"حياك الله أخي محمود أشكرك على المداومة على السؤال عنا حيث ملَّ الآخرون" ورغم ذلك "الحمد لله نحن بخير".
كلمات بسيطة رد بها علىّ صديقي "أنور - أبو محمد" المحاصر مع عائلة وآلاف العائلات الأخرى في قطاع غزة، ولا يعرفون، هل من انفراجه أم لا؟.
وبعد رسالته تلك، جاءت رسالة أخرى، أكثر ألماً يقول فيها "مليونا إنسان يتضورون جوعاً ويموتون ظلمًا .. غزة تموت جوعاً إلى متى؟!"
في رسالته الأولى عبر "أبو محمد" عن واقع مؤلم، وأعتقد أنه مقصود بأن يستمر الوضع في غزة حتى يصبح أمرا واقعا، بعد تصدير حالة من الملل، وأن ينفض الجميع من حول مأساة غزة، وأن ما تفرضه قوات الاحتلال وسياسات رئيس وزراء الحكومة الصهيونية المتطرفة، هو الطبيعي والذي يجب أن يسود.
سياسة الحكومة الصهيونية ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية، تستهدف بالأساس إفشال أي محاولة لإنهاء الحرب، والدخول في مرجلة التهجير القسري، بعد سياسة تجويع لم يشهدها التاريخ من قبل.
مئات الضحايا يتساقطون يومياً بسبب الجوع، الصور والفيديوهات شاهد عيان على مجزرة إنسانية يرتكبها الكيان الصهيوني يومياً بحق أبناء غزة صغارا ونساءَ وشيوخاً، وشبابا، وكأنهم يقولون "التجويع الباب المفتوح للتهجير"، وسط قصف لا يتوقف على كل شيء متحرك، وكل مبنى سكني أو خدمي، والحجة أنه مأوى "للمقاومة".
كلمات "أبو محمد الغزاوي" في رسالته الأولى تعبر عن واقع حزين ومؤلم، أن كل من كانوا يحاولون التواصل معه، من الواضح أنهم ملوا، وتوقفوا عن الاتصال، فمجرد الاتصال للاطمئنان اختفي مع كثرة الملل، وربما لأسباب أخرى.
ما يخشاه "أبو محمد"، وهو ما لم يقله، ولكنه ما تعبر عنه كلماته، أن يصل الملل إلى الساسة والمسؤولين، وتنتهي الأمور إلى القبول بالواقع، وأن ما تراهن عليه حكومة الاحتلال، والولايات المتحدة، هو أن تفريغ غزة من سكانها هو الحل، والأطماع أكثر من ذلك، وهو ما كشفت عنه بالفعل خطوات الاحتلال، بقرار "الكنيست" بفرض سيطرة حكومة الكيان سلطاتها على الضفة الغربية، وغور الأردن.
أطماع الكيان الصهيوني لا حدود لها، وتحرم كل كلمة تضامن مع ناس غزة الذين يتضورون جوعاً، ويعيشون في خيام وبلا أي مأوى، وهو ما تجسد في الحرب السياسية والإعلامية الضارية ضد مجرد تصريح من الرئيس الفرنسي "ماكرون"، بنية الاعتراف بفلسطين.
وفي رسالة صديقي "أنور - أبو محمد الغزاوي"، وبعد شكواه من شعوره بملل الأصدقاء من التواصل معه لمجرد الاطمئنان، أطلق صرخته، مع كل الغزاويين، "مليونا إنسان يتضورون جوعاً ويموتون ظلمًا غزة.. تموت.. جوعاً إلى متى؟!".
الرسالة موجعة وأكثر إيلاماً، فالجوع حول الأطفال إلى أشباح، وكبار السن إلى هياكل عظمية، والنساء والشباب إلى مجرد أصوات تبحث عن كسرة خبز، وشربة ماء، بالرغم من أن هذا أصبح مصيدة للموت، بل حتى مواقع عمليات الإنزال للمساعدات أصبحت مخاطرة، قد تؤدي إلى الموت، حتى في جنح الظلام، أو في صراع نيل كيس دقيق، أو أرز، أو أي شيء، ولكن لا مفر فلا بد من الصراع، وإلا فإن الصغار المنتظرين في الخيام سيلتهمهم "الموت بالجوع".
ولكن إلى متى؟، وهذا سؤال أبو محمد وغيره، مؤكد أن الإجابة صعبة، ولا أحد يعرفها، لأن القرار "أمريكي صهيوني"، وكلما اقترب، إما أن تعطله قوات الحكومة الصهيونية، أو الإدارة الأمريكية المتصهينة، وهو ما بدى جلياً في سياسات "ستيف ويتكوف" المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي بدى انحيازه الواضح للكيان المحتل، ومعه الرئيس السمسار دونالد ترامب، لدرجة محاولة إفشال محادثات وقف الحرب.
الوضع فعلاً مأساوي، فوفقاً لوصف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية "تيدروس أدهانوم جيبريسوس"، حيث قال "غزة تعاني من مجاعة جماعية من صنع الإنسان ناجمة عن منع وصول المساعدات إلى القطاع".
وزاد منها ماقاله الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" "قطاع غزة لا يعاني من أزمة إنسانية فحسب بل أزمة أخلاقية تتحدى الضمير العالمي، ولا أستطيع تفسير مدى اللامبالاة والتقاعس الذي نراه من كُثر في المجتمع الدولي، فهو انعدام التعاطف، انعدام الحقيقة، انعدام الإنسانية، وهذه ليست مجرد أزمة إنسانية، بل هي أزمة أخلاقية تشكّل تحديا للضمير العالمي. سنواصل رفع الصوت في كل فرصة".
وفي ظل هذه الأوضاع والمواقف في قطاع غزة يواصل الجميع في حالة استجداء للكيان الصهيوني، في ظاهرة تعتبر أكبر مهانة في التاريخ، لتخرج تصريحات تقول "إن تل أبيب ستسمح بإسقاط المساعدات بالمظلات في عمليات الإنزال الجوي لغزة، وتبدأ من الإمارات والأردن"، إنها المهانة الكبرى، أن يستجدي العالم كيانا محتلا السماح بدخول لقيمات للجوعى في غزة.. لديك كل الحق يا صديقي أبو محمد ، إلى متى سيستمر الجوع؟.
----------------------------
بقلم: محمود الحضري