اتهم المرصد السوري لحقوق الإنسان، القصر الجمهوري في دمشق، بإفشال اتفاق هدنة جنوب سوريا، موضحًا عبر موقعه الرسمي، أن شخصيات وطنية ووجهاء من درعا، إزرع، نوى، بصرى، وبدو حوران، وقيادات دينية وميدانية في السويداء، قامت بالتواصل مع الشيخ حكمت الهجري وعدد من القوى المؤثرة في السويداء، حيث وافقت الأخيرة على تسليم كافة المعتقلين كخطوة أولى لبناء الثقة، وعلى أن يتم التوصل إلى حل سلمي دائم برعاية شخصيات حورانية؛ سعيًا لإنهاء حالة الاقتتال الدامي، ومنع انزلاق الجنوب السوري نحو نزاع طويل الأمد، ستكون له عواقب إنسانية خطيرة، ووقف دائم لإطلاق النار، وإنهاء التوترات والاقتتال بين أهالي السويداء والعشائر.
ووفقًا للمصادر التي تحدثت للمرصد، تواصل الوسطاء مع القصر الجمهوري لطلب مباركته للاتفاق ودعمه؛ لاحتواء الوضع المتدهور، ومنع تفاقم العنف والتجييش الشعبي، الذي يهدد بجرّ المنطقة إلى مواجهات مفتوحة. لكن القصر أحال ملف المصالحة إلى قائد الأمن الداخلي في السويداء أحمد الدالاتي، والذي طلب بعد بحث المبادرة، مهلة للتواصل مع الرئاسة للحصول على الموافقة، أو على الأقل عدم الاعتراض.
ويستكمل المرصد: المفاجأة هي أن الدالاتي بعد نصف ساعة أبلغهم برفض الرئاسة لهذا الاتفاق؛ لأنها تعتبر الموافقة عليه قبولًا بالهزيمة، مؤكدًا في الوقت ذاته أن القيادة لا تؤيد التعبئة العشائرية من أجل تحرير السويداء. ووفقًا للمصادر التي تحدثت للمرصد، فإن الدالاتي قال لهم: "نعتذر، لسنا مستعدين لتبني هذا الموضوع، وليحل أهالي المنطقة الأمر بأنفسهم". ووفقًا لما نُقل، نسب القائد الأمني هذا الموقف إلى وزارة الدفاع والقيادة العامة للجيش.
** براك يكشف اتفاق الشرع ونتنياهو
وفي الوقت الذي رفضت فيه الرئاسة السورية مبادرة الهدنة والمصالحة، التي توصلت لها القبائل والدروز بمحافظة السويداء، أعلن المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل، بعد تواصل أحمد الشرع ونتنياهو، ولفت برّاك في منشور له عبر حسابه على منصة "إكس"، إلى أنّ الاتفاق، تمّ بدعم مباشر من الولايات المتحدة، وتبنّته كل من تركيا، والأردن، ودول الجوار (دون توضيح تلك الدول). ويدعو الاتفاق كلًّا من الدروز والبدو السنة إلى إلقاء السلاح، والانخراط في جهود بناء هوية سورية موحّدة، بالتعاون مع باقي مكونات المجتمع، ويحث جميع السوريين على الاحترام المتبادل والعمل المشترك؛ من أجل السلام والازدهار داخل البلاد ومع دول الجوار.
ونقل عن التليفزيون السوري، أن الاتفاق ينص على "دخول الأمن العام لكامل مناطق السويداء، ودخول مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية إلى السويداء، وحل جميع الفصائل، وتسليم سلاحها الثقيل للدولة السورية، ودمج هذه العناصر في الأجهزة الأمنية والعسكرية".
وفي سياق متصل، نقلت بعض المواقع الإخبارية السورية عن مصادر محلية، وجود اتجاه لتولي الأردن مهمة إرسال قوات لفض النزاع في السويداء، وأن الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا الشيخ حكمت الهجري، وافق على قوات فض نزاع أردنية بين العشائر العربية والدروز، إلا أن الملك الأردني عبد الله الثاني وافق على ذلك الطرح، شريطة أن يكون ذلك بطلب رسمي من مجلس الأمن الدولي.. فيما ذكرت عدة وسائل إعلام إسرائيلية أن حكومتها منحت النظام السوري مهلة 48 ساعة لوقف المعارك في السويداء، وإلا تدخلت لحماية الدروز الذين يواجهون قصفًا وهجومًا من جانب العشائر العربية، كما اتهمت النظام بإرسال قوات من الجيش ضمن مقاتلي العشائر، علمًا بأن الحكومة الإسرائيلية وفقًا لما ذكرته هيئة البث الإسرائيلية، أن تل أبيب سمحت، بعد ضغط أميركي، لعدد محدود من عناصر الأمن العام السوري بالوصول إلى منطقة السويداء، موضحة أنها لن تسمح بدخول عناصر من الجيش السوري إلى السويداء.
