06 - 07 - 2025

حرب غزة (2023-2025) واليهود والهنود

حرب غزة (2023-2025) واليهود والهنود

أخبرني زميل لي يعيش في البرتغال وهو من المهتمين بشؤون المهاجرين أن 60% ممن حصلوا على الجنسية البرتغالية بشكل فوري مباشرة بعد اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023 هم من أحفاد اليهود السفارديم (يهود الأندلس) الذين طردوا من البرتغال وإسبانيا مع المسلمين في عام 1492 في أعقاب سقوط غرناطة، وقد انتهى بهم المطاف بالاستقرار في فلسطين بعد قضاء سنوات طويلة من الشتات في دول عربية وغير عربية ولكنهم هرولوا إلى البرتغال في أعقاب دخول قوات المقاومة الفلسطينية إلى مستوطنات غلاف غزة التي كانت آمنة منذ نشأة دولة إسرائيل في عام 1948، حيث جاء هؤلاء للاستيطان بعدما وعدتهم حكومة الكيان بتحقيق حلم الأمن وحلم الرخاء.  وأخبرني الزميل كذلك أن40% من المتقدمين بطلبات للحصول على الجنسية البرتغالية في عامي 2024و2025 هم من اليهود في فلسطين المحتلة. 

 ولأن إجراءات الحصول على الجنسية في البرتغال سهلة ولا تتطلب العديد من المستندات مثل البلدان الأخرى فقد تقاطرت أعداد هائلة من اليهود للحصول عليها، خاصة بعد صدور قرار منح الجنسية لأحفاد اليهود السفارديم مما جعل حكومة البرتغال تعيد النظر حاليا في شروط منح الجنسية، وتم تحويل هذه المسألة للمحاكم التي أوقفت منح الجنسية في الوقت الراهن بعدما مُنحت لأحفاد اليهود السفارديم فقط بقوة قانون حق العودة، وليس لأحفاد المسلمين الذين طردوا مع اليهود من البرتغال في نهاية القرن الخامس عشر. وتنظر حكومة البرتغال حاليا في تمديد مدة الحصول على الجنسية لفترة 7 سنوات بعد الإقامة الدائمة في البلاد وذلك للمهاجرين القادمين من البلدان التي كانت مستعمرات برتغالية، و10 سنوات بعد الإقامة الدائمة في البرتغال لبقية المهاجرين من كافة أرجاء العالم ومعظمهم من آسيا خاصة من الهند وباكستان وبنجلاديش وبعض الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، علاوة على القادمين الجدد من الأراضي المحتلة والذين تسببوا في الأصل في إعادة النظر في قوانين الهجرة بسبب الأعداد الكبيرة التي قدمت طلبات للحصول على الجنسية البرتغالية (40% من إجمالي المتقدمين) . 

 حاليا تسبب منح الجنسية بشكل فوري لأحفاد اليهود السفارديم في حالة من الإحباط للمهاجرين من آسيًا وعددهم يربو على 2 مليون مهاجر ومعظمهم من الهنود، وقد تقدم هؤلاء بطلبات للحصول على الجنسية بعد مرور 5 سنوات من الحصول على الإقامة وهي المدة اللازمة للحصول على الجنسية البرتغالية، ولكن تغيير قوانين الهجرة سوف يؤخر حصولهم على الجنسية. ومن الجدير بالذكر أن الحصول على الإقامة الدائمة ومن ثم الجنسية في البرتغال كان في الماضي أمراً يسيراً لأن الحصول على الإقامة سواء بغرض الدراسة أو العمل كان يؤدي للحصول على الجنسية مباشرة مع شروط ميسرة جدا ومنها القدرة على التفاهم باللغة البرتغالية ، قليل من الذين حصلوا على الإقامة ظلوا في البرتغال وحصلوا على جنسيتها، لكن غالبية الذين حصلوا على الإقامة في البرتغال انتقلوا مباشرة للعمل في دول أخرى من بلاد الاتحاد الأوروبي، وبذلك كانت البرتغال مجرد ممر للولوج إلى دول أوروبية أكثر ثراءً، ومن ناحية أخرى فإن ثمة فئة ثالثة من الذين كانوا يرغبون في الحصول على جنسية دولة تابعة للاتحاد الاوروبي ولا يستهدفون من وراء ذلك الإقامة أو العمل في أوروبا، وكان هؤلاء يحصلون على الجنسية البرتغالية من خلال دفع الرشاوي إلى الفاسدين أو بطرق أخرى ملتوية وغالبية هؤلاء من الهنود. وقد أثارت واقعة العثور على جواز سفر وجثة رجل أعمال برتغالي من أصول هندية بين حطام الطائرة الهندية المتجهة لمطار جاتويك في لندن، والتي تحطمت بجوار مطار مدينة أحمد آباد في ولاية غوجارات في  12 يونيه 2025 جدلا واسع النطاق في البرتغال. فبعد البحث في سجلات المهاجرين تبين أن رجل الأعمال القتيل قد حصل على الجنسية البرتغالية وهو خارج الدولة، وتبين كذلك أن الرجل لم يدخل البرتغال نهائيا. 

