23 - 07 - 2025

أجساد تكتب الحقيقة: غزة على أعتاب الموت الجماعي جوعا !!

أجساد تكتب الحقيقة: غزة على أعتاب الموت الجماعي جوعا !!

- الجوع يقضي على 101 فلسطيني بينهم 80 طفلا و1000 شهيد مساعدات
- مصور صحفي يعرض أرشيفه مقابل كيس طحين لأولاده

مهما كتبنا.. وقلنا.. وناشدنا وشجبنا ودعونا الله بفك كرب وهم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فحديثنا وكلامنا يحتمل الصدق والكذب.. لكن الشعب الفلسطيني الصامد الصابر بقطاع غزة كتب ويكتب بجسده المنهك النحيل بسبب الجوع والعطش وعدم توافر الأدوية للعلاج، والذي يواجه منذ السابع من أكتوبر 2023، آلة حربية قاتلة غاشمة تقتل، وتقوم بتنفيذ حرب إبادة جماعة وتطهير عرقي يمهد للتهجير القسري، الذي لم يعد لوحده قسريا، (أي التهجير) بل الجوع والعطش والحرمان من الدواء أيضاً بات قسريا.

أهل غزة شعب يكتب الحقيقة بدمائه وجسده.. الأطفال يذبلون ويموتون من الجوع أمام أعين الأطباء الذين يقفون عاجزين عن إنقاذهم، وفقاً لوصف مسؤولة الإعلام بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين "الأونروا" بقطاع غزة..

في غزة، وفقا لموظفي المنظمات الأممية، لا حديث عن جوعٍ عابر ولا أزمة غذاء طارئة، بل عن تجويعٍ ممنهج تحول إلى سلاح حرب. أطفالٌ هزيلة، أمهاتٌ مقهورات، أجسادٌ تذبل أمام أعين العالم. مشهدٌ لا يُشبه المجاعات التي يرويها التاريخ… بل جريمة تُرتكب الآن بحق شعبٍ يُحاصر، ويُجوّع، ويُترك ليُواجه الموت البطيء.

** شهداء المساعدات والجوع والمرض

في غزة تتعدد أنواع الموت فهناك موت نتيجة القصف الإسرائيلي وآلته العسكرية المصنعة في أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والعديد من الدول، وتمولها الولايات المتحدة الأمريكية بأموال دول الخليج، التي دفعت أكثر من 4 تريليون دولار للرئيس ترامب.. تلك الآلة قتلت أو أستشهد بسببها 59,106 شهيدًا 142,511 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023، فيما بلغت حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 حتى 22 يوليو 2025، أي منذ استئناف حرب الإبادة 8,268 شهيدًا و30,470 إصابة.

وهناك شهداء لقمة العيش، الذين يقتلهم جنود الاحتلال وأفراد شركة الأمن الإسرائيلية الأمريكية، والمقاولون الذين تعاقد معهم الاحتلال لهدم المنازل وقتل الفلسطينيين أمام مراكز المساعدات التي أقامتها واشنطن وعاصمة الاحتلال "تل أبيب" فقد وصل عددهم، وفقا لإحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية بقطاع غزة، وما وصل للمستشفيات إلى 1,026 شهيدًا وأكثر من 6,563 إصابة.. وذلك ما أكدته الأمم المتحدة بأن الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من 1000 من منتظري المساعدات منذ نهاية مايو من العام الجاري، أمام مراكز المساعدات الأمريكية الإسرائيلية والتي هي مصائد لقتل أهالي غزة الصامدين الرافضين للهجرة.

وقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة يوم الثلاثاء/ 22 يوليو 2025/ عن تسجيل 45 حالة شلل رخو حاد خلال شهري يونيو ويوليو 2025، في ارتفاع غير مسبوق لمثل هذه الحالات.. ووفقا لبيان الوزارة ومع انعدام القدرة على التشخيص فإن هذه الحالات قد تكون حالات شلل أطفال أو حالات متلازمة غيلان باريه.. وأرجعت الوزارة الزيادة إلى الظروف البيئية والصحية الكارثية والتي يعيشها سكان قطاع غزة، وتشمل: تلوث المياه، انهيار خدمات الصرف الصحي، تراكم النفايات، وانتشار الأمراض المعدية، إلى جانب سوء التغذية وضعف المناعة.. فيما وصل إجمالي وفيات المجاعة وسوء التغذية إلى 101حالة وفاة بينهم 80 طفل.. فيما أوضح المتحدث الإقليمي باسم منظمة "اليونيسيف" سليم عويس في تصريحات إعلامية أن 5100 طفل أدخلوا إلى المستشفيات لتلقي العلاج في شهر مايو الماضي من جراء أزمة الغذاء.

ذلك بخلاف المفقودين والذين يتجاوز عددهم عشرة ألاف مفقود، منهم شهداء مازالوا تحت الأنقاض، ومنهم مصيره مازال مجهولاً، فيما بلغ عدد المفقودين أمام مصائد الموت "مراكز توزيع المساعدات" 50 مفقوداً.

المركز الإعلامي الحكومي بقطاع غزة قال في بيان له " نحن على أعتاب مرحلة الموت الجماعي بسبب إغلاق الاحتلال الإسرائيلي لجميع المعابر منذ أكثر من 142 يوماً، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية وحليب الأطفال والوقود، وتشديد الحصار بشكل كامل، ونفاد الغذاء والدواء واستمرار سياسة التجويع"، علماً بوجود (76,450) شاحنة مساعدات إنسانية ووقود يمنع الاحتلال دخولها، كما قام الاحتلال باستهداف42 تكية طعام، و57 مركزاً لتوزيع المساعدات والغذاء، كما قام باستهداف قوافل المساعدات والإرساليات الإنسانية 121 مرة،  في إطار فرض التجويع. وهو ما يعرض 650 ألف طفل للموت بسبب سوء التغذية والجوع ونقص الغذاء.

** الصحفيون يموتون جوعاً لأول مرة

الجوع دفع أهالي بعض المناطق في قطاع غزة والصحفيين للتظاهر مطالبين بوقف الإبادة وفتح المعابر لإدخال المساعدات والأدوية والوقود لتشغيل المخابز والمستشفيات، التي أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن توقف 38 منها والباقي سيتوقف خلال ساعات.

لأول مرة في تاريخ التغطيات الإعلامية يتعرض الصحفيين لخطر الموت جوعاً، هكذا قالت وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) في بيان لها "إن صحافييها ومصوريها العشرة في غزة يواجهون خطر الموت جوعًا"، محذّرة من أن آخرهم قد يفارق الحياة قريبًا إذا لم يتم التدخّل بشكل عاجل.. وأضافت في منشور على "إكس": "منذ تأسيس الوكالة في أغسطس 1944، فقدنا صحفيين في النزاعات، وأصيب بعضنا وأُسر، لكن لا أحد يتذكر أن زميلًا لنا توفي بسبب الجوع"، وأشارت إلى منشور لأحد المصورين الغزيين العاملين معها، وهو بشار طالب، قال فيه: "لم أعد قادرًا على تغطية الأحداث، جسدي نحيل ولا أستطيع المشي، وشقيقي الأكبر انهار أرضًا من شدة الجوع".. كما خرج وسام أبو زيد، والذي يعمل في إذاعة "مونت كارلو" في مظاهرة رافعاً لافتة كتب عليها "صحفي جائع يكتب تقريراً عن الجوعى"..

فيما كتب أحد الصحفيين على صفحته عبر الفيسبوك يقول " "أنا المصوّر فادي ثابت… أعرض أرشيف 20 عامًا من ذاكرة غزة المصوّرة، مقابل كيس طحين لأطفالي الجائعين.. للمهتمين والمعنيين… الرجاء التواصل معي.. وإذا متنا جوعًا أنا وأطفالي، فأنتم خصومنا يوم القيامة"..

