ساعات عصيبة عاشتها منطقة وسط القاهرة مع نشوب حريق سنترال رمسيس، فقد حوصر موظفون بالنيران والأدخنة الكثيفة إلى أن تدخلت قوات الحماية المدنية لإنقاذهم ولم تسلم الحماية المدنية حيث أصيب اثنان منها أحدهما باختناق. وهناك خشية من أن يكون هناك موظفين مصابين باختناق داخل المبنى لذا بدأ تمشيطه.
وشهدت منطقة وسط البلد بالقاهرة في مصر حالة من الاستنفار الأمني بعد اندلاع الحريق في سنترال رمسيس، حيث دفعت قوات الحماية المدنية بعدد من سيارات الإطفاء وسلّم هيدروليكي إلى الموقع، وجرى تنفيذ خطة السيطرة ومنع تصاعد الوضع. تركّزت عمليات الإطفاء على الطابق العلوي من المبنى، حيث اندلع الحريق، وتم العمل على احتواء اللهب في هذا الجزء لمنع انتقاله إلى طوابق أخرى أو إلى المنشآت المجاورة.
وفرضت الأجهزة الأمنية طوقًا في محيط المبنى لتأمين المنطقة وتسهيل تحركات فرق الإطفاء والإنقاذ، فيما بدأت الجهات المختصة فتح تحقيق عاجل لتحديد أسباب الحريق بدقة.
وأشارت التقديرات الأولية إلى عدم تسجيل إصابات بشرية حتى الآن، باستثناء إصابتين لرجلي إنقاذ، في وقت تواصل فيه فرق الإنقاذ تمشيط المبنى للتأكد من خلوه من المتواجدين أو المحاصرين. وتعمل السلطات حاليًا على جمع الأدلة الفنية واستجواب الشهود المتواجدين في محيط موقع الحريق، وذلك للوصول إلى السبب الفعلي لاندلاع النيران في المبنى الواقع وسط منطقة مكتظة سكانيًا ومليئة بالمنشآت الحيوية.
واشتكى عدد من مستخدمي الإنترنت الأرضي في العاصمة من انقطاع الخدمة أو بطء شديد في الشبكة، ما يرجح تأثر بعض السنترالات المرتبطة بمنظومة سنترال رمسيس، نظرًا لموقعه المحوري في إدارة وتوزيع خدمات الإنترنت على مستوى الجمهورية.
وانعكس عطل خدمات الاتصالات والإنترنت، مباشرة على عمل البنوك، وأدى إلى توقف الأنظمة الإلكترونية في عدد من المؤسسات المصرفية. وشهدت فروع لبنوك كبرى، بينها الأهلي المصري وبنك مصر وبنك القاهرة وبنك أبو ظبي تعطلًا شبه كامل في أنظمتها الإلكترونية، مما أثر على تعاملات العملاء، خصوصا عبر ماكينات الصراف الآلي التي خرج أغلبها عن الخدمة. ولم يصدر حتى الآن أي بيان رسمي من مجلس الوزراء أو وزارة الاتصالات بشأن أبعاد الأزمة أو التوقيت المتوقع لاستعادة الخدمات بالكامل.
كما تسبب الحريق بعطل واسع في شبكات الشركات المزودة للاتصالات والإنترنت في محافظتي القاهرة والجيزة، وتشمل الشركة المصرية للاتصالات "وي"، وشركة فودافون، وشركة أورانج، وشركة "اتصالات مصر من إي آند".
حجر الزاوية
يُعد سنترال رمسيس أحد أقدم وأهم السنترالات في مصر، بل ويمكن اعتباره القلب النابض لشبكة الاتصالات القومية، لما يمثله من أهمية استراتيجية في دعم البنية التحتية لقطاع الاتصالات والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات. يقع السنترال في شارع رمسيس، وهو ما منحه موقعًا مركزيًا جعله محورًا حيويًا على مستوى الربط الشبكي والتقني، ليس فقط للعاصمة بل لكافة المحافظات.
