21 - 07 - 2025

إسرائيل كيان هش قابل للكسر قابل للزوال (تحقيق)

إسرائيل كيان هش قابل للكسر قابل للزوال (تحقيق)

  • السيد نجم: السرديات الأدبية العبرية تكشف فراغًا أخلاقيًا وتآكلًا نفسيًا وثقافيًا في بنية الكيان الإسرائيلي.
  • إبراهيم عبدالمجيد: فرار الصهاينة بالملابس الداخلية في الشوارع واختباؤهم في الملاجئ مشاهد لن تنسى.
  • عمار علي حسن: هشاشة إسرائيل نابعة من مركزية الجيش، ما يجعلها عرضة للارتباك والانكشاف في الأزمات.
  • وليد الخشاب: الأفلام الوثائقية، هي الأقدر اليوم على التعبير عن كسر أسطورة التفوق الإسرائيلي.
  • محمد عبدالباسط عيد: الصهاينة قبل غيرهم أدركوا انهيار صورة الوطن الآمن والقبة الحامية.
  • عبدالرحمن الشرقاوي: حركات المقاومة كانت أكثر وعيًا من غيرها بهشاشة إسرائيل، واستثمرت ذلك في معاركها 
  • شاهندة الباجوري:  المواجهات المباشرة تفضح الاهتراء النفسي للكيان، وأدبنا لم ينخدع بأسطورة تفوقه

أثبت الأحداث الأخيرة أن الكيان الصهيوني قابل للكسر والزوال، لا سيّما بعد أن بدت منظوماته الدفاعية عاجزة عن صدّ وابل الصواريخ والطائرات المسيّرة التي استهدفت عمقه الاستراتيجي. مشاهد الهلع، توقف حركة الطيران، وصافرات الإنذار التي دوّت في قلب تل أبيب، أكدت هشاشة هذا الكيان، فالحروب الأخيرة لم تكن مجرد اشتباكات عسكرية، بل زلازل ثقافية هزّت صورة إسرائيل في وعي الصهاينة قبل الوعي العربي. في هذا التحقيق استعرضت «المشهد» شهادات نخبة من الكُتّاب والمفكرين حول الأحداث الأخيرة وقدرة الأدب العربي على فضح أسطورة التفوق الإسرائيلي.

كيان هش

كانت البداية مع الكاتب والباحث السيد نجم، أحد أبطال حرب أكتوبر، الذي أكّد أن صورة العدو الإسرائيلي في الأدب العربي، وتحديدًا الفلسطيني، قد مرت بتحولات واضحة، تعكس بدقة مراحل المواجهة والصراع.

 أوضح نجم أن التجربة الحربية لعام 1967 كانت لحظة فارقة أيقظت الوعي العربي، وأشعلت جذوة الاهتمام بالأدب الفلسطيني الذي بدأ منذ ذلك التاريخ يحظى بمكانته المستحقة.

 وقدَّم نجم تقسيمًا رباعيًّا لتطور هذا الأدب، يستند إلى التحولات السياسية والنضالية الكبرى: مرحلة ما قبل النكبة (1948) حيث طغى الطابع الإحيائي والرومانسي، ثم مرحلة ما بين النكبة والنكسة التي شهدت بزوغ أدب المقاومة رسميًا، لا سيما مع غسان كنفاني، ثم مرحلة ما بعد 1967 التي حفلت بالدراسات النقدية وازدهار الشعر المقاوم، وأخيرًا أدب الانتفاضات الذي بلور خطابًا أكثر وعيًا وصرامة.

بيّن نجم أن صورة العدو عبر هذه المراحل كانت دائمًا صورة كاشفة لعنفه وجبروته ولا إنسانيته، إذ جسّد الأدب، الإسرائيلي كغاصب لا يلتزم بأي قيمة أخلاقية أو قانونية. واعتبر أن هذه الصورة لم تتغير في الوجدان العربي مع الحروب الأخيرة، بل تأكدت وتعمقت، خاصة بعد المشاهد المروعة التي تناقلها الإعلام من غزة. 

وأشار إلى أن العنف الممنهج الذي يمارسه الجنود الإسرائيليون اليوم هو نتيجة مباشرة لأسلوب تربوي يقوم على زرع الكراهية منذ الطفولة، كما فصّل في كتابه «الطفل والحرب في الأدب العبري».

