إذا كنت تريد أن تفهم السعودية الجديدة، فلا تبدأ بالنفط، بل بألعاب الفيديو. لقد نشأ ولي العهد ورئيس الوزراء السعودي محمد بن سلمان، البالغ من العمر 39 عامًا، والمعروف اختصارًا بـ MBS، مهووسًا بألعاب الفيديو، ولا يزال يلعبها كل صباح رغم عبء عمله الثقيل وأطفاله الخمسة.
تدور لعبته المفضلة، Final Fantasy XVI، حول وريث شاب للعرش يجب أن يستعيد بلورة مسروقة ويكتشف أنه "الملك الحقيقي"، ويقول الأمير محمد بن سلمان للصحفية المخضرمة كارين إليوت هاوس، وفقًا لكتابها الجديد "الرجل الذي سيصبح ملكًا: محمد بن سلمان وتحول السعودية" (منشورات هاربر)، والذي سيصدر في الثامن من يوليو: "العاب الفيديو تضغط على الدماغ وتجعلك تفكر".
لقد غيّر محمد بن سلمان البلاد بسرعة فائقة وبشيء من القوة الصارمة، وتكتب هاوس بشأن ذلك قائلة: "السعودية اليوم لا يمكن التعرف عليها مقارنة بعام 2016"، وتشير إلى أنه حتى وقت قريب، كانت الشرطة الدينية ذات اللحى السوداء، والتي كانت تجوب الشوارع تفرض مظاهر الورع العام على حساب الخصوصية الشخصية، لكنها قد اختفت من المشهد الان وظهرت في مكانها مباريات الملاكمة، والحدائق الترفيهية، والمهرجانات الموسيقية، وكل هذا كان نتيجة لانقلاب جِيلي هندسه رجل واحد.
لقد تحرك محمد بن سلمان بسرعة وحسم لتوطيد سلطته منذ أن أصبح والده ملكًا عام 2015، وتسخر هاوس قائلة: "على عكس الله، الذي خلق العالم في ستة أيام واستراح في اليوم السابع، فإن هذا الأمير لا يتوقف عن الحركة طوال الأيام السبعة!!"،
ففي يوم جنازة الملك عبد الله نفسه، جمع الأمير — الذي لم يكن يحمل أي لقب رسمي حينها وكان عمره 29 عامًا — مستشاريه لإعادة هيكلة الحكومة السعودية، وقال لهم: "خذوا وقتكم… لكن قرروا الليلة".
وتمكن MBS خلال الأشهر الـ 18 التالية، من ازاحة ابن عمه الأكبر محمد بن نايف ليصبح وليًا للعهد، ثم شن ما لا يمكن وصفه إلا بتطهير ملكي حيث تحول فندق الريتز كارلتون في الرياض، الذي يُعد عادة فندقًا فخمًا من فئة خمس نجوم، إلى سجن مذهّب بأمر من MBS في نوفمبر 2017، وتكتب هاوس: "لم تكن قضية الريتز كارلتون مجرد صراع سلطوي بين أفراد العائلة، فقد تم اعتقال ما يقارب 400 أمير ووزير ورجل أعمال، ووجهت لهم تهم بالفساد، وقيل إن أحدهم دفع مليار دولار لتسوية القضية".
وسُلطت الاضواء على مدى سلطة MBS واستعداده لاستخدامها في أكتوبر 2018، عندما قُتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وبينما نفى MBS تورطه في الجريمة، كتبت هاوس: "يعتقد كثير من السعوديين، ومعظم الغرب بالتأكيد، أن سيطرته شبه الكاملة على المملكة تعني أن أحدًا لم يكن ليجرؤ على ارتكاب مثل هذه الجريمة الوحشية دون علمه"، وقد لخصت شابة سعودية الأمر ببساطة: "نحن نعلم أنه متورط في قضية خاشقجي، لكن لا نريد التفكير في ذلك لأنه أنجز أشياء جيدة كثيرة".
لكن محمد بن سلمان ليس مجرد مطرقة ثقيلة، فقد نشأ في بيئة دينية صارمة ومقيدة، ويبدو الآن عازمًا على إصلاحها، وتكتب هاوس: "تخرج النساء الشابات والمسنات ليلاً في هذه الأيام في مجموعات إلى مطاعم راقية… دون وصي ذكر في الأفق. إنهن حرات — حتى في مغادرة المملكة دون قريب ذكر".
ويبدو التحول امرًا شخصيًا بالنسبة له، فقد نشأ في بيئة خالية من الترفيه تقريبًا، وتكتب هاوس: "الأفلام والموسيقى كانت ممنوعة… وكان التلفزيون السعودي يعرض رجال دين عبوسين بلحى طويلة يتلون القرآن"، ومع ذلك، لم يكن طفلًا مميزًا، فعلى الرغم من كونه ابن الملك سلمان، يقول MBS إنه لم يكن المفضل لدى والده، فقد كانت مخصصاته الأسبوعية ألفي ريال سعودي (حوالي 500 دولار)، في حين كان أبناء عمومته يتلقون عشرة أضعاف هذا المبلغ، وكان والده يقضي عطلاته مع زوجته الأولى في ماربيا، بينما كانت أسرة MBS تقيم في فندق في برشلونة، وتقول هاوس إن جمال خاشقجي تساءل ذات مرة: "لا بد أن الأمر كان صعبًا على محمد بن سلمان لكي يحظى باهتمام والده".
ويرى MBS نفسه بوضوح كمصلح جذري، وقال لهاوس: "إذا لم تتميز، فكأنك لم تكن"، وعندما سُئل لماذا يستعجل، أجاب: "لقد أضعنا الكثير من الفرص في الماضي"، ومن تلك الفرص — برأيه — فرصة التحرر من الاعتماد على النفط، ورؤيته 2030 طموحة جدًا، وتتضمن سياحة جديدة، ورياضة، ولوجستيات، ومدنا ذكية مدفوعة بالذكاء الاصطناعي مثل "نيوم"، بشواطئ مضيئة ليلًا وقمر صناعي يضيء السماء ليلاً. ومع ذلك، لا يُسمح بالمعارضة في المملكة، وتكتب هاوس: "تم سجن المئات من السعوديين، كثير منهم بتهم غير دقيقة، لكن في الأساس لأنهم أغضبوا محمد بن سلمان بطريقة أو بأخرى"، ومع هذا القمع، تبدو الإصلاحات شديدة الشعبية بين شباب السعودية.
وتكتب هاوس: "يدعم معظم الشباب السعوديين محمد بن سلمان بحماس… لقد نشأوا في السعودية حيث كانت المتعة كلمة قذرة… وبفضل الإنترنت، رأى هؤلاء الشباب كيف يعيش أقرانهم في العالم — وأرادوا أن يعيشوا مثلهم"، وهنا تكمن خصوصية وغموض شخصية محمد بن سلمان، فهو مصلح يعيد بناء مملكته من الصفر، وحاكم يركز السلطة بفعالية لا تعرف الرحمة، وتكتب هاوس عنه: "هو المسؤول عن كل شيء في المملكة، من السياسة إلى الترفيه… ولا شيء يبدو صغيرًا بما يكفي ليفلت من انتباهه".
----------------------
نيويورك بوست