في إطار فعاليات الدورة العشرين لمعرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب، نظّمت المكتبة الخميس ندوة فكرية حملت عنوان "اللغة العربية بين المقدس والإنساني"، بمشاركة الشاعرين إبراهيم المصري وأشرف البولاقي، وأدارها الشاعر عمرو الشيخ، في حضور نخبة من رموز الفكر والثقافة.
شهدت الندوة حضور الدكتور محمد سليمان، القائم بأعمال نائب مدير مكتبة الإسكندرية ورئيس قطاع التواصل الثقافي، والدكتور مدحت عيسى، مدير مركز ومتحف المخطوطات، في تأكيد على حرص إدارة المكتبة على دعم النقاشات الجادة حول قضايا اللغة والهوية.
في مستهل الندوة، عبّر عمرو الشيخ عن امتنانه لدور المكتبة في دعم الحراك الثقافي، مشيرًا إلى أن عنوان اللقاء يفتح بابًا مهمًا للتأمل في العلاقة المعقدة بين اللغة والقداسة من جهة، واللغة بوصفها كائنًا إنسانيًا حيًا من جهة أخرى.
من جانبه، تناول الشاعر إبراهيم المصري البُعدين الإشكاليين في موضوع الندوة، موضحًا أن اللغة العربية، رغم استخدامها المكثف في الخطاب الديني، تظل لغة بشرية نشأت في بيئة اجتماعية وثقافية محددة، وتخضع للتطور مثلها مثل سائر اللغات. وأكد أن القرآن الكريم لم يمنح اللغة ذاتها صفة القداسة، بل إن لفظ "اللغة" لم يرد فيه، مشددًا على ضرورة التمييز بين النص المقدس والوسيط اللغوي.
وشدد المصري على أن اللغة العربية ليست مهددة بالانقراض، لما لها من حضور قوي في الحياة اليومية والمجال الرسمي، لكن التحدي الأكبر يكمن في التيارات التي تربط بين العربية والدين بشكل مطلق، ما يحدّ من فهمها كأداة إنسانية قابلة للتجدد.
أما الشاعر أشرف البولاقي، فأوضح أن الاعتقاد السائد بقداسة اللغة العربية يستند إلى كونها لغة القرآن، لكنه اعتبر ذلك فهمًا مبسطًا، مؤكدًا أن اللغة تتعرض لتحديات حقيقية تهدد فاعليتها. وأشار إلى أن العرب قبل الإسلام كانوا شغوفين بلغتهم، وأن مجيء الإسلام بلغتهم عزّز من مكانتها لكنه لم يجعلها مقدسة في ذاتها.
وأضاف البولاقي أن انقراض اللغة يعني انقراضًا حضاريًا، لما تمثله من وعاء للثقافة والهوية والذاكرة الجمعية، داعيًا إلى إعادة التفكير في أساليب تعليمها وتوظيفها بما يواكب العصر.
وفي مداخلة مهمة، تحدث الدكتور مدحت عيسى عن تراجع اللغة العربية في قدرتها على إنتاج المعرفة، مشيرًا إلى ما أصابها من ترهل وتكرار وانفصال عن الواقع المعرفي، وداعيًا إلى مشروع توعوي يعيد النظر في التصورات الشائعة حول قداسة اللغة. وأكد أن النصوص المقدسة هي التي تمنح المعنى للقداسة، وليس اللغة في ذاتها، التي ينبغي التعامل معها بوصفها كيانًا معرفيًا حيًا قابلًا للتطور.
تأتي هذه الندوة ضمن سلسلة فعاليات ثقافية تنظمها مكتبة الإسكندرية على هامش المعرض، الذي يُقام هذا العام بمشاركة 79 دار نشر من مصر والوطن العربي، ويضم أكثر من 215 فعالية بمشاركة نحو 800 مفكر ومثقف. كما تمتد أنشطة المعرض إلى بيت السناري بالسيدة زينب، وقصر خديجة بحلوان، في محاولة لخلق حوار ثقافي واسع ومتعدد الأبعاد.