وأبرز نجم قناعته بأن الأدب والفنون يمتلكان قدرة حقيقية على فضح هشاشة هذا الكيان، موضحًا أن تجربته الشخصية كمقاتل في حرب 1973، وما رصده لاحقًا من ممارسات الاحتلال في الانتفاضات الفلسطينية، تؤكد أن إسرائيل ليست ذاك الكيان الصلب كما تزعم دعايتها. بل على العكس، فإن الصورة التي تتسرب من خلال السرديات الأدبية تكشف عن فراغ أخلاقي، وضعف داخلي، وتآكل في البنية النفسية والثقافية.

وبسؤاله عما لو كتب رواية عن إسرائيل بعد الصراع الأخير، فما الاسم الذي سيطلقها عليها، قال نجم إن اختياره لعنوان رواية عن إسرائيل سيظل مرهونًا بلحظة الإبداع، لكنه يميل لأن يكون عنوانًا يعكس «هوان القيم العليا وتحللهم منها»، في إشارة إلى الانهيار الأخلاقي العميق الذي يكشفه واقع الاحتلال، ويسجله الأدب العربي المقاوم بعين ناقدة وضمير يقظ.

تحولات جذرية

أكّد الروائي الكبير  إبراهيم عبدالمجيد أن العالم يشهد تحوّلًا جذريًا في نظرته للصراع العربي-الصهيوني، بينما لا يزال الكيان الإسرائيلي عالقًا في وهم القوة والدعاية القديمة «العالم يتغير والصهاينة لا يعقلون». مشيرًا إلى أن كذبة «معاداة السامية» التي روّجت لها إسرائيل لم تعد تنطلي على أحد، خاصة وأن العرب كانوا دومًا ملاذًا لليهود المطرودين من أوروبا، لا مضطهِدين لهم.  فزراعة إسرائيل في قلب العالم العربي لم تكن إلا وسيلة مدروسة لإبقاء المنطقة في حالة ضعف وانقسام دائم.

أوضح عبدالمجيد أن الحرب المستمرة منذ أكثر من عشرين شهرًا في غزة كشفت الوجه الحقيقي للاحتلال، إذ مارست إسرائيل إبادة جماعية بحق المدنيين، فيما نهضت الشعوب في مختلف دول العالم – حتى داخل الدول الداعمة للصهيونية – لتُدين وتفضح ما يحدث. 

ولفت عبدالمجيد إلى أن الدور الفعّال الذي تلعبه السوشيال ميديا اليوم ساهم في إسقاط الرواية الإسرائيلية الرسمية، مبرزًا فظائع القتل والدمار بشكل لا يمكن تجاهله أو نسيانه.

وأشار عبدالمجيد إلى عجز إسرائيل عن تحقيق أي انتصار فعلي على الأرض، مؤكدًا أن ما خلّفته آلة الحرب الإسرائيلية حتى اللحظة لا يتجاوز الدمار والمجازر. فلم تستسلم حماس، ولا انهارت كتائب القسام، ولم يرفع أهل غزة الراية البيضاء، بل ظلت صور الأطفال والنساء القتلى، وركام البيوت، ومعالم الخراب، تملأ ميادين العالم، وتتدفق عبر منصات التواصل الاجتماعي، لتُعرّي حقيقة المحتل أمام الضمير العالمي وتفضح زيف دعايته

وأضاف عبدالمجيد أن رهان إسرائيل على النسيان لم يعد مجديًا، فذاكرة الشعوب الآن حاضرة، لا تنتظر مؤرخًا، بل تكتب وتوثّق على مدار اللحظة عبر المنصات الرقمية، وستتحول قريبًا إلى أفلام وروايات وأشعار وفنون تشكيلية تشهد على الحقيقة وتُسهم في إعادة تشكيل وعي العالم.

 وذهب إلى أبعد من ذلك، بالإشارة إلى أن أكثر من مليون صهيوني قد غادروا بالفعل إسرائيل، في مؤشر واضح على تفكك هذا الكيان الذي قام على أسطورة زائفة تُدعى "أرض الميعاد".

وأردف إذا كان الصهاينة يعوّلون على صمت بعض شعوب الدول الأخرى المقهورة بحكامها، فإن هذا لا يعني أن العالم كله كذلك.  وإذا كانوا يعوّلون على النسيان، فالذاكرة تستيقظ، وتنهض من تحت الركام، حاملة معها مشاهد لا تُمحى وشهادات لا تُنكر.

