14 - 07 - 2025

الانتخابات البرلمانية المصرية وتدهور الجنيه: بين احتكار القرار وغياب الأمل

الانتخابات البرلمانية المصرية وتدهور الجنيه: بين احتكار القرار وغياب الأمل

مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر، يقف المشهد السياسي باهتًا، مرتبكًا، بل مشوهًا إلى حد يبعث على القلق. ليس فقط بسبب غياب التعددية الحقيقية واحتكار القرار السياسي، ولكن لأن المواطن المصري، المنهك من الغلاء وفقدان الأمل، لم يعد يرى في صندوق الاقتراع وسيلة للتغيير، بل واجبًا روتينيًّا بلا مردود.

فكيف نتحدث عن انتخابات تمثيلية، بينما الجنيه المصري يفقد يومًا بعد يوم ما تبقى له من قيمة؟ كيف نطالب العمال والمزارعين والفقراء بالتصويت، بينما طوابير الخبز والدواء تزداد، وأصواتهم لا تجد طريقها إلى قبة البرلمان؟

أزمة الجنيه: من يدفع الثمن؟

تدهور سعر الجنيه المصري أمام الدولار والعملات الأجنبية، لم يعد مجرد مؤشر اقتصادي، بل هو انعكاس لفشل سياسي شامل. من يدفع الثمن؟ المواطن البسيط، العامل الذي يتقاضى أجرًا لا يكفي قوت يومه، والأسرة التي أُجهدت من التضخم وفقدان الأمان الاقتصادي.

ما يحدث هو عملية إفقار منظم، يغيب عنها الحساب، ويُعزل فيها الشعب عن دوائر اتخاذ القرار. ويصبح السؤال: أين دور البرلمان؟ أين التشريع والمحاسبة؟ أين الرقابة على السياسات الاقتصادية والاقتراض المستمر دون نتائج ملموسة؟ البرلمان في صيغته الحالية لا يمثل صوت الناس، بل يبرر ما يُملى عليه من قرارات فوقية، دون اعتراض أو حتى مراجعة.

برلمان بالتعيين لا بالتمثيل

دعونا نكون صرحاء: الانتخابات البرلمانية لم تعد ساحة تنافس حقيقية. الترشح مشروط، والتمويل موجه، والنتائج محسومة سلفًا لصالح تحالفات بعينها. لم يعد هناك مجال لظهور معارضة حقيقية، أو حتى استقلال نسبي تحت القبة. وإذا وُجد صوت مختلف، فهو إما مكمم أو مهمش.

لقد تحول البرلمان من مؤسسة رقابية وتشريعية، إلى غرفة صدى للقرارات التنفيذية. وهذا أمر بالغ الخطورة؛ لأن غياب التوازن بين السلطات هو بوابة الانهيار السياسي والاقتصادي معًا.

من يدافع عن العمال؟

أين هم ممثلو العمال الحقيقيون؟ أولئك الذين جاؤوا من صفوف المصانع، ويعرفون طوابير العيش، ويشعرون بثقل فاتورة الكهرباء والماء؟ من يمثّل هؤلاء في برلمان تُشترى فيه المقاعد بالمال والنفوذ؟ لقد تم إقصاء الصوت العمالي، واستُبدل بأسماء مستأنسة، ترفع يدها بالموافقة دون نقاش.

الكلمة الآن.. أو الصمت الأبدي

علينا أن نعيد تعريف مفهوم الانتخابات، ونعيد توجيه البوصلة نحو تمثيل حقيقي، ليس لأننا نراهن على تغيير سريع، ولكن لأن الصمت لم يعد خيارًا. إذا استمرت الأمور بهذا الشكل، فسيزداد الفقر، وسيتعمق الغضب، وقد نفقد ما تبقى من استقرار.

القضية ليست اقتصادية فقط، بل سياسية من الجذور. الجنيه لا ينهار من فراغ؛ بل بسبب منظومة احتكارية مغلقة لا تستوعب النقد، ولا تسمح بالمحاسبة. وأي إصلاح يبدأ بإرادة شعبية حقيقية، تُترجم في صناديق اقتراع حرة، تحت رقابة مستقلة، وبمرشحين يعبرون عن نبض الشارع، لا عن تحالفات المصالح.

الانتخابات القادمة ليست فرصة لتغيير الأسماء، بل لاختبار ضمير هذا الوطن، إما أن نعيد الاعتبار للإرادة الشعبية، أو نترك البلاد فريسة لمزيد من الإفقار والتهميش، بقوة الكلمة.. لا بالخوف، ولا بالتردد.
----------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي


مقالات اخرى للكاتب

الانتخابات البرلمانية المصرية وتدهور الجنيه: بين احتكار القرار وغياب الأمل