صدر مؤخرًا كتاب فكري تربوي جماعي بعنوان "نظرية الملكاتية: فلسفة تربوية أصيلة لتقويم الواقع التربوي" (كنوز المعرفة- الأردن)، أنجزه نخبة من الباحثين والخبراء التربويين، في مسعى جماعي لإعادة بناء تصورات التعليم في العالم العربي والإسلامي، على أسس معرفية متجذرة ومقاربات عملية متجددة.
يتبنّى هذا العمل الجماعي أطروحة مركزية تقوم على أن بناء الملكة ممكن وضروري، شريطة إعادة النظر في مفاهيم التعليم والتعلّم. فالتعليم حسب هذا التصور ليس مجرد عملية تمرير للمحتوى، بل مسار لتكوين الذات وتنمية القدرات. أما المتعلم، فلا ينبغي النظر إليه كمتلقٍ سلبي، بل كفاعل يبني معرفته ومهاراته وذوقه ونقده.
ويُعيد هذا الكتاب تقديم "نظرية التدريس بالملكة" كإطار شامل للإصلاح التربوي، يستمد جذوره من التراث الإسلامي العميق، وينفتح في الآن نفسه على التحديات والأسئلة الكبرى التي تطرحها منظومات التعليم الحديثة. وقد حرص المؤلفون على تتبّع أسس النظرية في خلفياتها الفلسفية والتاريخية، والكشف عن نسقها المفهومي، وتجلياتها العملية، مع تقديم نماذج تطبيقية تسهم في تفعيلها داخل السياقات التعليمية المعاصرة.
ويؤكد المشاركون في هذا العمل أن "الملكاتية" ليست مجرد حنين إلى الماضي أو اجترار للتراث، بل استثمار واعٍ لرصيد حضاري ومعرفي أصيل، يُسهم في بناء نموذج تربوي جديد، يعيد للتعليم مكانته بوصفه مشروعًا لبناء الإنسان، لا مجرد وسيلة للتهيئة للامتحان أو توريد المعارف الجاهزة.
ويمثل هذا الكتاب الجماعي دعوة مفتوحة إلى صناع القرار، والمشتغلين بالشأن التربوي، والمهتمين بالفكر الإصلاحي، للانخراط في أفق جديد من التفكير التربوي، يجعل من المدرسة فضاءً لبناء الإنسان، لا مصنعًا لإنتاج الشهادات.