ولم تغب مشاهد الرعب والهروب للصهاينة عن عين عبدالمجيد، حيث وصف كيف أصبح الصهاينة «يلوذون بالملاجئ ويجرون في الشوارع بملابسهم الداخلية»، وهي صور لن تُمحى من الذاكرة.  وفي المقابل، شدد على أن الفلسطينيين لا يخوضون فقط معارك عسكرية، بل يرسمون جدارياتهم على جدران الزمان، يخلدون روايتهم في كل مكان، ويصوغون ملامح نصر طويل الأمد بأدوات الفن كما بالسلاح.

صراعات مكتومة

أكد الكاتب والروائي عمار علي حسن أن طبيعة المجتمع الإسرائيلي وهشاشته تعود إلى كون الجيش يشكل مركزه الرئيسي، وهو ما يجعله معرضًا للارتباك والانكشاف وقت الأزمات. 

وأوضح أن هذه الهشاشة تتعمق بوجود صراعات مكتومة داخل المجتمع الإسرائيلي، تظهر في لحظات التوتر، وتتجلى في الانقسام بين الأشكناز والسفارديم، وبين المتدينين والعلمانيين، وبين من وُلدوا في إسرائيل من الجيل الجديد والمستوطنين القادمين حديثًا، بل حتى بين اليهود البيض ويهود الفلاشا السود، وبين يهود أوروبا الشرقية ونظرائهم من أوروبا الغربية داخل فئة الأشكناز نفسها.

ولفت إلى أن الأدب العربي لم يتوغّل تفصيلًا في رصد الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، كما فعلت العلوم الاجتماعية أو الدراسات السياسية والتاريخية، مرجعًا ذلك إلى أن الكُتّاب العرب لا يعيشون داخل هذا المجتمع. 

في المقابل، أشار إلى أن الأدب الفلسطيني، خصوصًا ما أبدعه أدباء الداخل (عرب 48)، قد تناول هذه التصدعات بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء في الشعر أو السرد.

وأوضح عمار علي حسن أن الدور الأهم للأدب العربي في تناوله للصراع مع إسرائيل لا يتمثل فقط في توصيف الوقائع، بل في رفض منطق الهيمنة السياسية والعسكرية الذي يتبناه الساسة وقادة الجيوش، والذين ينظرون إلى إسرائيل كقوة صلبة بسبب دعم الغرب. أما الأديب، فيرى ما هو أبعد من القوة الظاهرة، ويتوغّل في الأعماق التاريخية والاجتماعية، معتمدًا على خياله ورؤيته للعدالة والحرية، رافضًا المقاييس المادية وحدها، ومؤمنًا بأن قضية التحرر تتجاوز حسابات اللحظة إلى أفق التاريخ.

سهام لا توقفها الدروع

ويرى الدكتور وليد الخشاب، أستاذ الأدب العربي بجامعة يورك، أن آلة الدعاية الأمريكية، ومعها فرعها الإسرائيلي، نجحت طيلة عقود في ترسيخ صورة «الجيش الذي لا يُقهر»، خاصة في ظل محدودية لحظات الانتصار العربي خلال المواجهات العسكرية، والتي لا تتجاوز حرب 1973 في سيناء، وحرب 2006 في جنوب لبنان. 

وبيّن الخشاب أن هذه الصورة بدأت تتزعزع بقوة بعد سلسلة من الضربات الموجعة التي تلقتها إسرائيل على يد المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وأخيرًا القوات المسلحة الإيرانية، مؤكدًا أن ردّ الفعل الأمريكي السريع لوقف إطلاق النار مع إيران هو أكبر دليل على عمق هذه الضربات.

ولفت الخشاب إلى أن المجتمعات العربية تجهل كثيرًا من التفاصيل عن بنية المجتمع الإسرائيلي، لدرجة أن البعض لا يعرف حتى الآن أن هناك أكثر من مليون ونصف فلسطيني يحملون جنسية دولة الاحتلال. 

وأوضح أن الأدب العربي ــ على عكس ما يجب ــ لم يلتفت بما يكفي إلى أهمية تصوير المجتمع الإسرائيلي من الداخل، داعيًا إلى إعادة تفعيل مبدأ «اعرف عدوك» الذي رفعته الدولة المصرية في فترات سابقة من الصراع. 