** الرئاسة تدعو لضبط النفس والعشائر ترفض
وكانت الرئاسة السورية قد دعت في بيان لها ليل أمس الجمعة 18 يوليو 2025، جميع الأطراف إلى ضبط النفس، وتغليب صوت العقل، مؤكدة أنها تبذل جهودًا حثيثة لإيقاف الاقتتال وضبط الانتهاكات التي تهدد أمن المواطنين وسلامة المجتمع.. وأن الجهات المختصة تعمل على إرسال قوة متخصصة لفض الاشتباكات وحل النزاع ميدانيًّا، بالتوازي مع إجراءات سياسية وأمنية تهدف إلى تثبيت الاستقرار، وضمان عودة الهدوء إلى المحافظة في أسرع وقت.
إلا أن العشائر العربية رفضت البيان الرئاسي، وأعلنت إطلاق عملية "فجر العشائر" لتحرير السويداء. وقد رصدت وسائل الإعلام العربية والأجنبية أرتالًا وتعزيزات ضخمة لقوات العشائر، يُقدّر عددها بأكثر من خمسين ألفًا، ينتمون إلى نحو إحدى وأربعين قبيلة وعشيرة، من مناطق درعا، والقنيطرة، ودير الزور، وريف حلب، والبادية الشرقية، بدعوة من مجلس القبائل والعشائر السورية؛ استجابة لحالة النفير العام لنصرة البدو واستعادة الكرامة..
فيما أعلن الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، التزامه بروح التسامح رغم الاعتداءات التي طالت أبناء الدروز، وقال إن "من يقوم بأعمال التخريب أو التحريض لا يمثل إلا نفسه"، مؤكدًا رفضه أن تنسب أعمال التخريب والتحريض إلى أي طائفة أو منطقة.. كشفت قناة "كان" الإسرائيلية، عن عبور عدد من الدروز خلال الساعات الأولى لصباح اليوم السبت 19 يوليو 2025، الحدود إلى سوريا، وأن الجيش يعمل على إعادتهم بأمان..
يأتي ذلك في الوقت الذي حذر فيه المرصد السوري لحقوق الإنسان، والشبكة السورية لحقوق الإنسان، من وقوع مجزرة واسعة بحق المدنيين. وفي ذات الوقت هددت الخارجية الأمريكية باتخاذ قرارات وصفتها بالحاسمة، ضد النظام السوري في العاجل القريب؛ لأن المشاهد التي تخرج من السويداء قاسية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو سيناريو مكرر لمجازر الساحل ضد العلويين، وأنها (أي الخارجية الأمريكية) تعمل على توثيق ذلك بإشراف ورعاية عدة دول.. فيما اتهمت بعض المواقع المحسوبة على الشيعة والدروز، السعودية، بالإفراج عن عناصر سابقين في تنظيم القاعدة من سجونها، وتُرسلهم إلى سوريا للانضمام لعصابات الجولاني متعددة الجنسيات والمتهمة بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين.
**والإفتاء تقضي بحرمة الخيانة ودماء الدروز
هذا، وقد أعلن مجلس الإفتاء الأعلى في سوريا عن 6 أحكام شرعية؛ هي: "حرمة الخيانة والاستعانة على الدولة بالعدو الصهيوني المحتل الغادر، الذي يؤكد كل مرة أنه أهل للعداوة، ولا عهد ولا مواثيق له"، و"حرمة قتل الأطفال والنساء، وحرمة العدوان على المدنيين والضعفاء، وإخراجهم من ديارهم، من أي طائفة كانوا" و"وجوب التمييز في التعامل بين من يستقوي بالعدو، وبين شركائنا أبناء مجتمعنا، وحرمة الاعتداء على أي سوري، من جميع المكونات والطوائف، في جميع المناطق والمؤسسات والمرافق والأحياء"، و"الواجب على الدولة شرعًا حماية جميع المواطنين بلا تمييز، وبسط الأمن، ومنع الفتنة، وردع المعتدين، وإغاثة المنكوبين والمهجرين، من أي طائفة كانوا"، و"حرمة الخطابات التحريضية الطائفية، ووجوب التثبت من الأخبار، والتأكد من مصلحة نشرها وعدم ضررها قبل التفاعل معها، ومشروعية الدفاع عن النفس والعرض والمال ضد من يصول عليها، وفضيلة نصرة المظلوم والضعيف والمخطوف بالمقدور والاستطاعة، مع ضرورة الرجوع إلى الدولة وحرمة منازعتها في مهامها الأساسية المختصة بها".
