يقام المعرض العام كل عام بهدف رصد الحركة التشكيلية خلال العامين السابقين لإقامته. وفى كل عام تثار الخلافات حول أشياء كثيرة مرتبطة بهذا المعرض المهم. منها على سبيل المثال لا الحصر الإعتراض على دعوة بعض الفنانين دون غيرهم، وتخصيص أماكن الصدارة لفنانين بعينهم ، وهناك من يعترض على لجان الفرز والتحكيم، وغيرها من الأنتقادات المبررة وغير المبررة، ورغم حدوث هذا الجدل كل عام، ومحاولات الإصلاح من قبل قطاع الفنون. تتكرر الإنتقادات وتظهر إنتقادات جديدة. الأمر الذى أدخل القطاع فى دوامة لا تنتهى.
من خلال متابعتى لهذا الجدل الذى لا ينتهى، كان لابد أن أسأل نفسى عن غرض وأهداف المعرض العام، ومن خلال توضيح الغرض والأهداف التى من المفروض أنها لا تشكل الاتجاه العام فحسب، بل البحث فى النتائج. فهذا أمر بالغ الأهمية لخلق تجربة ناجحة لهذا المعرض.
يقام المعرض السنوى العام للفنون التشكيلية ليطرح الحالة الإبداعية لحركة الفن التشكيلى بمختلف إتجاهاته الفنية لجمهور ومتابعى الحركة التشكيلية للتعرف على آخر ما وصل إليه الفنانون فى هذه المرحلة وعلاقتهم بهويتهم، ووضعهم بالنسبة للفن العالمى المعاصر، والتعرف على التحديات التى تواجهه ومحاولة حلها من قبل قطاع الفنون التشكيلية. وبما أن الفعاليات الدولية تقلصت لظروف كثيرة، لذلك لم يعد المعرض العام محدودا بإرضاء حالة داخلية، وأصبح دوره أكثر أهمية من ذى قبل لطرح أفكار جديدة نحاول من خلالها مواكبة الحركة التشكيلية العالمية والفعاليات الدولية. ولا يجب أن يتحرك المعرض العام بإيقاعه الثابت دون إضافات ورؤى جديدة ومتغيرة، يقوم بها الكوميسير الذى من الطبيعى أنه جاء لهذه المهمة، وإلا فما هى وظيفته طالما الفكرة لم تتغير؟.علينا أن نبدأ فى تفكير جديد يواكب ما نحن فيه من تغيرات، ونعوض ما لم نعد متمكنين من تحقيقه. مهمتنا مناقشة السلبيات مناقشة صريحة ترضى جموع الفنانين.
يجب أن يختار الكوميسير على أساس ما يطرحه من أفكار جديدة تخدم المعرض العام وتغير من أدائه الثابت. كل من يرى نفسه قادرا على عمل الكومسير يقدم مشروعه ورؤيته التى تضيف للمعرض العام وتقوم لجنة بترشيح الأفضل. الأمر الذى يساعد على إنجاح العمل والوصول الى نتائج أفضل كل عام.
أهمية المعرض العام:
للمعرض العام قيمة كبيرة بالنسبة للفنانين المشاركين، والفنانين غير المشاركين، وكذلك الجمهور.