** الجوع القسري جريمة لا تسقط بالتقادم

الباحث الفلسطيني المتخصص في الدراسات الاستراتيجية والقانون الدولي هاني عواد، يقول "الجوع القسري يُعتبر أحد الأساليب غير الإنسانية التي تُستخدم في سياقات النزاعات المسلحة والحروب، حيث يتم حرمان المدنيين بشكل متعمد من الموارد الأساسية والضرورية لاستمرار حياتهم، مثل الغذاء والماء والدواء. هذه السياسة تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية أو عسكرية من خلال الضغط على الجماعات المستهدفة أو إجبارها على الاستسلام. وتتجلى هذه الممارسة عادةً في فرض حصار على مناطق معينة، مما يؤدي إلى منع وصول الإمدادات الإنسانية والمواد الحيوية للسكان المحليين، وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقوانين الدولية التي تُلزم بحماية المدنيين في أوقات النزاعات المسلحة والحروب".

عواد في دراسة له بعنوان "قطاع غزة وسياسة الجوع القسري: التحديات القانونية وآفاق المحاسبة" يقول: إن حكومة الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، أعلنت عن تصعيد غير مسبوق للحصار المفروض على القطاع منذ العام 2007، حيث شمل ذلك إغلاقًا شاملاً ومنعًا كاملاً لدخول المواد الأساسية مثل الوقود لإنتاج الطاقة والطعام والعلاجات الطبية…. وقد صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف جالانت بأن هذا الإجراء يهدف إلى الضغط على سكان القطاع، مستخدمًا لغة تصعيدية حين وصف سكان غزة بالحيوانات البشرية، وتفاخر مسؤول آخر بأن إسرائيل لن تدخل حبة قمح واحدة إلى القطاع.. وقد ترجمت حكومة إسرائيل الأقوال إلى أفعال وفرضت حصارًا خانقًا على قطاع غزة، علماً بأن سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الخارجية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

ومنذ ذلك التاريخ يشهد قطاع غزة وضعًا إنسانيًا متدهورًا نتيجة السياسات الممنهجة التي تعتمدها دولة الاحتلال الإسرائيلي، باستخدام التجويع كأداة حرب بشكل متعمد، مما يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية. ووفقًا للتقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، فإن السكان المدنيين في القطاع يواجهون خطرًا متزايدًا من حدوث مجاعة شاملة، في ظل انقطاع الإمدادات الأساسية من الغذاء والماء والدواء. هذه الممارسات، التي تتم على نطاق واسع وبطريقة منهجية، تندرج تحت تصنيف جرائم الحرب، وقد تصل في بعض الحالات إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية.

ويرى عواد أن هذا الوضع الكارثي يتطلب تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري إلى المدنيين المحاصرين، حفاظًا على حياتهم وكرامتهم الإنسانية التي تكفلها القوانين الدولية، مؤكداً أن جريمة الجوع القسري التي تمارسها حكومة الاحتلال الاسرائيلي، واحدة من أخطر الانتهاكات الإنسانية التي شهدها العالم في العصر الحديث. وعلى الرغم من التنديد الدولي الواسع والحملات الإعلامية والتظاهرات الشعبية في جميع أنحاء العالم، إلا أن العجز الدولي عن وقف ومنع هذه الجريمة هو المشهد السائد.. في حين تؤكد المواثيق الدولية الإنسانية أن استخدام التجويع كسلاح حرب جريمة دولية لا تسقط بالتقادم وتوجب محاسبة وملاحقة المتهمين سواء أفراد أو قادة.

ويرجع عواد ما وصفه بحالة الشلل في تحقيق العدالة الدولية إلى الدعم السياسي المستمر الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل داخل مجلس الأمن، الأمر الذي يعزز من تفاقم الأزمة ويعوق الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا.

ويطالب عواد المنظمات الأممية والمجتمع الدولي بضرورة البدء في جمع الأدلة الثبوتية الخاصة بجريمة تجويع المدنيين الفلسطينيين والطلب من قضاة المحاكم الدولية الشروع بإجراءات فتح ملف تحقيق لمحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة وعموم أراضي دولة فلسطين.
---------------------------
تقرير ـ محمد الضبع