** قصف همجي وتضارب أرقام الضحايا
وفي تقرير له، نشر أمس الجمعة، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، نقلًا عن شهود عيان، أن الاشتباكات المتواصلة على مدى 6 أيام، أدت إلى أوضاع إنسانية مأساوية في ظل القصف والنهب، فضلًا عن الوضع الصحي الكارثي في مستشفى السويداء المكتظ بمئات الجثث، دون القدرة على تسجيل حصيلة نهائية ودقيقة؛ بسبب كثرة عدد الضحايا. ونقل المرصد عن الشهود، أن بعض الجثث يتم إلباسها زيًّا عسكريًّا في محاولة لإظهارهم على أنهم من فلول النظام.
هذا، ووصف شهود العيان للمرصد القصف الذي تتعرض له المنطقة من قِبل مسلحي العشائر بالعشوائي والهمجي، باستخدام الأسلحة الثقيلة والدبابات؛ مما أسفر عن مقتل مدنيين لا ذنب لهم، مؤكدين ضعف خدمات الإنترنت وانقطاع الكهرباء تمامًا..
ووفقًا لتقرير المرصد، فقد رصد نشطاؤه مساء الخميس 17 يوليو 2025، قصفًا مدفعيًّا وصاروخيًّا عنيفًا، طال عددًا من الأحياء السكنية المتفرقة في مدينة السويداء، وتجمعات الفصائل المسلحة المحلية من أبناء الطائفة الدرزية، مصدرها الجيش السوري وقوات العشائر الموالية له.. فيما دارت يوم الجمعة 18 يوليو 2025 اشتباكات مسلّحة عنيفة، بين عناصر من عشائر البدو، والفصائل المسلحة المحلية من أبناء الطائفة الدرزية، عند قرية ولغا في الضواحي الغربية لمدينة السويداء، واشتباكات متقطعة قرب قرية الصورة الكبيرة بريف السويداء.
إلى جانب ذلك، قدر المرصد ضحايا الاشتباكات وعمليات الإعدام الميداني والقصف الإسرائيلي، منذ صباح الأحد 13 يوليو، بنحو 638 قتيلًا، منهم 112 شخصًا؛ بينهم 13 نساء، و3 أطفال، ورجل مسن، أعدموا ميدانيًّا برصاص عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية، و3 من أبناء عشائر البدو، بينهم سيدة وطفل أعدموا ميدانيًّا على يد المسلحين الدروز.. فيما أدت الغارات الإسرائيلية على السويداء ومحيطها، لمقتل 15 من عناصر وزارتي الدفاع والداخلية، فيما قتل 3 أشخاص، بينهم سيدة واثنان مجهولو الهوية، جراء قصف الطيران الإسرائيلي مبنى وزارة الدفاع بالعاصمة دمشق.. بينما أدت الاشتباكات لمقتل 219 من أبناء محافظة السويداء، بينهم 73 مدنيًّا، منهم 4 أطفال و4 سيدات، و285 من عناصر وزارة الدفاع والأمن العام، بينهم 18 من أبناء العشائر البدوية.
وفي الأثناء، قدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 321 سوريًّا، وإصابة ما يزيد عن 436 آخرين، في محافظة السويداء، منذ 13 يوليو الحالي، حتى الجمعة 18 يوليو الجاري.. فيما أوضحت وزارة الصحة السورية، أن الاشتباكات التي شهدتها محافظة السويداء، أدت لمقتل 260 شخصًا، وإصابة 1698.
وكشفت التقارير الحقوقية عن خلو القرى من السكان المدنيين، بعد موجة التصعيد الأخيرة، والتي أدت، وفقًا لبيانات المنظمة الدولية للهجرة، إلى نزوح نحو 80 ألف شخص، إثر أعمال العنف في السويداء جنوب سوريا.