سنترال رمسيس هو العُقدة المحورية لشبكة الهاتف الثابت في مصر، حيث يربط بين شبكة القاهرة الكبرى وشبكات الأقاليم المختلفة. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 40% من حركة الاتصالات المحلية والدولية تمر عبر هذا السنترال، سواء عبر الخطوط الأرضية التقليدية أو عبر البنية التحتية المرتبطة بشبكات الألياف الضوئية الحديثة (Fiber Optics).
ويمثل السنترال مركزًا أساسيًا في منظومة التحويلات الرقمية والدوائر الدولية، إذ يحتضن عددًا كبيرًا من المقاسم الرقمية الرئيسية (Core Switches) التي تُستخدم في تحويل المكالمات وربطها بالشبكات العالمية.
من الملك فؤاد إلى اليوم
ترجع أهمية المبنى إلى تاريخه العريق، إذ تم افتتاح سنترال رمسيس يوم 25 مايو/أيار 1927 على يد الملك فؤاد الأول، الذي أجرى بنفسه أول مكالمة هاتفية من خلال سماعة تليفون مصنوعة من الفضة، خلال مراسم افتتاح دار التليفونات الجديدة بشارع الملكة نازلي، وهو الاسم القديم لموقع السنترال الحالي.
وكان الهاتف المستخدم حينها من ماركة إريكسون السويدية، ومصنوعًا في مدينة استوكهولم، وقد نُقش عليه: "الجهاز الذي تفضل فؤاد الأول ملك مصر وافتتح به سنترال تليفون المدينة بالقاهرة في يوم الأربعاء 25 مايو/أيار سنة 1927.
مركز للكوابل ومركز بيانات حيوي
يحتوي سنترال رمسيس على واحدة من أكبر غرف الربط البيني (Interconnection Rooms) في مصر، وتستخدمها العديد من شركات الاتصالات الخاصة مثل فودافون وأورنج واتصالات. وتُعتبر هذه الغرف بمثابة البنية التحتية التي تُمكّن هذه الشركات من تمرير بياناتها عبر الشبكة الوطنية، أو من خلالها إلى الشبكات الدولية.
كما يمر عبر السنترال عدد من كوابل الألياف الضوئية الإقليمية والدولية التي تمثل شرايين الإنترنت في مصر، مما يجعله ذا أهمية استراتيجية في تأمين واستقرار الخدمة، خاصة في أوقات الضغط أو الكوارث.
يضم سنترال رمسيس كذلك وحدات لاستضافة البيانات (Data Hosting Units) تُستخدم لخدمات الحوسبة السحابية والأرشفة المؤسسية، وهي بنية أساسية تُعتمد عليها مؤسسات حكومية وخاصة في تخزين بياناتها وتشغيل منصاتها الرقمية. وفي ظل التحول الرقمي الذي تشهده مصر، فإن هذا الدور مرشح للتوسع أكثر، حيث يُتوقع تحويل السنترال تدريجيًا إلى مركز بيانات متقدم (Tier 3).
أهمية أمنية واقتصادية
من الناحية الأمنية، يخضع سنترال رمسيس لإجراءات حماية مشددة، باعتباره أحد المواقع السيادية، نظرًا لتأثير أي خلل فيه على قطاعات حيوية تشمل الاتصالات والبنوك والمرافق الحكومية. كما أن توقفه قد يؤثر على حركة الإنترنت الدولي المار عبر مصر، والتي تمثل مصدر دخل يتجاوز 200 مليون دولار سنويًا من خلال خدمات العبور التي تقدمها المصرية للاتصالات لشركات عالمية.
اقتصاديًا، يساهم السنترال في دعم قطاع الاتصالات، الذي يمثل أحد أبرز مصادر العملة الأجنبية لمصر، وقد بلغ إجمالي عائدات خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نحو 5.2 مليار دولار في 2023، بحسب وزارة الاتصالات.
سنترال رمسيس ليس مجرد مبنى في قلب القاهرة، بل هو مركز ثقل رقمي تتحرك من خلاله آلاف خطوط البيانات والمكالمات يوميًا. ويمثل العمود الفقري للبنية التحتية الوطنية، ما يجعله عنصرًا لا غنى عنه في أي تصور لمستقبل التحول الرقمي في مصر.