09 - 07 - 2025

أرض الكنانة وشعبها في عين الإعصار

أرض الكنانة وشعبها في عين الإعصار

هذه ليست نظرية مؤامرة، وليس تواطؤًا مع أي جهة، ولكنها الحقيقة الدامغة التي تبررها المصائب المتتالية التي تعاني منها البلاد، سواء الحوادث التي لا تنتهي على الطرقات، أو الحرائق، أو الشائعات عن خروج الأموال الساخنة، أو الصراعات والمعارك المفتعلة ضد مصر على مواقع السوشيال ميديا، أو التقارير الصادرة عن بعض الصحف والمجلات ومراكز البحوث في الغرب، وهي جهات مشبوهة وممولة سواء من الحاقدين أو الحاسدين، أو الجماعات الإرهابية، أو أصحاب الأبواق الإعلامية الخارجية الذين ينشرون الأكاذيب ليلًا ونهارًا، أو من الأعداء التاريخيين الذين لا يريدون لهذه البلد ولا لشعبها أي تقدم أو رقي. كل هذه الإرهاصات تؤكد أن البلاد وشعبها في عين العاصفة. 

ومن المؤكد وجود أيادٍ خفية، ومؤسسات مغرضة، تحاول العبث بأمن البلاد من خلال افتعال مشكلات متتالية تزعزع تماسك الجبهة الداخلية، أو تسعى لتخويف المصريين من بعبع زيادة الأسعار وتسونامي موجات الغلاء القادمة، أو الارتفاع المفاجئ في سعر الدولار، أو زيادة أسعار سندوتشات الفول والطعمية علاوة على الطماطم والجرجير والبطيخ... إلخ. في الآونة الأخيرة خاصة بعد اندلاع الحرب في غزة، لاحظت أن جميع المواخير الإعلامية التابعة للجماعات الظلامية، تستهدف مصر على مدار الساعة؛ تارة بنشر الدعايات الكاذبة عن الموقف الرسمي المصري تجاه الأشقاء في فلسطين، وتارة بالأحاديث المملة والمتكررة عن زيادة أسعار السلع والخدمات، بالإضافة إلى المبالغات في الكلام عن تزايد مجتمعات الفقر في (مصر) في مقابل تزايد مجتمعات الرفاهية في (إيجبت)، وكذلك الحديث عن انهيار تام في الطبقة الوسطى - وهذا كلام غير صحيح - مع تعليقات من حين لآخر عن سكان الساحل الشمالي من عامة الناس، في مقابل الطبقة المخملية التي تقيم في (الساحل الشرير)، وهي تسمية سخيفة وثقيلة الدم. 

كل هذه المحاولات الكلامية عبر الشاشات اللقيطة، تهدف لإثارة مشاعر الكراهية والحقد بين طبقات الشعب، وتمزيق أواصر الود والمحبة بين أفراد الأسرة الواحدة. الملفت للنظر في هذه الحملات المكثفة، غياب تام لأي ذكر أو إشارة عابرة عن الإنجازات الضخمة التي تحققت في مصر في السنوات العشر الأخيرة، سواء في تحديث شبكة الطرق على مستوى الجمهورية، أو التوسع في المشروعات العمرانية وبناء المدن الجديدة، وبناء عشرات الجامعات، والقضاء على البؤر العشوائية، وتحديث الموانئ والمطارات، وتطوير الصناعات المختلفة، وزيادة الرقعة الزراعية... إلخ.  

في هذا السياق أريد أن أوضح عدة نقاط هامة. أولًا: تعرضت بلدان عديدة للعديد من الحوادث والحرائق التي أتت على الأخضر واليابس، علاوة على الأمطار التي تسببت في إزالة مناطق بأكملها من الوجود. مثلًا: تعرضت أجزاء من ولاية كاليفورنيا إلى عدة حرائق منذ فترة وجيزة، تسببت في خسائر بالمليارات، ولم تتمكن قوات الإطفاء من السيطرة عليها رغم الإمكانيات الرهيبة المتاحة، ومع ذلك لم نجد من يهاجم فرق الإطفاء مثلما يحدث الآن بعد حرائق رمسيس في القاهرة. 

ثانيًا: اجتاحت المياه مناطق من ولاية تكساس منذ أسبوع، وقتل أكثر من 100 شخص بسبب الفيضانات، ولم تتمكن سلطات الولاية من إنقاذ المواطنين والسيطرة على الفيضانات رغم توفر كافة وسائل الإنقاذ، ومع ذلك لم نسمع عن منصات إعلامية تهاجم حاكم ولاية تكساس ورفاقه، مثلما تم الهجوم الكاسح على محافظ الإسكندرية والحكومة بأسرها بعدما تعرضت المدينة للأعاصير الممطرة، التي تسببت في بعض الخسائر التي لا تقارن بما حدث في تكساس. 

