07 - 07 - 2025

نص ثم رابط تيليجرام ثم عرض مالي: كيف سعت إيران لتجنيد جواسيس في إسرائيل

نص ثم رابط تيليجرام ثم عرض مالي: كيف سعت إيران لتجنيد جواسيس في إسرائيل

تشير وثائق المحكمة إلى أنه طُلب من الإسرائيليين تنفيذ مهام كانت متواضعة في البداية ولكنها تصاعدت بسرعة.

قبل أن تشن إسرائيل حربها على إيران الشهر الماضي، كشفت أجهزة الأمن الإسرائيلية عن شبكة واسعة من مواطنيها يتجسسون لصالح طهران، على نطاق فاجأ البلاد.

منذ أول هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل في أبريل 2024، وجهت اتهامات لأكثر من 30 إسرائيليًّا بالتعاون مع المخابرات الإيرانية.

في كثير من الحالات، بدأت الاتصالات برسائل مجهولة المصدر تعرض مبالغ مالية مقابل معلومات أو مهامٍ صغيرة. ثم تزايدت المبالغ المدفوعة تماشيًا مع مطالب أكثر خطورة.

وبناءً على وثائق المحكمة، فإن الزيادة في جهود التجسس الإيرانية على مدى العام الماضي لم تحقق الكثير، حيث كانت أقل من تطلعات طهران في تنفيذ عمليات اغتيال رفيعة المستوى لمسؤولين إسرائيليين.

ولكن كان العديد من الإسرائيليين مستعدين لتنفيذ مهامٍ متواضعة، لدرجة أن حملة التجسس ربما كانت ناجحة كوسيلة لجمع البيانات الجماعية حول المواقع المهمة استراتيجيًّا والتي ستصبح في وقت لاحق أهدافًا للصواريخ الباليستية الإيرانية.

وفي الوقت نفسه، تجسست إسرائيل على إيران بشكل مدمر؛ مما سمح للموساد بتحديد مكان واغتيال عدد كبير من القيادة العليا الإيرانية وعلمائها النوويين، في لحظة واحدة في الساعات الأولى من صباح الجمعة 13 يونيو، من بين العديد من الأهداف الأخرى.

منذ بدء الحرب، اعتقل النظام الإيراني أكثر من 700 شخص بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، وفقًا لوكالة أنباء فارس. لكن المحاكمات كانت سرية، وأدت في ست حالات على الأقل إلى إعدامات بإجراءات موجزة، مما يجعل من المستحيل الحكم على مدى واقعية الشبكة المزعومة ومدى كونها مجرد هستيريا رسمية.

على النقيض من ذلك، في قضية الإسرائيليين المتهمين بالتجسس لصالح إيران، قدّم الادعاء لوائح اتهام مفصلة. ورغم عدم صدور إدانة واحدة حتى الآن في موجة الاعتقالات الأخيرة، مما يترك المجال لتقييم الذنب الفردي، فقد برزت صورة واضحة من وثائق المحكمة عن كيفية سعي إيران لتوسيع شبكة العملاء المحتملين.

كانت تبدأ عادةً برسالة نصية من مُرسِل مجهول. إحدى هذه الرسائل من "وكالة أنباء"، سألت: "هل لديك أي معلومات عن الحرب؟ نحن مستعدون لتصديقها". رسالة أخرى أرسلتها "طهران القدس" إلى مواطن فلسطيني إسرائيلي، كانت أكثر صراحةً، قائلةً: "القدس الحرة توحد المسلمين. أرسل لنا معلومات عن الحرب".

تضمنت الرسالة رابطًا لتطبيق تيليجرام، حيث يبدأ حوار جديد، أحيانًا مع شخص يستخدم اسمًا إسرائيليًّا، يعرض عليه مبلغًا من المال مقابل مهامٍ تبدو بسيطة. إذا أبدى المتلقي اهتمامًا، يُنصح من قِبل جهات اتصاله السرية الجديدة بإنشاء حساب على باي بال وتطبيق لاستقبال الأموال بالعملات المشفرة.

في حالة أحد المشتبه بهم الذين أُلقي القبض عليهم في 29 سبتمبر/ أيلول، كانت المهمة الأولى هي الذهاب إلى حديقة والتحقق من وجود كيس أسود مدفون في مكان معين، مقابل مبلغ يقارب 1000 دولار أمريكي (730 جنيهًا إسترلينيًّا). لم يكن هناك كيس، فأرسل المجند مقطع فيديو لإثبات ذلك.

وفي وقت لاحق، تم تكليفه بمهامٍ أخرى شملت توزيع المنشورات، وتعليق الملصقات أو رش الكتابات على الجدران، ومعظمها بشعارات مسيئة لبنيامين نتنياهو، مثل: "نحن جميعًا معًا ضد بيبي" (لقب نتنياهو) أو "بيبي جلب حزب الله إلى هنا" أو "بيبي = هتلر".