يخلق المعرض العام حالة تعارف لدى الفنانين بعضهم ببعض وكذلك يطلعهم على الأساليب المختلفة التى يستفيدون منها، ويقدم فرصا مشتركة للتعلم، وفى الأساس فإنه يوفر لهم منصة لعرض أعمالهم والتعبير عن رؤاهم الفنية، ويوفر لهم فرصة لعرض أعمالهم على جمهور عريض. وما يعود على الفنانين العارضين ينعكس على الفنانين غير المشاركين لأنهم يشاهدون تجارب زملائهم ويتعرفون معهم على الأساليب والتقنيات والأفكار المختلفة، ويكون للمعرض العام فائدة كبيرة لجمهور الفن وذلك بتجميع عدد كبير من المبدعين لمشاهدة تجاربهم والتحاور معهم والتعرف على منتجهم، واكتساب فهم أعمق للعمليات الإبداعية، وذلك من خلال مشاهدة الأعمال الفنية وحوار الفنانين لمعرفة دوافعهم ورسائلهم. لذلك فللمعرض العام أهمية كبيرة فى تنشيط الحالة البصرية والثقافية والذهنية للجميع، وتعريف الآخرين بإمكانيات الفنان المصرى فى مواجهة التحديات والمنافسة فى الحضور العام المحلى والعالمى. ولذلك فإن تنظيم معرض جماعى بهذا العدد يحتاج الى أطر تنظيمية متجددة تشمل العناصر المفاهيمية والموضوعية والعملية المتطورة، وليس الشكل الثابت والمتعارف عليه. فالخبرة هى التى ستقدم رؤى جديدة ومبتكرة لجذب الجمهور
وبما أن وزارة الثقافة هى المسؤول الأول عن هذا النشاط، فمن الطبيعى جدا أن تستغل المكان إستغلالا جيد، فلدى الكوميسير فرصة ذهبية فى دعوة الموسيقين لتقديم بعض عروضهم البسيطة التى تنشر الثقافة وتعرف الجمهور بهم وتكون عامل جذب للجمهور، كذلك من حق الكوميسير دعوة الشعراء لإلقاء قصائدهم لجذب جمهورهم للإستماع إليهم ومشاهدة الأعمال الفنية. نستطيع أن نحول المعرض العام إلى إحتفال كبير شامل ونستفيد بالمكان وبمدة العرض أفضل إستفادة.
يجب التفكير خارج الصندوق وتقديم إبتكارات جديدة وهادفة لجذب الجمهور وإلقاء الضوء على هذا الحدث المهم، فالتخطيط الدقيق والإهتمام بالتفاصيل من خلال رؤية واضحة لإقامة حدث فنى جذاب يجذب الجمهور ويسعده.
يجب أن يكون هناك إطار عام ورسالة واضحة يحددها فريق العمل الذى يتم إختياره، ليكن هذا بعد فرز الأعمال ورؤيتها جيدا والبحث فى التوجه العام لمجموع العارضين من خلال المشاعر والأفكار التى يتم إستخلاصها وطرحها للجمهور.
أعلم أن إختيار موضوع ما لمعرض عام صعب جدا إن لم يكن مستحيلا، ولكن هناك إمكانية لإستخلاص رسالة موحدة تلقى صدى لدى الجمهور، ويتم التركيز عليها مع عرض الأعمال بعناية بحيث تتكامل مع بعضها فى الأساليب والمناظرات الفريدة دون النظر الى ترتيب القاعات بالأسماء كما يحدث. يجب الحرص على إنشاء مجموعات متماسكة يتحرك الجمهور بينها بسلاسة بصرية ناجحة.
يجب أن يكون هناك مع مجموعة العمل الخاصة بالفرز وإختيار الأعمال من شخصيات عامة ومتذوقين مثقفين فرؤيتهم مع روية الفنانين والنقاد ضرورية وتخدم الحركة التشكيلية بكل جوانبها. كما يجب إشراك الموظفين والإداريين المتخصصين وتدريبهم كفريق عمل مساعد يقوم بالترحيب بالزائرين والإرشاد والشرح، وتسجيل أفكار الجمهور واقتراحاته وتعليقاته على الأعمال، وهذا يساعد على الإثراء الثقافى والمشاركة المجتمعية، ويساهم فى تلافى الأخطاء المستقبلية ويثرى تجربة الزائر ويشجع على التفاعل الحقيقى بالعمل الفنى، ويستطيع قطاع الفنون التعرف على نقاط القوة والضعف فى الحدث. الأمر الذى يساعده على تحسين وتطوير المعارض المستقبلية، والتى من رأيى يجب ألا تتوقف عند هذا الأمر من إقامة المعرض العام واختيار بعض الأعمال للإقتناء وفقط. يجب إستغلال هذا الحدث فى توسيع التعاون مع المنظمات والمؤسسات الفنية الأهلية والجهود التعاونية لإعادة إقامة المعرض العام ولو بشكل جزئى بالأقاليم من خلال بروتوكولات بين قطاع الفنون والكليات المتخصصة بالأقاليم لإستقباله بقاعاتهم لإتاحة الفرصة لطلاب الفنون والجمهور العريض للمشاركة التفاعلية والتعرف على خبرات الفنانين وبناء جسور ثقافية قوية بين جميع أطياف الشعب.
يجب على قطاع الفنون إنشاء لجنة للرعاة والتكنولوجيا، تكون مهمتها التواصل مع الرعاة وأيضا الدعاية للمعرض العام عبر المنصات الإلكترونية، ودعوة الجمهور بكل الوسائل الممكنة، وتسجيل عدد الزائرين وإدارة الخدمات اللوجستية والإعداد.
