05 - 11 - 2025

حين يسقط اللون وتنهض الرؤية.. تجسيد في لوحات سناء هيشري الجديدة

حين يسقط اللون وتنهض الرؤية.. تجسيد في لوحات سناء هيشري الجديدة

بعيدا عن ظواهر النسخ والاقتباسات في عالم الفن، تخرج إلينا الفنانة التشكيلية سناء هيشري بأسلوبٍ لا يُشبه أحدًا، ولا يتبع أحدًا... أسلوبٌ وُلِد من جرأة الاكتشاف ومن يقينٍ داخلي بأن الخلق الفني ليس فقط ثمرة دراسة أو تقليد، بل هو أولاً وأخيرًا فضلٌ من الله، وعلمٌ يضعه الخالق في قلوب من يشاء.

وتقول الفنانة: "أنا لم أدرُس في مدرسة فنية محددة، بل انسحبت منها لأخلو بنفسي وبألواني، أراقب كيف يتكلّم اللون معي، وكيف تُملي عليّ اللوحة ما تحتاجه."

ولا تتبع سناء أي مدرسة فنية من تلك التي تتناقلها الأجيال، بل صنعت طريقتها الخاصة التي لا تزال غير مألوفة في الساحة التشكيلية العالمية. طريقة تعتمد على رمي الطلاء بكثافة، وبشكل عفوي محسوب، على قماش الكانفاس المصنوع من lin الطبيعي، لتخلق بذلك توليفة بصرية ونفسية لا تُشبه سواها.

وتضيف: "أنا لا أخاف من الطلاء، بل أتركه يقودني، أرميه بعيون مغمضة أحيانًا، لأفتح عيوني على دهشة لم أكن أتوقّعها".

وتوضح سناء "هذه التقنية – التي لا تزال سناء تُطوّرها وتُعمّقها – تتطلّب كمية هائلة من الطلاء، من الأكريليك والزيت والمواد المختلطة. لكنها لا تحسب الكلفة، رغم غلاء المواد، و" لا أبخل على الفن، ولا أقتصد حين أشتري، لكن لا أُبذّر، وأضع كل شيء في مكانه الصحيح، فقط ليصل المعنى الذي أراه".

لوحة سناء الجديدة مثالٌ حيّ  

والتشكيلية سناء هيشري، معروفة في الوسط الفني بأنها الوحيدة التي تستخدم هذا الكم من الطلاء بهذا الاتزان التعبيري، دون أن تفقد المعنى ولا الجمالية.

وتتداخل الالوان كأنها كُسور من ذاكرة رقمية، تتساقط فوقه أشرطة لونية عمودية تُشبه المطر أو الشفرات أو الدموع. الألوان تمتزج بعنفوان، ثم تهدأ على القماش في لحظات انخطاف روحي، لتُنتج مشهدًا تتداخل فيه المعاناة مع الأمل، والانكسار مع البدايات الجديدة.

وكل وجه ترسمه سناء لا يمثّل شخصًا، بل يمثّل حالة شعورية، غالبًا ما تكون انعكاسًا لما تمرّ به المرأة في عمقها. وجوهٌ تتفكّك وتُعيد تركيب ذاتها، وكأنها تبحث عن صوتها وسط فوضى الضوء واللون.

وفي تجربة سناء هيشري، لا يُختزل الفن في الإطار المعلّق على جدار معرض، ولا يُختصر في التصنيفات والأساليب والمدارس. هناك شيء آخر يحدث… شيء لا يُقاس بالعين وحدها.

الفن في هذه الحالة يتحوّل إلى تمرين على الإنصات، على الصدق، على التحرّر من الضجيج الخارجي، حتّى يصبح – في لحظات نادرة – بابًا مفتوحًا على ما هو أسمى، على المطلق، على المعنى.

ليست الغاية أن تصل اللوحة إلى المتحف فقط، بل أن تُحرّك في المتلقّي شعورًا عميقًا بأنه يُشاهد شيئًا صادقًا، وُلد من نور داخلي، لا من حسابات تقنية أو تجارية، وحين يُنجز الفنان عمله بهذه النيّة، يصبح الفن فعلًا روحانيًا، حتى لو لم يُعلن ذلك.

وهكذا، يُصبح الفن طريقًا صامتًا نحو الله، دون أن يرفع شعارات دينية، ودون أن ينسى دوره الجمالي، طريقًا يمرّ من داخل الفنان، ليصل إلى قلب الآخر، دون حاجة للشرح أو التفسير.

عرض بالإمارات

ويتم حاليا عرض، جميع أعمالها السابقة حاليًا في الإمارات، في صالات تتبنّى الفن الحرّ والجريء، فيما تشير سناء عن جديدها، إلى أن أعمالي الجديدة ستُعرض قريبًا إن شاء الله، ولا أعرف بعد أي بلد سيحتضها أولاً، ولكنّي أعلم يقينًا أن اللوحة تختار مكانها، كما يختار الله مسارها.”

ولأنها تؤمن أن الفن رسالة، لا تترك أعمالها حبيسة المراسم. كل عمل عندها هو هدية مُرسلة من قلبها، ومن شيء أعلى، إلى القلوب التي تعرف كيف تُصغي.

من هي سناء هيشري

هيشري هي أديبة، وباحثة، وفنانة تشكيلية بلجيكية من أصول تونسية، ودرست في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة ببروكسل، وهي عضوة في اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين.

تُعرض أعمالها باستمرار في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عام 2010، وتمتدّ مسيرتها لأكثر من عشرين عامًا بين الفن التشكيلي وتدريس قواعد وتقنيات الفنون الجميلة، عبر ورشات وفعاليات ومعارض أُقيمت في بروكسل، دبي، وتونس.

وشاركت في عشرات المعارض، وقدّمت ورشًا تدريبية، ودرّست لفنانين من خلفيات ثقافية متعددة، وأسهمت في تطوير الحراك الفني المعاصر عربيًا، ونالت جوائز وتكريمات عديدة لمساهمتها البارزة في تطوّر الفن التشكيلي في العالم العربي، وشاركت في لجان تقييم المسابقات الفنية، صدر لها مؤخرًا كتاب "نضال من ألوان"، وهو عمل يجمع بين التجربة التشكيلية والرؤية الأدبية، وخصّصت جميع مبيعاته دعمًا إنسانيًا لدور الأيتام.