المرحلة التالية كانت التقاط الصور. استُعين بإسرائيلي من أصل أذربيجاني لتصوير منشآت حساسة في أنحاء البلاد، ويبدو أنه حوّل هذا العمل إلى مشروع عائلي، إذ طلب من أقاربه تصوير منشآت ميناء حيفا (التي ستُقصف لاحقًا بصواريخ إيرانية في حرب الأيام الاثني عشر التي اندلعت هذا الشهر)، وقاعدة نيفاتيم الجوية في النقب (التي قُصفت بوابل من الصواريخ في أكتوبر)، بالإضافة إلى بطاريات القبة الحديدية للدفاع الصاروخي في أنحاء البلاد، ومقر الاستخبارات العسكرية "غليلوت" شمال تل أبيب.

طُلب من المجند نفسه الذي ذهب للبحث عن الحقيبة السوداء، تصوير منزل عالم نووي يعمل في معهد وايزمان. كان المركز العلمي الرائد في إسرائيل محط اهتمام إيراني كبير. على مدار الخمسة عشر عامًا التي سبقت الحرب هذا الشهر، قُتل خمسة علماء نوويين إيرانيين، على الأرجح على يد الموساد. في صراع طويل حول ما إذا كانت إسرائيل ستحافظ على احتكارها للأسلحة النووية في الشرق الأوسط، أرادت طهران الرد.

ضربت إيران معهد وايزمان بصواريخ باليستية خلال حرب الأيام الاثني عشر، ويبدو على الأرجح أن الصور التي التقطها عملاؤها ساهمت في تحديد الهدف. مع ذلك، باءت محاولة اغتيال علمائها بالفشل. في الواقع، لا يبدو أن وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية ولا الحرس الثوري الإيراني قد نجحا في اغتيال أيٍّ من أهدافهما خلال حرب الظلال الطويلة.

بينما اعتمد الموساد على تسلل كادر من العملاء ذوي التدريب العالي إلى إيران، اتّبعت المخابرات الإيرانية نهجًا لاختبار مدى استعداد مجنديها الجدد للمضي قدمًا. ونقل يوسي ميلمان، خبير الاستخبارات الإسرائيلي، عن مسؤول في جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) وصفه له بأنه "نهج عشوائي، يسعى إلى تطوير عدد قليل من المجندين ذوي الكفاءة العالية من خلال استثمارات منخفضة المخاطر في العديد من الآخرين".

بعد أن نفذوا مهامًا بسيطة كتعليق الملصقات والتقاط الصور، طُلب من المجندين بذل المزيد من الجهد مقابل أجر أكبر. بعد أن صوّر منزل عالم نووي من معهد وايزمان، عُرض على أحد المجندين 60 ألف دولار لقتل العالم وعائلته وإحراق منزلهم.


وفقًا للائحة الاتهام، وافق العميل وشرع في توظيف أربعة من أفراد الشرطة المحليين، جميعهم مواطنون فلسطينيون إسرائيليون. في ليلة 15 سبتمبر، وصلت فرقة الاغتيال هذه إلى بوابة معهد وايزمان، لكنهم لم يتجاوزوا حارس الأمن وانطلقوا بسيارتهم بخنوع.

في اليوم التالي لتلك الكارثة، طلب المسؤولون الإيرانيون من المجند العودة إلى وايزمان والتقاط المزيد من الصور. وبفضل كونه يهوديًّا إسرائيليًّا يصل في وضح النهار، تمكن من تجاوز حراس الأمن وتصوير سيارة العالم. دُفع له 709 دولارات، وسُئل إن كان سيُثبّت جهاز تحديد المواقع جي بي سي بالسيارة. 

هذا نمطٌ يتكرر مرارًا وتكرارًا في لوائح الاتهام. ورغم أن المُجنِّدين الإيرانيين أثبتوا كفاءتهم في العثور على العديد من الإسرائيليين المستعدين لالتقاط الصور وتوزيع المنشورات مقابل أموال إيرانية، إلا أن المُوَجِّهين في طهران يبدو أنهم كانوا في عجلة من أمرهم لتنمية عملاء دائمين.

سُئل العديد منهم فجأةً، بعد أيام قليلة فقط من إتمام مهامهم الأولى، عما إذا كانوا سيحاولون اغتيال مسؤولين كبار. طُلب من المجموعة الأذربيجانية العثور على قاتل محترف، لكنهم رفضوا. سُئل المجند نفسه، الذي رفض وضع جهاز تتبع جي بي إس على سيارة عالم، بعد أيام عما إذا كان يفكر في إلقاء قنبلة حارقة على سيارة نتنياهو.

ولم تتم حتى الآن إدانة سوى واحد من المشتبه بهم وسجنه، بعد اعترافه بالتهم الموجهة إليه.