على سبيل المثال يستطيع القطاع من خلال لجنة الرعاة والتكنولوجيا التواصل مع المهتمين بالثقافة لدعم المعرض. حتى لو كان التواصل مع مصانع الحلوى والمخبوزات لتقديم منتجاتهم للزائرين فى الإفتتاح مقابل مشاركتهم كرعاة . كذلك يجب إقامة شراكات مع وزارة التربية والتعليم والكليات المتخصصة والمؤسسات الثقافية لتوسيع نطاق المعرض والوصول إلى أكبر عدد من الجمهور وبناء علاقات مع المنظمات الأخرى ذات الصلة بالفن لخلق جمهور أوسع وأكثر حيوية وتفاعلا. أيضا يكون من مهام هذه اللجنة تجهيز الملف الصحفى بإحتراف باللغتين العربية والإنجليزية لجذب إنتباه نقاد الفن ووسائل الإعلام المحلية والدولية، والشخصيات المؤثرة فى عالم الفن، مما يحقق تغطية أوسع للمعرض. كذلك يقوم فريق العمل بإجراء تحديثات منتظمة بعرض الأعمال بشكل منتظم وطرح الدراسات النقدية مع مجتمعات الفن عبر الإنترنت. ومن مهام هذه اللجنة أيضا تنظيم محادثات فنية مع الفنانين المشاركين، وإنشاء منصة على الإنترنت لنشر هذه التحقيقات مع أعمالهم الفنية والكشف عن أسرار العمل وخباياه. والتركيز على العملية الإبداعية وعالم الفن الذى يجذب الجمهور ويحفزه لزيارة المعرض.
تقوم لجنة الرعاة والتكنولوجيا أيضا بجمع كل الملاحظات، ووجهات النظر من الحضور، ومن جمهور الإنترنت حتى بعد إنتهاء المعرض، وتسجيل النجاحات والإخفاقات وطرحها للمناقشة فى حلقات مع المسئولين للإستفادة منها فى المعارض المستقبلية.
من متابعاتى وقراءاتى لعدد كبير من دورات المعرض العام. وجدت من يؤيد ومن يعارض. وكلاهما يبالغ فى رأيه فهناك من يعلى من قيمة المعرض، ومن يتهمه بالضعف، ومحاباة بعض الفنانين بتصدير أعمالهم بالبهو الرئيسى وتميزهم دون غيرهم بوضعها فى صدارة المشهد.
لاحظت العديد من المشكلات التى واجهت الفنانين وإنتقدوها بدءا من فرز الأعمال وحث الفنانين على المقاطعة، ومرورا بدعوة بعض الفنانين وطريقة العرض، وصولا الى إقتناء الأعمال، ولأن المعرض العام مرآة الحركة التشكيلية فى مصر، ويقوم برصد ذاكرة الوطن خلال عام كامل ، لذلك يجب سماع الفنانين ومقترحاتهم التى قد تساعد على الإرتفاع بمستوى العرض، وكذلك التخلى عن النظام الثابت والموروث الخاص بدعوة عدد من الفنانين دون غيرهم، الأمر الذى يدفع الكثيرين من المتميزين ممن لم توجه لهم الدعوات بالعزوف عن المشاركة لرفضهم هذا التمييز الذى لا يكون مقصودا فى كل مرة من قبل الكومسير، ولكنه أصبح تقليدا ثابتا لا يرضى جموع الفنانين، وهذا الأمر كفيل بإخفاء الشكل الحقيقى للحركة التشكيلية وعدم تقديم حصاد عام سابق للمعرض بموضوعية وعدالة.
