في الغرب منذ القرن التاسع عشر لترويج سرديات كاذبة عن تاريخ فلسطين وأنفقت أمولاً باهظة في سبيل ترسيخ أفكار مغلوطة عن الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، لدرجة أن غالبية الأجيال الحالية في دول عديدة أصبحوا يعتقدون أن فلسطين هي أرض يهودية محتلة من العرب الفلسطينيين، وأن إسرائيل دولة مضيافة لأنها سمحت للفلسطينيين بالبقاء على أرضها، ولذلك فلديها الحق في سحق أي اعتداء على مواطنيها ومدنها بشكل وحشي ولا هوادة فيه. في هذا السياق وعلى ضوء نظريات النقد ما بعد الكولونيالي يستهدف الجزء الرابع من موسوعة الأدب الأمريكي سبر أغوار أهم ثلاث روايات أمريكية معاصرة سعت إلى تشويه تاريخ الشعب الفلسطيني وتمثل الرؤية السائدة للصراع العربي الإسرائيلي في أوساط المثقفين والكتاب في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. تشكل هذه الروايات - الأكثر مبيعاً في الأسواق الغربية - رؤية استعمارية تهدف لتحقيق أهداف دنيئة عن طريق اعتماد استراتيجية روائية تحابي المستعمِر الصهيوني المعتدي على حساب حرمان المستعمَر الفلسطيني الضحية من كافة الحقوق، بما في ذلك منعه من الظهور في النص إلا كشخصية عديمة الملامح أو كإنسان شرقيٍّ منحط الشأن. كما تجسِّد هذه الروايات سردياتٍ عنصرية وأيديولوجية مغرضة ترفض التعايش السلمي بين سكان فلسطين من كافة الأديان والعرقيات، وتتوخى تشويه الثقافة العربية والدين الإسلامي، من خلال تصوير الفلسطينيين كبرابرة وهمج بينما يظهر المستعمِرون والمستوطنون الصهاينة على أنهم حَمَلةً لرايات الديمقراطية والحضارة الغربية مستبدلةً بخطابِ الحقيقةِ والواقعِ على الأرض الخطاب المتخيَّل أو المتوهَّم سعيًا وراء تسويغ الخطاب الأخير، وإنشاء تاريخ مسوَّغ يروق للغرب الاستعماري ويحقق تصوراته عن الشعوب العربية.

الجزء الخامس: 

تُعد قصائد كبار الشعراء سجلاً جامعاً شاملاً يمثل ذاكرة الشعوب ويعكس أمجادها وتاريخها وتطورها الحضاري ويجسد أفراحها وأتراحها وإنجازاتها ونكساتها وماضيها وحاضرها ويستشرف مستقبلها. في هذا السياق يصحبنا الجزء الخامس من موسوعة الأدب الأمريكي في رحلة ماراثونية عبر أرشيفات الشعر الأمريكي العامرة بعشرات الدواوين والملاحم والقصائد الشعرية بدءاً بديواني الشاعر ويتمان (أوراق العشب) و (أغنية إلى نفسي) حيث يعبر عن فخره بالحضارة الأمريكية الناشئة في القرن التاسع عشر: (أيتها المدن، اكبري، تنامي/ وازدهري، حمِّلينا أعباءك الثقال / أرينا كوامنك الدفينة / ضعي بين أيدينا أنهارك السخية المترامية/ تمددي واتسعي/ وامنحينا مالم يخطر على قلب بشر)، مروراً برائعة (الأرض الخراب) التي تنبأ مؤلفها بسقوط الحضارة الغربية بسبب الفساد الأخلاقي والتباعد عن ممارسة الشعائر الدينية الموروثة. ثم يأتي ديوان عزرا باوند الشهير (الأناشيد) الذي أشار فيه بأصابع الاتهام للمجتمعات الفاسدة حيث تنتشر الرذيلة والزنا والشذوذ، وانتقد التجار اليهود الذين اخترعوا الربا. ثم تعرج الدراسة على ملحمة هارت كرين (الجسر) التي تباهى فيها الشاعر بالتقدم التكنولوجي الهائل في الولايات المتحدة خاصة في مدينة نيويورك في مطلع القرن العشرين، ثم تستعرض الدراسة قصائد الشعراء الذين عشقوا المدن الصناعية الكبرى مثل شيكاغو وشعراء الريف الأمريكي. من ناحية أخرى تتناول الأطروحة أهم القصائد المحرمة والممنوعة التي صادرتها الرقابة الأمريكية ومن بينها رائعة (عواء) للشاعر ألن جنزبيرج التي انتقدت المؤسسة العسكرية وتوحش كهنة النظام الرأسمالي وتجسد في ذات الوقت معاناة الشباب الأمريكي وتمردهم وكراهيتهم للحكومة الأمريكية بسبب سياساتها الخارجية العدوانية: (لقد رأيت بأم عيني زهرة عقول الأمة من أبناء جيلي/وقد دمرهم الجنون، جوعى عرايا ملتاثين يجرجرون خطاهم/عبر أحياء الزنوج عند الفجر، باحثين عن مخدر يهدهد الجراح). علاوة على ذلك تناقش الدراسة أشهر الدواوين الشعرية التي رصدت ظاهرة البغاء والدعارة والفحشاء في المدن الأمريكية وكذلك الدواوين التي تناولت انتشار العنصرية والعنف ضد السكان السود ذوي الأصول الإفريقية في المجتمع الأمريكي إبان ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، مما دعا الشعراء الزنوج لتحريض أبناء جلدتهم للخروج في الشوارع ومواجهة الاضطهاد والاستبداد بالعنف المضاد. وهي دعوة لا تقف عند حدود الانتقام والأخذ بالثأر، بل تتعداهما إلى أن تصبح نزعة عدمية وحشية، نمت وتفاقمت جراء قرون من العنصرية البغيضة ومسخ الإنسان آدمية أخيه الإنسان.
---------------------------------
محمد الحمامصي