هل تفتقد مصر فعلًا للكتاب الموهوبين؟ هل نفتقد فعلًا الأقلام المبدعة في مجال التأليف المسرحي، أو الدراما التليفزيونية، أو سيناريوهات أفلام السينما؟ هل هناك قضية "عدم توفر نص مميز" حتى نفرد لها المساحات في وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، وساحات النقاش في الندوات، لنناقش أزمة توفر نص؟
منذ أن بدأت في مجال الفن والثقافة في تسعينيات القرن الماضي، وأنا ما زلت أدرس في الجامعة وأتدرب كصحفية ثقافية في جريدة أخبار الأدب، وهذه هي القضية المطروحة في النقاش، سواء في الندوات، أو على الصفحات الثقافية للجرائد، لدرجة اعتقادي آنذاك بأن جيلي هو من سيتدخل في اللحظة الحاسمة لإنقاذ مصر من انعدام وجود أقلام مميزة، تقدم نصوصًا مبدعة للنشر، أو الإنتاج على خشبة المسرح، أو خلف شاشة السينما والتلفزيون، ولكنني اصطدمت بالحقيقة التي اصطدم بها كل من جاء قبلي من الأجيال السابقة، وهي أنه لا توجد أزمة نص، ولكن توجد أزمة إنتاج وشللية، فكل منتج له شلة من المخرجين، والمؤلفين، والممثلين، وحتى فنيي الصوت والإضاءة، والمصورين... إلخ.
لذلك، عندما صرح الفنان محمد رياض رئيس المهرجان القومي للمسرح، في المؤتمر الصحفي الخاص بإطلاق الدورة الثامنة عشر، أنهم قرروا الاحتفاء بالكتاب المسرحيين الذين فازوا بجائزة التأليف المسرحي للدورة الماضية؛ وذلك من أجل تقديم نصوص مسرحية للمخرجين وجهات الإنتاج، التي تشكو من انعدام وجود نصوص مسرحية مصرية، ما يجعلهم يلجؤون إلى التمصير والدرامتورج للنصوص الأجنبية. شعرت بأن الكيل قد فاض بعد مرور ثلاثين عامًا من ترديد نفس الادعاءات، وخلق أزمات غير موجودة أصلًا، حيث إن القضية التي يجب مناقشتها هي أزمة "الشللية" في المسرح والسينما والتلفزيون وحتى الأدب المصري، وليس فقر الإبداع لدى المصريين.
إن أكثر ما يُكذب ادعاءاتهم، وجود سلسلتين مسرحيتين، تصدر واحدة عن الهيئة العامة للكتاب، والثانية تصدر عن هيئة قصور الثقافة، ويصدر كلاهما بشكل دوري، وأخرجت العديد من الأصوات المسرحية الثقيلة والمحنكة. فما الذي يمنع جهات الإنتاج المسرحي التابعة للدولة، أو المستقلة، أو التجارية من العودة لهاتين السلسلتين من الإصدارات المسرحية لإنتاج نص منها؟
لا أرغب في تقديم الإجابة، ولكن الإجابة واضحة منذ قديم الأزل، وهي إما الشللية التي تتحكم في مفاصل وزارة الثقافة داخل كافة أروقتها، وإما استسهال المخرجين الجدد من المسرح الجامعي والإقليمي والمستقل، للعمل على إعداد نص مقتبس من نص مسرحي أجنبي، يسهل الوصول إليه عن طريق الإنترنت، فمن النادر أن تجد مخرجًا يتابع إصدارات مكتوبة.
يمكنني أن أطلق على هذه الحالة (أزمة حوار الطرشان)، فلا القائمون على إصدار سلاسل المسرحيات على تواصل مع البيت الفني للمسرح، ولا البيت الفني للمسرح يحاول الحصول على نسخ من إصدارات سلسلتي المسرح، ولا يحاول القائمون على المسرح الإقليمي توصيل تلك الإصدارات إلى المسرحيين في الأقاليم.. وهكذا، رغم أنهم جميعًا يعملون في وزارة الثقافة!
الغريب فعلًا، أن كل من يأتي ليعتلي منصبًا ما.. أي منصب علا شأنه أم صَغُر، لا يحاول أن يطلع على ما أنجزه من جاء قبله، ولا يحاول تكملة مشروع أطلقه السابق عليه، بل نعيش كلنا في دوامة محو تاريخ السابقين وإنكاره، ومحاولة إثبات أننا نحن مبعوثو العناية الإلهية الذين سننقذ سيزيف من حمل الصخرة، وهو ما لا يحدث أبدًا، ويظل سيزيف حاملًا صخرته للأبد. وهذا هو ما رأيته بعيني من الفنان محمد رياض، الذي افترض أنه يقدم شيئًا جديدًا لم يأت أحد قبله ليقدمه، وافترض أن الجائزة وطبع نصوص الفائزين في كُتب سينقذ المسرح المصري من افتقاره للنصوص المسرحية، بدلًا من محاولة معرفة أسماء سلاسل الكتب التي تصدر من الهيئات التابعة لوزارة الثقافة!
في النهاية، لا نملك سوى التوجه بالشكر لمحمد رياض على جهوده المحمودة بالتأكيد، فتقديم كاتب مسرحي وطباعة مُؤلفه، يعد أمرًا عظيمًا ونثمنه بالتأكيد، ولكن نتمنى فقط عدم طرح فرضيات زائفة عن حركة التأليف والإبداع المسرحي في مصر، فكما ذكرت في المؤتمر: "لم يكن ولن يكون أن تعاني مصر من المبدعين والأدباء والكُتاب العباقرة.".. فقط على وزارة الثقافة بأروقتها، ورؤسائها، ووزرائها المتعاقبين، أن يحلوا مشاكلهم ويتعاونوا مع بعضهم البعض.
--------------------------
بقلم: أمنية طلعت المصري