أذكر أن رئيس قطاع الفنون والهيئة المشكلة لإقامة المعرض العام فى دورته الرابعة والأربعين غامروا بالإعلان عن منع الدعوات. وللحقيقة كنت مشفقا عليهم من هذا القرار الجريء لأن الذى ترسخ لدى العديد من الفنانين هو دعوتهم للمشاركة، بإعتبار أن هذه الدعوة إعتراف بقيمتهم دون غيرهم حيث لا تخضع أعمالهم للفرز كبقية المشاركين. وعدم دعوتهم تقليل من قدرهم – من وجهة نظرهم - الأمر الذى سيجعل الكثير منهم يرفض المشاركة. أشفقت عليهم لأن زحزحة الثوابت التى أرساها القائمون على المعرض العام طوال دوراته السابقة تحتاج الى تفكير فى بدائل حقيقية وجادة لعدم المشاركة المحتملة من البعض حتى يتحقق النجاح لهذه الفاعلية المهمة. لكن سياسة القطاع التى لم تتغير من قبل جعل العديد من الفنانين لا يصدقون قراراتهم، خاصة والقطاع لم يأت بهذه السياسة منذ تولى الفنان وليد قنوش رئاسة القطاع. فقد قام منذ فترة تسبق المعرض العام بدعوة عدد ممن اختارهم من وجهة نظرة هو ومن معه لإقامة معرض "البدايات" ليلقي الضوء على بدايات بعض الفنانين المصريين أصحاب التجارب المؤثرة من أجيال مختلفة، بدايةً من الرواد وحتى جيل الألفية. ووجهت الدعوات لعدد من الفنانين دون غيرهم للمشاركة. الأمر الذى أغضب البعض الآخر، وأفقد القطاع المصداقية والشفافية والتعامل مع الفنانين بمعيار واحد. وإنعكس هذا على المعرض العام بإعتبار أن القطاع لم يغير سياسته فى التعامل مع الفنانين.
لم يصدق الفنانون إعلان القطاع إلغاء الدعوات والكيل بمكيالين بعد تجربتهم مع معرض "البدايات". وعندما أحس رئيس القطاع بعزوف الفنانين قام ومساعدوه بتجييش فنانى الأسكندرية للمشاركة دون أن يهتم بالخريطة التشكيلية كالدعوة العامة لفنانى المنصورة وفنانى الجنوب بإعتبار وجود كليات للفنون فى هذه المواقع.
ربما يتعجب البعض من تأييدى لفكرة دعوة بعض الفنانين للمشاركة فى المعرض العام، وهذا الطرح يحتاج الى توضيح لوجهة نظرى فى هذ الأمر. فبما أن المعرض العام يقوم برصد الحركة التشكيلية على مدار عامين سابقين لإقامته فيجب على كوميسير المعرض وفرق العمل متابعة الحركة التشكيلية بزيارتهم للمعارض وتقييمها من خلال المتابعة الدقيقة ورصد رد فعل الجمهور والنقاد والفنانين من المعارض المقامة فى القاعات الخاصة والقاعات التى تمتلكها الدولة، وتسجيل قائمة بالفنانين المتميزين بشفافية، وتصوير بعض الأعمال التى يتم إختيارها، وبالتبعية دعوة أصحاب هذه الأعمال للمشاركة بها فى المعرض العام. هنا يكون للدعوة أهمية ومبرر. ولكن لا تكون الدعوة مطلقة دون معرفة بما يقدمه الفنان. وهنا أيضا ستكون هناك مسؤولية مهنية وأخلاقية لدى الكوميسير وفريق عمله الذى سيطرح رؤيته ومبررات دعواته فى بيان صحفى يواكب الإفتتاح. يحق للكوميسير وفريقه بالتعاون مع قطاع الفنون من توجيه دعوة خاصة لعدد محدود مع ذكر الأسباب والمبررات لدى العامة تأكيدا على أهمية هذه الدعوات من عدمها. خاصة وأن المعرض العام لكل الفنانين الذين تتوافر فيهم شروط العرض.
دعونا نعود بالذاكرة للوراء قليلا حين فكر الفنان الراحل محسن شعلان - رئيس قطاع الفنون السابق - تحريك المياه الراكدة ومحاولة تغيير الثوابت. حين إستحدث فاعلية عام 2007 أطلق عليها ("1"مهرجان الابداع التشكيلى الأول – المعرض العام وسوق الفن التشكيلى الأول ) بدعوى تسويق أعمال الفنانين. وقد كتبت جملة " المعرض العام " بأكبر بنط بغلاف " الكاتالوج". وأعتقد أن شعلان لم يكن يقصد تحويل المعرض العام إلى جزء من الفاعلية التى لم ينتبه إليها جموع الفنانين بربط هذا الحدث المهم بسوق الفن التشكيلى أى تحويله عن الهدف الأهم، وهو توثيق كل ما يطرأ على الحركة التشكيلية المصرية من خلال أهم مؤسسة معنية بتقديم قراءة لشكل الفن فى الأعوام السابقة ، إلى فتح المجال ليكون سوقا مرتبطًا بالعرض والطلب وتلبية أذواق القادرين فقط على اقتناء الأعمال الفنية.