وأشار إلى أن المذابح الجارية في فلسطين منذ عام 2023 ربما تدفع الكتاب العرب إلى تأمل واقع الاحتلال بشكل أعمق، لكنه في الوقت ذاته عبّر عن عدم ثقته في قدرة الأدب العربي الحالي على إنتاج رواية وافية تعكس هذا التحول في نظرتنا إلى العدو، معتبرًا أن العرب ما زالوا ــ في الغالب ــ مجرد متفرجين، بينما تقوم إيران، على سبيل المثال، ببناء خطاب هجومي فاعل في مواجهة إسرائيل.

ونوه الخشاب إلى أن وسائل الإعلام والمواد البصرية هي التي لعبت الدور الأبرز في إيصال صورة الهشاشة الإسرائيلية، إذ عرضت للجمهور العربي والعالمي صور الدمار والخسائر، لتؤكد أن هذا الكيان قابل للهزيمة، أو على الأقل عرضة لتكبّد خسائر فادحة إن واجهه مقاتل محترف ومجهّز. وعلى المستوى الثقافي أكد الخشاب أن الفنون البصرية، خاصة الأفلام الوثائقية، هي الأقدر اليوم على التعبير عن كسر أسطورة التفوق الإسرائيلي، لأنها تحمل الشهادة المباشرة والصورة الموثّقة التي يتلقاها الجمهور بلا وصاية. 

وفي ختام رؤيته، عبّر الخشاب عن فكرة رمزية قال فيها: لو كنت سأكتب رواية عن راهنية الصراع، لأسميتها: «سهام لا توقفها الدروع»، مشيرًا إلى أن الصواريخ المقاومة اليوم تقوم بنفس الدور الذي أدّته سهام الأقدمين، إذ تخترق الدفاعات وتضرب المنشآت والمواقع الحيوية، مهما كانت القباب الحديدية والأسلحة المتطورة.

قادر بغيره

قال الكاتب والباحث محمد عبدالباسط عيد ردًّا على سؤال حول تغيّر صورة العدو الصهيوني في الوجدان العربي، أنه يمكنه الإجابة عليه دون الوقوع في فخّ التفكير بالتمني؛ فكل إنسان يتمنى لعدوه الزوال، وهذا أمر طبيعي، لكن الأهم هو أن يكون قادرًا على دحر عدوه وفقًا لحسابات الواقع.

واعتبر عبدالباسط أن المواجهات الأخيرة قوّضت دون شك صورة العدو الذي لا يُقهر، مؤكدًا: "لا أتحدث عن الحرب مع إيران وحدها، فهشاشة العدو تأكدت بوضوح من خلال المواجهات مع المجموعات الجهادية الإسلامية في القطاع مع السابع من أكتوبر، ونحن الآن نقترب من نهاية العام الثاني، والعدو لم يستطع تحقيق أهدافه، وقد احتاج طول الوقت إلى دعم غربي لحمايته من هذه المجموعات المحاصرة، وقد تكون كلمة دعم مخففة، يمكنك الحديث عن حلف غربي على القطاع".

وأشار إلى أن الحرب لم تنته بعد، والكمائن لا تزال تُنصب، قائلاً: «ليس آخرها كمين خان يونس المركب الذي تأتينا أخباره – من شاشات العدو – لحظة كتابة هذه الكلمات". وتابع: "لقد أكدت هذه المواجهات القاسية بسالة مقاومينا أصحاب الأرض، بقدر ما أكدت أن عدونا عاجز عن الوجود بنفسه، وهذا ما أكدته حربه مع إيران، والحصار الواسع الذي فرضه على الإعلام كي لا ينقل مشاهد القصف الذي طال فلسطين المحتلة من أقصاها إلى أقصاها.. ولا تخفى عليك أسباب هذا الحصار".

وخلص عبدالباسط إلى أن صورة العدو قد تغيرت في الوجدان العربي، بل في وجدان الصهاينة أنفسهم، موضحًا: "لا يمكنهم الكلام بعد الآن عن وطن آمن، ولا عن قبة حامية، فالحرب اليوم لم تعد تجري وقائعها في الأرض العربية وحدها، ولكن أهم وقائعها تجري تحت قبة العدو".

وختم بالقول إن هذا التغير سينعكس على الأدب والفنون بلا شك، "فقط إذا مُنح أدبنا المساحة الحرة ليقول ويرصد ويقدم الرؤى".

