صدر للدكتور محمد فتحي فرج، كتاب "من تراث العقاد في مجلة الرسالة"، في جزءين، عن الهيئة العامة للكتاب.
يقول الدكتور محمد فتحي فرج في مقدمته: من يستعرض النشاط الأدبي والفكري للأستاذ عباس محمود العقاد (1889 ـ 1964) يعجب لهذا الكم الهائل من المقالات والكتب والبحوث والقصائد والدواوين الشعرية التي تركها لنا هذا المفكر والأديب العملاق ـ كما كانوا يصفونه في عصره.
وهناك عدد كبير من الفصول التي شارك بها آخرين في كتب كثيرة. كما أن ثمة مجموعة لا بأس بها من مقدمات الكتب والدواوين الشعرية، وضعها العقاد لكتاب وشعراء آخرين ومنهم جماعة الديوان. أما الأحاديث الصحفية التي كتبها، أو أدلى بها إلى المحررين والكتاب في الصحف والمجلات المختلفة داخل وخارج البلاد، فتمثل ثروة هائلة، وقد جمع معظمها بعض الباحثين في كتب مستقلة.
أما مقالاته الأدبية والسياسية فهي صورة صادقة للحراك الأدبي والسياسي والاجتماعي في مصر بطول الفترة التي سُجِّلت فيها، وكان يكتبها ـ رحمه الله ـ بوحي من قريحته الحاضرة بسرعة هائلة، ردًا على ما يدور من أحداث ومواقف وظروف ومستجدات؛ ولذا ستجد فيها نبرة الصدق والتلقائية، ومع هذا فقد بقيت وستبقى ما بقيت العربية مقروءة في أيِّ مكان.
واللافت للنظر أنها تمثل كمًّا هائلا؛ إذ بلغت عددًا كبيرا لا نظن أن أحدا من مُجايليه قد وصل إلى نصف هذا العدد من المقالات والبحوث، وهناك مَنْ تتبعها ورَصَدها فوصلت في تقديره إلى أكثر من ستة آلاف (6000) فصل أو مقال أدبي وسياسي واجتماعي أو على هيئة حديثٍ صحفيّ، عدا أحاديثه الإذاعية في الإذاعات المختلفة داخل مصر وخارجها؛ بَيْدَ أننا نعتقد بأن هناك مِن الدوريات والمجلات التي كتب فيها العقاد لم تصل إليها بعدُ أيادي الباحثين في أدبه، والببليوجرافيين المتتبعين له؛ لعوامل ربما تكون خارجة عن إرادتهم، وليس تقصيرا منهم.
ويوضح المؤلف : ظهرت مجلة الرسالة لصاحبها ورئيس تحريرها الأديب الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات (1885 ـ 1968) في يوم الأحد الموافق للثامن عشر من رمضان 1351 هـ / 15 من يناير سنة 1933، فأحدث ظهورها دَوِيّا هائلا في الأوساط الأدبية والثقافية بطول الوطن العربي وعرضه، وظلت المجلة تؤدي رسالتها حتى احتجبت عقب صدور عددها الأخير رقم 1025 في يوم الإثنين الموافق للسادس من جمادى الآخرة للعام 1372هـ ، الموافق لـ 23 من فبراير سنة 1953م؛ وعلى هذا فقد ظلت تصدر بانتظام طيلة 21عاما.
وقد استقطبت هذه المجلة الثقافية الرفيعة المستوى كثيرا من الكتاب وأعلام الفكر والأدب والشعر في تلك الفترة، وفي طليعتهم الأستاذ العقاد ـ بطبيعة الحال ـ الذي أنقدها بعض القروش الفكرية في عددها الثاني الصادر في أول فبراير سنة 1933، وهو أول مقال نشره فيها، وهو عبارة عن مجموعة من التعريفات والخواطر والأفكار المركزة التي تشبه ما كتبه العقاد في باكورة حياته الأدبية، وضمَّنه كتابه الأول "خلاصة اليومية والشذور"، كما تشبه أيضا ـ وبدرجة أكبر ـ تلك الكلمات القصيرة أو الموجزة التي تركها لنا العقاد في أخريات ولم تُنشر في حياته، فجمعها عقب وفاته ابن أخيه عامر العقاد ونشرها تحت عنوان "آخر كلمات العقاد".
ثم انقطع العقاد عن الكتابة في "مجلة الرسالة" إلى أن بدأ يكتب فيها بشكل شبه منتظم تقريبا منذ عام 1937 إلى أن تصدرت مقالاته المجلة ليفتتح بها الزيات "رسالته"؛ لأهميتها، وإقبال جماهير قراء الوطن العربى عليها.
ويشغل الجزء الأول أكثر من 300 صفحة من القطع الكبير وينتظم به 51 فصلا أو مقالة من مقالاته بالرسالة، بخلاف المقدمة، ونظرة عامة في فصول الجزء الأول، ومسحا ببليوجرافيا لتراث العقاد بمجلة الرسالة التي كتبها محقق الكتاب الدكتور محمد فتحي فرج، واستغرق كل هذا 47 صفحة.
أما الجزء الثاني فقد شغل قرابة الـ 300 صفحة، وقد انتظم في هذا الجزء 53 فصلا أو مقالة من مقالاته بالرسالة بخلاف مقدمة الكتاب.
ومقالات العقاد التي نشرها في "مجلة الرسالة" مما لم يرد في هذا الكتاب بجزءيه الأول والثاني، قد أعاد نشر بعضها بنفسه في كتبه التي أخرجها لنا في حياته. أما المقالات المتبقية والتي لم ينشرها في كتاب في حياته فقد تولى بعض أقاربه (كابن أخيه عامر العقاد) أو بعض تلاميذه (الحساني حسن عبد الله) نشر بعضها. كما تولت بعض دور النشر (كدار الهلال أو دار الجيل بلبنان، أو الهيئة العامة للكتاب بمصر وبيروت) جمع بعض هذه المقالات ونشرها تحت عناوين مختلفة حفظا لتراثه الخصب. وما تبقى من كل هذا من مقالات هو موضوع هذين الجزءين.