وفي الحقيقة فإن فئة من أثرياء الهنود وليس جميعهم هم ملوك التزوير والتلاعب بالأوراق في العالم، وإذا دخلوا بلدا أفسدوها ودمروها وهم بارعون في تكوين اللوبيات وجماعات الضغط التجاري التي تحتكر الأسواق، وهم منتشرون كالسرطان في دول المهجر مثل كندا واستراليا ونيوزيلندا حيث يمارسون كل أنواع الحيل والنصب واللف والدوران والتلاعب بالقوانين من أجل جمع المال دون تأنيب الضمير، فهم لا يعبدون الفئران والأفاعي والأفيال والأبقار والسحالي فقط، بل يعبدون المال قبل حيواناتهم المقدسة. وفي كندا تحول الهنود إلى مافيا متعددة الأذرع حيث خربوا سوق العقارات تماماً ودمروا الاقتصاد وسرقوا السيارات ثم هربوها لأمريكا عبر المنافذ البرية، وحرموا الكنديين من فرص العمل بسبب تآمرهم على البلاد والتستر على المهاجرين غير الشرعيين واستغلال قانون الهجرة الكندي الفضفاض وإدخال ملايين الطلبة من الهند بهدف الدراسة ولكنهم جاؤوا بهدف العمل والاستيلاء على الوظائف في مقابل أجور متدنية. 

وفي سياق متصل فعندما كنت في زيارة إلى البرتغال في عام 2023 وجدت أن الجاليات الهندية تسيطر على عدد من أحياء لشبونة عاصمة البلاد، لدرجة أن ثمة أحياء كاملة بعضها يسكنها الهنود الهندوس وهم الأغلبية، وأحياء أخرى يسكنها الهنود المسلمون، وثالثة للهنود السيخ، ورابعة للهنود من أقلية التاميل. لذلك أتوقع مع نهاية القرن الحادي والعشرين أن الدول التي تستقبل المهاجرين سوف تواجه غزوًا ديموغرافيا هنديا حيث ستجتاح الجاليات الهندية المهاجرة هذه الدول وتسيطر عليها اقتصاديا وتجاريا وتحتكر الوظائف، وسوف ينعكس ذلك على السكان المحليين لان الهنود بالذات إذا سافروا إلى بلد لا يرجعون نهائيا لبلدهم الاصلي، ولذلك تجد جاليات هندية متمركزة في العديد من البلاد التي تستقبل المهاجرين منذ أربعينيات القرن المنصرم - جيلا وراء جيل - لا يبرحون هذه البلاد على الإطلاق من أجل جمع المزيد من الأموال. 

في هذا السياق لا أتحدث عن جميع الهنود فأنا أكره التعميم، لأن من الهنود رجال أعمال محترمون ومستثمرون ناجحون ساهموا في تنمية اقتصاديات الدول التي يقيمون فيها، ومنهم الطبقات العاملة الكادحة التي تقدم الخدمات الجليلة في مقابل مادي منخفض وهؤلاء لا يمكن الاستغناء عنهم، ولكني أقصد فئة محددة من الفاسدين والمتطفلين والانتهازيين الذين يمارسون كل أنواع التزوير والاحتكار دون مبالاة بقوانين الدول التي استضافتهم على أراضيها. فقد رأيت هؤلاء بأعداد كبيرة في الآونة الأخيرة في كندا حيث يسيطر الهنود السيخ مثلا على مطار تورونتو، ويسيطر بقية الهنود على سوق العقارات في مقاطعة أونتاريو إلخ. ورأيتهم كذلك في البرتغال وبريطانيا واستراليا ونيوزيلندا وهي دولة منعزلة بعيدا عن بقية العالم، وعندما زرت بعض مناطقها شعرت بأنني في حي من أحياء حيدر آباد التي عملت فيها ردحاً من الزمن في المركز الأمريكي الهندي للدراسات والبحوث. 

 طابت أوقاتكم. 
----------------------------
بقلم: د. صديق جوهر

مقالات اخرى للكاتب

حرب غزة (2023-2025) واليهود والهنود