وعي المقاومة

وأكد  الدكتور عبدالرحمن الشرقاوي، أستاذ الأدب العربي بجامعة أوساكا في اليابان، أن المجتمع الإسرائيلي هو في جوهره مجتمع هش ومنقسم على نفسه، رغم ما يعتقده كثيرون من أنه متماسك بفعل رابطة الدين، وهي في نظره رابطة «عراقية» وليست متينة بالقدر الكافي، حسب تعبيره.

وأوضح الشرقاوي أن هذا الانقسام لا يقتصر على البنية العرقية بين "يهود الشرق والغرب" والأفارقة، بل يمتد أيضًا إلى البنية الدينية، حيث الصراع قائم بين التيارات العلمانية من جهة، والمتدينين من جهة أخرى. وأضاف: "هذا الانقسام كان واضحًا أيضًا في ثنائية سياسية حكمت إسرائيل لفترات طويلة، بين حزب العمل من جهة، والليكود ممثلًا لليمين من جهة أخرى".

واستحضر الشرقاوي ما قدمه المهندس أحمد بهاء الدين شعبان في كتابه «حاخامات وجنرالات.. الدين والدولة في إسرائيل» من تحليل لبنية هذا المجتمع، حيث أشار إلى أن إسرائيل قامت على فكرة دينية، لكنها خضعت لسيطرة الجنرالات والعسكريين لعقود طويلة. 

ولفت إلى أن الدكتور عبدالوهاب المسيري أيضًا قدّم في موسوعته عن اليهود واليهودية والصهيونية توضيحات دقيقة وعميقة لهذا التفكك البنيوي، لكن غزارة المعلومات جعلت بعض تفاصيلها تغيب عن الوعي العام، كما لم تُقرأ كما يجب.

وانتقد الشرقاوي ما وصفه بسطحية المعلومات المتوفرة عن بنية المجتمع الإسرائيلي، وأرجع ذلك إلى ضعف الاهتمام العربي العام، سواء في الإعلام أو في الأدب، قائلًا: "لم ننشغل كمجتمعات ولا كأدباء بدراسة هذا العدو من داخله، ولا بتركيبته البنيوية التي تشكل أحد مفاتيح القوة ضده".

واعتبر أن حركات المقاومة كانت أكثر وعيًا من غيرها بهشاشة المجتمع الإسرائيلي، واستثمرت هذا الضعف من خلال عمليات مثل خطف الجنود وتبادل الأسرى، مستشهدًا بنماذج متكررة من نهايات القرن العشرين وصولًا إلى الزمن الراهن، بل رأى أن إيران بدورها بنت استراتيجيتها ليس على الدفاع الجوي فقط، وإنما على تطوير منظومة هجومية قادرة على إيلام العدو وتحريك الرأي العام الإسرائيلي ضد حكومته.

وفي حديثه عن الأدب العربي، أشار الشرقاوي إلى أن معظم الكتابات ركّزت على معاناة الإنسان العربي والفلسطيني تحت الاحتلال، دون التطرق الجاد إلى تناقضات المجتمع الإسرائيلي. وذكر نماذج مثل محمود درويش وغسان كنفاني، خاصة في عائد إلى حيفا، الذي ركز على التحوّل الشخصي للأسرة الفلسطينية، وكذلك إميل حبيبي ومريد البرغوثي، الذين عبّروا عن أثر الاحتلال على الحياة اليومية والمنفى، دون أن يظهر العدو كفرد أو كمجتمع متناقض.

وأشار الشرقاوي إلى أن هذا النقص في الرؤية يقابله اهتمام في بعض الأعمال الإسرائيلية المكتوبة بالعبرية، والتي قد تمنح الباحثين العرب – خاصة من يقرأون العبرية – فرصة لاكتشاف التناقضات الهيكلية التي تهدد هذا الكيان الهش، مؤكدًا أن استغلال هذه التناقضات قد يؤدي إلى تفكيك هذا البناء الصناعي.

واختتم حديثه بالإشارة إلى ما أكده الدكتور عبدالوهاب المسيري في أكثر من موضع، حين رأى أن إسرائيل تعتمد اعتمادًا تامًا على الولايات المتحدة، وأنها قابلة للزوال فور انتهاء دورها بالنسبة لهم.