ثالثًا: بالنسبة لغلاء الأسعار، دعوني أشير إلى موجات الغلاء العالمية التي ضربت جميع البلدان دون استثناء في السنوات الأخيرة، لأسباب سياسية واقتصادية لا مجال هنا لمناقشتها. ففي غالبية بلاد العالم تحتاج الأسرة المكونة من 3 أفراد شهريًّا لمبلغ يربو على 1200 يورو، أي ما يساوي 70 ألف جنيه مصري، دون نفقات السكن التي قد تصل في حدها الأدنى إلى 1000 يورو، أي ما يربو على 60 ألف جنيه مصري. وهذه الأسعار عادية جدا في معظم دول العالم، بل وتتضاعف عدة مرات في دول أخرى. سوف يقول المغرضون: لماذا لا تتحدث عن الدخل في هذه الدول؟ وإليكم الآتي في الدول التي زرتها منذ فترة قصيرة، أو عشت فيها ردحًا من الدهر: متوسط الدخل الشهري للفرد في دول مثل إسبانيا والبرتغال يتراوح بين 1000 و1200 يورو، في حين يصل متوسط الدخل الشهري للفرد في بلاد أوروبا الشرقية مثل رومانيا وبولندا أقل من 900 يورو. أما في دول مثل: بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وهولندا، والدول الإسكندنافية، فتكلفة المعيشة قد وصلت لمستويات غير مسبوقة من الإنفاق، رغم ارتفاع مستوى الدخل في هذه البلدان.

أما في دول مثل: أستراليا، ونيوزيلندا، ومعهم كندا، فإن هذه الدول التي كانت تقبل المهاجرين أصبحت دولًا طاردة للسكان الذين يفرون منها بأعداد كبيرة؛ بسبب غلاء المعيشة، وعدم القدرة على مواصلة الحياة في ظل ارتفاع الأسعار المستمر الذي أغرقهم في الديون. في كندا مثلًا: ارتفعت أسعار جميع السلع والمنتجات الضرورية للحياة عشرات المرات في السنوات الخمس الأخيرة بطريقة جنونية، بحيث يحتاج الفرد الواحد شهريًّا لأكثر من 4 آلاف دولار كندي، في ظل عدم وجود وظائف وارتفاع معدلات البطالة، ويبلغ متوسط الدخل حوالي 3 آلاف دولار تقريبًا، ولو عندك وظيفة يتم اقتطاع ثلث الدخل كضرائب إذا زاد الراتب عن حد معين. 

في ذات السياق، تزايدت الأسعار في الدول التي عرفت تاريخيًّا بأن نفقات الحياة فيها غير مرتفعة، مثل: تركيا، ودول وسط آسيا، وجنوب إفريقيا، علاوة على الدول التي كانت تصنف بأنها فقيرة، مثل: الهند، وفيتنام، وتايلاند، وكينيا، ودول أمريكا الجنوبية، حيث تبلغ نفقات المعيشة في هذه الدول حوالي 700 يورو شهريًّا كحد أدنى للأسر الصغيرة جدًّا. الدول العربية غير البترولية ليست استثناءً، فقد ارتفعت الأسعار وتكاليف المعيشة بشكل متزايد في الجزائر، والمغرب، وتونس، والأردن، ولبنان، والعراق، وسورية، حيث وصل سعر الغرفة في بعض فنادق دمشق حاليًا ل300 دولار، رغم أن الدولار الواحد يساوي 18 ألف ليرة. 

رغم كل ذلك الغلاء الرهيب الذي تأثرت به كافة طبقات المجتمع في هذه الدول، لم نجد هجومًا على مدار الساعة في مواقع السوشيال ميديا ضد حكومات هذه البلاد، مثلما يحدث مع مصر في الوقت الراهن. كلمة حق أقولها: أنا أعرف أن نفقات المعيشة في أم الدنيا قد تضاعفت في السنوات الأخيرة، ولكن بلادنا ليست الوحيدة التي تعرضت لموجات الغلاء المتتالية، لذلك لا ينبغي أن نبالغ في جلد الذات، أو في تصديق الشائعات المغرضة التي تهدف لقتل الأمل في النفوس وتحريض الشركاء في الوطن ضد بعضهم، فهذه الدعاية جزء لا يتجزأ من حروب الجيل الخامس التي تعتمد على الحملات الكاذبة، والهجمات الإلكترونية، والحرب النفسية التي تستخدم فيها وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الذكاء الاصطناعي المضللة. وعلى الجميع حكومةً وشعبًا التكاتف والاتحاد في وقت شديد الخطورة، تتعرض فيه المنطقة العربية بأسرها من الخليج إلى المحيط.. ومن الماء إلى الماء.. ومن النيل إلى الفرات، لأطماع المعتدين وخيانة الإسلامويين. 

طابت أوقاتكم.
-------------------------------
بقلم: د. صديق جوهر 
* أكاديمي وناقد 

 

مقالات اخرى للكاتب

أرض الكنانة وشعبها في عين الإعصار