طلب بملايين الدولارات

عندما اتصلت الاستخبارات الإيرانية بمردخاي "موتي" مامان، 72 عاما، في ربيع العام الماضي، كان متزوجًا مؤخرًا من امرأة بيلاروسية أصغر سنًّا بكثير، وكان في حاجة إلى أموال بعد فشل العديد من المشاريع التجارية.

كان مامان قد أمضى سنوات في سامانداغ، جنوب تركيا، وفي أبريل/ نيسان اتصل بشقيقين من رجال الأعمال يعرفهما هناك ليرى إن كان لديهما أي أفكار لكسب المال. قال الشقيقان إن لديهما شراكة تجارية مربحة مع أحد معارفه الإيرانيين، إيدي، الذي يستورد الفواكه المجففة والتوابل، واقترحا على مامان مقابلته.

في أبريل، سافر مامان جوًّا إلى سامانداغ عبر قبرص، لكن إيدي أرسل زميلين له بدلًا منه، مدعيًا أنه لم يتمكن من مغادرة إيران لأسباب بيروقراطية. في الشهر التالي، دُعي الإسرائيلي للعودة إلى تركيا، إلى بلدة يوكسيكوفا في أقصى الجنوب الشرقي، حيث أقام في غرفة فندقية على حساب إيدي.

مرة أخرى، قال إيدي إنه لم يتمكن من العبور إلى تركيا، لكنه أخبر مامان بوجود طريقة لتهريب الإسرائيلي إلى إيران. وافق، وفي 5 مايو، عبر الحدود مختبئًا في شاحنة.

التقى إدي ومسؤول إيراني آخر بمامان في فندق فاخر داخل إيران، وعرضا عليه آلاف الدولارات لثلاث مهام. كان عليه ترك أموال أو أسلحة في أماكن محددة في إسرائيل، والتقاط صور للأماكن المزدحمة، ونقل تهديدات إلى عملاء آخرين، وتحديدًا فلسطينيين إسرائيليين، ممن "تلقوا أموالًا من إيران لتنفيذ مهام عدائية، لكنهم لم ينفذوا مهامهم فعليًّا".

قال مامان إنه سيفكر في الأمر، فتم تهريبه إلى تركيا. وعند عودته إلى يوكسيكوفا، سُلِّمَ مبلغ 1300 دولار نقدًا كدفعة جزئية لتكاليف الرحلة.

في أغسطس عاد مامان إلى تركيا، وهُرِّب مرة أخرى عبر الحدود للقاء إيدي وشريكه. هذه المرة، كانت المهام أكثر صعوبة. عرض الإيرانيون 150 ألف دولار لمن يقتل نتنياهو، أو رونين بار، رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، أو يوآف غالانت، وزير الدفاع آنذاك.

وفقًا للادعاء، ادّعى مامان أن لديه صلات بعصابات إجرامية قد تُمكّنه من إنجاز المهمة، لكنه طلب مليون دولار. كان هذا المبلغ باهظًا جدًّا بالنسبة للإيرانيين الذين اقترحوا هدفًا أقل أهمية، وهو رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، مقابل 400 ألف دولار. زُعم أن مامان تمسّك بمطلبه البالغ مليون دولار، وانتهت المحادثات دون اتفاق.

وقد حصل على مبلغ 5000 دولار أمريكي وعاد بالطائرة إلى قبرص، ثم في 29 أغسطس/ آب، اتجه إلى تل أبيب، حيث كان ضباط الشاباك في انتظاره.

في 29 أبريل، حُكم على مامان بالسجن عشر سنوات بعد إقراره بالذنب في تهمتي الاتصال بعميل أجنبي والدخول غير المصرح به إلى دولة معادية. ووصف محاميه، إيال بيسرغليك، الحكم بأنه مُبالغ فيه، وقد استأنفه.

قال بيسرجليك إن مامان اعتقد حتى اللحظة الأخيرة أن إيدي ليس سوى رجل أعمال إيراني يتاجر بالزبيب والتوابل، وأنه لم يكن يعلم أثناء تهريبه على متن شاحنة أنه يُنقل إلى إيران. وينفي مامان طلبه مليون دولار، مجادلًا بأن موكله اضطر في النهاية إلى الموافقة على المخططات الإيرانية؛ خوفًا من أن يؤدي رفضه المفاجئ إلى قتله.

"ما كان ليكون الوضع أفضل؟ لو اختُطف في شاحنة أم ربما قُتل؟" صرّح بيسيرجليك لصحيفة الجارديان. وأضاف أن مامان تعرّض للضرب في السجن واحتُجز في زنزانة قذرة، جدرانها ملطخة بالبراز.

قال المحامي: "الخطأ الذي ارتكبه جسيم. لكن لا ينبغي أن يُقتل بسبب هذا الخطأ، لأنه في النهاية لن يكون هناك من يعاقبه".

للاطلاع على الموضوع بالإنجليزية يرجى الضغط هنا