صدمة وارتباك

من جانبها، أكدت الدكتورة شاهندة الباجوري، الباحثة المتخصصة في أدب الحرب أن ما حدث للكيان الإسرائيلي خلال الهجمات الإيرانية الأخيرة لم يكن الأول من نوعه، ولن يكون الأخير، مشيرة إلى أن ما جرى يُذكّر بشكل مباشر بما وقع في يوم 7 أكتوبر 2023، ويوم 6 أكتوبر 1973، مع فارق واضح في الاستراتيجيات والتخطيط والتسليح والنتائج. إلا أن ما يجمع بين هذه اللحظات، هو عنصر المباغتة والمفاجأة وخطة الخداع الإستراتيجي التي تسببت في صدمة واهتزاز نفسي إسرائيلي،التي فضحت الضعف البنيوي في صفوف الجيش، وارتباك في قرارات القادة وسلوك الجنود.

وأوضحت الباجوري أن الجنود الإسرائيليين «اعتادوا أن يقصفوا شعبًا أعزل من وراء جدر»، لكن المواجهة العسكرية المباشرة تفضح دائمًا «الاهتراء النفسي والتخبط العسكري»، رغم ما يتلقونه من دعم أمريكي هائل بأقوى المعدات والأسلحة والصواريخ وطائرات التزود بالوقود في الجو.

وأضافت في كل حرب تكاد إسرائيل تخسر، لولا تدخل أمريكا التي تدعمها بقوة وتقلب الموازين وتضغط على الطرف الآخر للانصياع، مستثنية من ذلك حرب أكتوبر 1973، التي لم يذعن فيها الرئيس السادات، وفرض شروطه بقوة، وحصل على سيناء بالعسكرية والدبلوماسية معًا.

وفي حديثها عن دور الأدب العربي، لاسيما السرد الروائي والقصصي، أكدت أنه كشف عن هشاشة هذا الكيان، من خلال تصوير الجندي الإسرائيلي بالجبان والخائن، الذي يختبئ عند مواجهة الجندي العربي، كما أنه لا يحترم مواثيق الهلال الأحمر للتعامل مع الأسرى، خاصة في النصوص التي رصدت هزيمة 1967، مثل: "الرصاصة لا تزال في جيبي" لإحسان عبد القدوس، و"أحمد وداود" لفتحي غانم، و"العمر لحظة" ليوسف السباعي، و"عائد إلى حيفا" لغسان كنفاني، ورواية "الرفاعي"، ومجموعة "حكايات الغريب" لجمال الغيطاني، و"الحرب في بر مصر" ليوسف القعيد، وثلاثية "الطنطورية" لرضوى عاشور.

كما أشارت إلى شهادة الأديب الإسرائيلي يوعز عفرون، الذي أكد أن ما كُتب من شعر ونثر بعد نكبة 1948 لم يكن تعبيرًا عن التفاخر بالنصر، بل عن تخبطات ومعاناة المحارب الصهيوني الذي تحول إلى آلة قتل بأوامر قادته، مما وضعه أمام خيارين: إما أن يتراجع عن فكرته ويعود من حيث أتى، أو يواصل ويخوض حربًا دموية، إنسانًا ضد إنسان، وشعبًا ضد شعب. 

وتابعت الباجوري بأن الأدب العربي لم ينجرف يومًا وراء مقولة «الجيش الذي لا يُقهر»، بل على العكس، فقد صاغ الأدباء العرب تيمة الحرب على مستوى البناء الفني والدرامي للشخصيات والزمكان بمنتهى الوعي، حتى خلال الفترة التي تلت هزيمة 1967 وقبل انتصار أكتوبر 1973، مشيرة إلى أن أقلام الأدباء شكّلت سلاحًا لكشف كل ما هو خبيث في الجانب الإسرائيلي، كما استخدموها وسيلة لشحذ الهمم وتشجيع الساسة والعسكريين على اتخاذ قرار الحرب لاسترداد الأرض، وهو ما تحقق لاحقًا.

وختمت الباجوري حديثها بالتشديد على أن «الأدب والفن» بوصفهما من أدوات القوة الناعمة، قادران على كشف الظلم والطغيان والانتهاكات التي تتعرض لها الدول، داعية الأدباء إلى تحويل الحروب المعاصرة إلى قصص واقعية وأعمال فنية، معتبرة أن العالم العربي في حاجة ماسة إلى فضح هذا الكيان الخبيث من خلال الأدب الذي يؤرّخ ويوثق ويسير جنبًا إلى جنب مع التاريخ.
---------------------------
تحقيق:  عبدالكريم الحجراوي

إسرائيل كيان هش قابل للكسر قابل للزوال - المشهد الأسبوعية