مرة أخرى نعود لتداعيات حريق سنترال رمسيس، ولكن من زاوية علمية بحثية تتعلق بالشعار الرئيسي لقطاع الاتصالات، والذي يدور حول عصر "مصر الرقمية"، ففي المرة السابقة تناولت أهمية وجود مركز أزمات وطوارئ دعم لمعالجة أي مشكلة طارئة، في أي قطاع خدمي أو اقتصادي، أو اجتماعي، مع وجود مراكز احتياط لتغطي أي عجز طارئ، حال وقوع أي أزمة تواجه أي من قطاعات الدولة، تجنبا لتعطل الحياة، أو الدخول في عزلة أو انعزال وتغييب، وتجنبا لخسائر بمئات الملايين.
واليوم نتحدث عن محور آخر كشفه حريق سنترال رمسيس والذي تبين أنه مسؤول عن حوالي 40% من حركة الاتصالات على مستوى الجمهورية، وفقا لتصريحات وزير الاتصالات عمرو طلعت، نشرتها العديد من وسائل الإعلام، وهذا رقم مهم في دولة بحجم مصر مساحة وسكاناً، ويؤكد محورية هذا المرفق الرئيسي في قطاع الاتصالات.
والسؤال المطروح هو "هل كشف حريق سنترال رمسيس للاتصالات - الذي وقعت أحداثه في 7 يوليو - عن مدى ضعف البنية التحتية الحيوية في مصر في مواجهة الكوارث؟.
الإجابة وفق متابعات ودراسات عقب الحريق، وقبل ذلك بسنوات، نعم، فوفق ما ذكره مركز "حلول للسياسات البديلة" بالجامعة الأمريكية، فإن "الحريق أكد مدى الحاجة الملحة إلى تبني إستراتيجية مزدوجة تقوم على تحديث هذه الأنظمة ولامركزيتها لتفادي الاعتماد على نقطة واحدة يمكن أن تتسبب في انهيار شامل، إلى جانب ضرورة معالجة الأسباب الكامنة وراء تكرار حرائق الصيف في مصر".
ومن المهم أن تأخذ جهات الاختصاص ما انتهت إليه التحليلات الفنية والتقنية، ومنها أن حادث سنترال رمسيس للاتصالات - الذي يعمل منذ عام 1927 - كشف عن هشاشة البنية العمرانية في مصر نتيجة تقادم المباني وغياب أنظمة فعّالة للوقاية من الحرائق، خصوصا أن الإحصاءات الرسمية رصدت 46925 حادثة حريق على مستوى الجمهورية خلال عام 2024، بزيادة 3.2% مقارنة بعام 2023، وتشير البيانات إلى تركز هذه الحوادث بدرجة ملحوظة في فصل الصيف.
وحول أهمية سنترال رمسيس للاتصالات يؤكد مركز "حلول للسياسات البديلة" بأنه ليس مجرد مبنى عادي، بل يمثل محورًا رئيسيًّا في شبكات الاتصالات والبيانات وخدمات الطوارئ في مصر.
واتضح هذا جلياً فيما نتج عنه من أضرار امتدت إلى قطاعات أوسع وأدت إلى شلل في المعاملات المصرفية الإلكترونية، وتعطّل ماكينات الصراف الآلي، وتوقّف المحافظ الإلكترونية، كما تأثرت شبكات النقل منها تأخير كبير في مواعيد القطارات وإقلاع الطائرات، وتسببت الأعطال التقنية في تعليق التداول بالبورصة المصرية.
والسؤال المطروح يركز على الحلول المطلوبة من أجهزة الدولة، والتي تتمثل في اتخاذ خطوات حاسمة لتفكيك مركزية الأنظمة الحيوية والحد من المخاطر الناتجة عن الحرارة الحضرية وتقليص الهشاشة المستقبلية أمام كوارث مماثلة لحريق رمسيس.
ويتفق المركز مع طرحناه من قبل في ضرورة وجود أنظمة احتياطية داخل شبكات الاتصالات، بحيث تتوزع الوظائف الحيوية بين مكونات متعددة قادرة على تأدية المهام نفسها، بما يضمن استمرار الخدمات دون انقطاع.
ولا شك أن هذا يعزز المنافسة في السوق ويدعم إنشاء مراكز بيانات محايدة لمشغلي الخدمات، وعلى الحكومة تحديث المباني القديمة بأنظمة فعالة للحماية من الحرائق، وتعزيز ممارسات الصيانة للحد من المخاطر المرتبطة بها.
ومن الملاحظات المهمة وجود توقعات أن مصر في ظل تغيّرات المناخ تواجه "مخاطر مرتفعة" من الحرائق الطبيعية، ما يعني أن احتمال نشوب حرائق سنويًّا نتيجة الظروف المناخية يتجاوز 50%، مع وجود توقعات تشير إلى نمط مقلق في ارتفاع معدلات الحرائق خلال فصل الصيف، حيث يدفع ارتفاعُ درجات الحرارة السكانَ إلى استخدام مكثف لأجهزة التكييف والتبريد، ما يثقل شبكة الكهرباء، ويزيد من احتمالات حدوث أعطال كهربائية تؤدي إلى الحرائق.
ومن التوصيات التي تم رصدها "حلول للسياسات البديلة" ما يتعلق بضرورة الاهتمام بالمساحات الخضراء لمعالجة ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية، خصوصا أن توسيع الغطاء النباتي يسهم في خفض درجات حرارة المدن، مع إمكانية زراعة الأسطح، لتتحول الأسطح غير المُستَغَلة إلى مساحات تبريد فعالة.
إذن فإن ملف حريق سنترال رمسيس، فتح الباب، للعديد من القضايا التي تتطلب حلولاً ابتكارية لمستقبل دون أزمات وتوجيه استثمارات في مجالات ذات أولويات لحياة الناس وخدماتهم، وحماية متطلباتهم اليومية على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
------------------------
بقلم: محمود الحضري