كان شعلان يحاول إدخال المؤسسة الرسمية فى سوق الفن لخدمة الفنانين. لكن الفنانين والنقاد إعترضوا على إقحام المعرض العام الذى يمثل حالة خاصة لا ترتبط بالسوق بقدر ارتباطها برصد نشاط الحركة التشكيلية والوقوف على ما آلت إليه فى السنوات الأخيرة ، حيث أنه لا يقل أهمية عن معرض الخريف الذى يقام بفرنسا وغيره من المعارض العامة التى ترصد نشاط الحركة التشكيلية فى بلادها، والمعرض العام هو المرآة الحقيقية للحركة التشكيلية المصرية.
واستجاب رئيس القطاع لرغبة جموع الفنانين إلا أنه فى العام التالى 2008 قدم رؤية جديدة تحت عنوان "صالون جاليرى"، وقام بدعوة القاعات الخاصة للعرض بقصر الفنون من خلال العنوان المستحدث، وكانت وجهة نظره توحيد الأداء التشكيلى، وإيجاد نوع من الحوار والحراك والتفعيل. وأيضا ليكون نواة لسوق فن تشكيلى، وتم إشراك بعض قاعات الدولة مثل قاعة " أفق واحد " ، وقاعة " إبداع " ، وبعض الجمعيات الأهلية مثل ( أتيليه الإسكندرية – جماعة الفنانين والكتاب )، وأقيم المعرض بقصر الفنون فى يوليو 2008، وشاركت القاعات الخاصة دون تدخل من مؤسسة الدولة فى إختيار الأعمال، أو التأكد من أن بعضها أصلى أو مزور، واكتفى المنظمون بوضع سطر فى آخر الكاتالوج الفخم الذى طبعوه ليقولوا فيه نصًا :" الأعمال المعروضة مقدمة من القاعات المشاركة على مسؤوليتها وقطاع الفنون التشكيلية غير مسؤول عن أصلها " وكان هذا أمرا غريبا جدا، فكيف لمؤسسة من مؤسسات الدولة أن تفتح قاعاتها لمعروضات لا تعرف عنها شيئًا. أدى ذلك لاستغلال بعض القاعات الخاصة فى توثيق أعمال غير أصلية بشهادة عرضها فى أهم قاعات الدولة وتسجيلها بكتالوج فخم. كانت هذه المبادرة إجتهادا من قطاع الفنون لإلقاء الضوء على الحركة التشكيلية المصرية، لكنها مبادرة غير مدروسة دراسة كافية.
فى العام الماضى وتحديدا فى الدورة الرابعة والاربعين قام القطاع بدعوة الفنانين العرب المقيمين بمصر للعرض بالمعرض العام، وخصص لهم قاعة فى متحف محمود مختار. ورحب الجميع بهذه المبادرة رغم تحفظهم على مكان العرض متمنين لو كان بالقاعة الخاصة الموجودة فى قصر الفنون حتى يشاهده عدد أكبر من الجمهور. واعتبرنا أنها بداية للتطوير والبحث عن حلول للتفاعل مع التجارب العربية ومدى تأثر الفنانين العارضين بإقامتهم بمصر. وقد أثارت هذه المبادرة الكثير من التساؤلات بعد إلغائها بعد أن لاقت ترحيبا واسعا من الفنانين. فقد كانت هذه الخطوة بداية واعدة لتطوير التفاعل مع التجارب الفنية العربية المقيمة في مصر، والوقوف على مدى تأثر إبداعاتهم بإقامتهم في البلاد. كان يُنظر إليها كحل بديل لتعويض الفعاليات التي توقفت بسبب الظروف الاقتصادية، مما يجعل إلغاءها أمرًا محيرًا ومثيرًا للتساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا القرار، خصوصًا وأنها حظيت بقبول شريحة واسعة من الفنانين.
في الدورة الخامسة والأربعين من المعرض العام لعام 2025، أطلق كوميسير المعرض مبادرة جديدة لدعوة نقاد الفن التشكيلي للكتابة عن الفعالية ونشر مقالاتهم بعد الافتتاح. ولتسهيل مهمتهم، تم تزويد النقاد بصور للأعمال الفنية المشاركة.
