27 - 07 - 2025

دروس يوليو.. لمن يفهم التاريخ

دروس يوليو.. لمن يفهم التاريخ

في فجر الثالث والعشرين من يوليو عام 1952، لم تكن مصر أمام مجرد تحرك عسكري لتغيير وجوه الحكم، بل كانت على موعد مع لحظة فاصلة أعادت تشكيل مسار أمة بأكملها.

لم تكن الثورة صنيعة ليلة، بل حصيلة عقود من القهر والتبعية والحرمان، فجاءت لتكتب فجرًا جديدًا في تاريخ مصر الحديث، وتقلب صفحة الفساد والاستبداد، بقيادة الزعيم "خالد الذكر" جمال عبد الناصر، الذي لم يكن مجرد قائد، بل تجسيدًا لطموحات شعب بأسره.

لقد نشأت ثورة يوليو من رحم مجتمع أنهكته الإقطاعية، وأذلته التبعية للغرب، وتفشى فيه الظلم الاجتماعي. فبينما كانت حفنة من الأرستقراطيين تنعم بخيرات البلاد، كان السواد الأعظم من الفلاحين والعمال والجنود يعيشون على هامش الحياة. وجاء صوت الضباط الأحرار مدويًا، حاملاً رفضًا قاطعًا لهذا الواقع، وإصرارًا على استعادة الكرامة الوطنية.

أهم دروس الثورة يكمن في قدرتها على إحداث تغيير جذري. إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية لم يكن مجرد تغيير سياسي، بل بداية لحقبة من السيادة الوطنية، توّجت بقرار تأميم قناة السويس، الذي واجه به ناصر جبروت الاستعمار، فخرج من ملحمة العدوان الثلاثي أكثر قوة وصلابة. ولعل السد العالي، بمكانته كرمز للتنمية والنهوض بالوطن ، يختصر روح تلك المرحلة التي آمنت بإرادة الإنسان المصري.

ولم تبقَ الثورة داخل حدود مصر، بل امتد وهجها ليشعل الوعي في العالم العربي، داعمًا حركات التحرر في الجزائر واليمن وفلسطين، ومرسخًا لفكرة العروبة كقضية مصير مشترك. فناصر لم يكن زعيمًا محليًا، بل صوتًا عالميًا للكرامة والتحرر، حين صدح بشعاره الشهير: "ارفع رأسك يا أخي"، مُعلنًا انتهاء زمن الذل والاستعمار.

صحيح أن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود، وأن التجربة شهدت إخفاقات وتحديات، إلا أن من يفهم التاريخ لا يحكم على اللحظات بعزلها، بل يقرأ السياق ويستخلص العبرة. وثورة يوليو، رغم كل ما يُقال، كانت تحوّلًا عميقًا في وعي الأمة، ومشهدًا ملهمًا في كفاح الشعوب ضد التبعية والهيمنة.

واليوم، بعد مرور أكثر من سبعين عامًا، تبقى دروس يوليو حاضرة لمن أراد أن يتعلّم، أن لا كرامة بلا استقلال، ولا عدالة بلا مواجهة، ولا نهضة دون مشروع وطني جامع.

أما ذكرى ناصر، فإنها لا تُقاس بمن وافقه أو خالفه، بل بمقدار ما ألهمت من أمل، وما زرعت من إيمان بالقدرة على التغيير.

فلنُحيِ هذه الذكرى بما تستحقه من تأمل وتقدير، ولتكن دروس يوليو نبراسًا لكل من يسعى لفهم التاريخ لا ترديده، ولصناعة المستقبل لا مجرد الحنين للماضي.
---------------------------
بقلم: إبراهيم خالد



مقالات اخرى للكاتب

خطاب عاجل للرئيس السيسي