ومع أن هذه المبادرة تهدف إلى إثراء النقاش الفني حول المعرض، إلا أنها تواجه تحديًا كبيرًا: صعوبة كتابة نقد فني احترافي بناءً على صور فقط. فالنقد الفني المتعمق يعتمد على مشاهدة الأعمال الأصلية والتفاعل معها بشكل مباشر. فالصور، مهما كانت دقيقة، لا يمكن أن تنقل التفاصيل الكاملة للأبعاد، الملمس، استخدام الألوان، أو تأثير العمل الفني في فضاء العرض. هذه العناصر حيوية للتحليل النقدي الشامل والدقيق.
لذلك، قد يجد النقاد صعوبة في تقديم قراءة نقدية معمقة واحترافية تفتقر إلى التجربة المباشرة للأعمال. هذا يثير تساؤلات حول مدى فعالية هذه المبادرة في تحقيق هدفها المتمثل في إثراء المشهد النقدي، وضرورة إيجاد حلول تمكن النقاد من التفاعل مع الأعمال الفنية بشكل أفضل قبل الكتابة عنها.
إن توقيت دعوة النقاد له أهمية قصوى لضمان جودة النقد الفني. كان من الأنسب والأكثر فاعلية أن تتم دعوة نقاد الفن التشكيلي بعد الافتتاح الرسمي للمعرض. فمشاهدة الأعمال الفنية مباشرة وفي سياق العرض ضرورية للغاية للنقاد لأداء عملهم على أكمل وجه. رؤية العمل الأصلي تتيح لهم: تقدير الأبعاد الحقيقية والمساحة. فالصور لا يمكن أن تنقل بدقة حجم العمل أو مدى تأثيره على المساحة المحيطة به، وفحص التفاصيل الدقيقة. النقاد بحاجة لتدقيق الملمس، ضربات الفرشاة، التدرجات اللونية الدقيقة، والكتلة والملمس والبناء فى النحت، والخزف، وأيضا الأعمال المركبة، وكل ما لا يظهر بوضوح في الصور. فالتفاعل مع العمل عن قرب يتيح للنقاد تجربة حسية وعاطفية لا يمكن أن توفرها الشاشات. فالعرض وتوزيع الأعمال والإضاءة، وغير ذلك من تفاصيل العرض يؤثر بشكل كبير على استقباله. والاعتماد على الصور فقط، كما حدث، يحد من قدرة النقاد على تقديم قراءة نقدية متعمقة واحترافية، ويجعل نقدهم أقرب إلى الوصف المبدئي منه إلى التحليل الشامل. هذا يقلل من القيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها النقد الفني للمشهد الثقافي. وأعتقد أن هناك فرصة لتحسين هذه المبادرة في الدورات القادمة لضمان استفادة النقاد والجمهور بشكل أكبر.
لا يمكن إغفال أهمية اختيار الفنانين المكرمين في هذه الدورة تحديدا، وكذلك تكريم الفنانين الراحلين. هذه اللفتة تعكس عمق التقدير للدور الذي لعبه هؤلاء الفنانين في إثراء الحركة التشكيلية.
تكريم الفنانين الأحياء الذين قدموا إسهامات بارزة على مدار مسيرتهم الفنية يمثل اعترافًا مستحقًا بجهودهم وإلهامهم للأجيال الجديدة. إنه يحفزهم على مواصلة العطاء ويمنحهم مكانة تقديرية في المشهد الفني.
أما تكريم الراحلين، فهو بمثابة وفاء لذكراهم واستحضار لأعمالهم الخالدة. هذا التكريم يضمن أن تبقى إنجازاتهم محفورة في الذاكرة الجمعية، ويؤكد على أن الفن لا يموت بموت صاحبه، بل يظل مصدر إلهام ومعرفة للأجيال القادمة. كما أنه يربط الأجيال الحالية بتاريخ الفن المصري والعربي، ويغرس فيهم قيم العرفان والتقدير لمن سبقوهم.
هذه المبادرات الخاصة بالتكريم، سواء للأحياء أو الراحلين، تُضيف بعدًا إنسانيًا وفنيًا ذا قيمة كبيرة للمعرض، وتُعزز من رسالته كملتقى للأجيال وتبادل الخبرات الفنية.
---------------------------
بقلم: د. سامي البلشي