03 - 07 - 2025

خديعة النصح (3) المشهد ليس جديدًا

خديعة النصح (3) المشهد ليس جديدًا

شخص يتغيّر فجأة. يترك عادة سيئة، أو يبدأ حياة صحية، أو يعتذر لمن أخطأ في حقه. تُبهرنا صورته الجديدة… ثم، بعد شهور، وربما أيام، يعود لنفس النقطة التي بدأ منها.

فنتساءل: هل كان التغيّر حقيقيًا؟ أم مجرّد لحظة انفعال؟ هل فعلاً تغيّرت "عقليته"؟ أم فقط تغيّر "سلوكه"؟

في هذا الجزء من "خديعة النصح"، نغوص في قلب هذا السؤال… الذي لا يخص الفرد وحده، بل يخص مصير أمم ومجتمعات.

المشهد الأول: العقلية vs السلوك – من أين نبدأ؟

لعل البداية تكون من هذا الفصل المربك: في علم النفس السلوكي، يُفرّق بين:

السلوك: ما يظهر منك

العقلية: ما يحركك من الداخل

تستطيع أن تُقنع شخصًا بأن يتوقف عن عادة سيئة… بتخويفه أو تحفيزه. لكنه قد يعود لاحقًا، إن لم تتغير "رؤيته" لتلك العادة.

كارول دويك، الباحثة في علم النفس التربوي، وضعت مفهوما عميقًا:

> Fixed Mindset vs Growth Mindset

العقلية الثابتة ترى أن صفات الإنسان لا تتغيّر. العقلية النامية ترى أن التغيير ممكن بالتعلّم والإصرار.

لكن… هل يكفي أن نعتقد أننا نستطيع التغيير؟ أم أن الرغبة شيء، والتحوّل شيء آخر؟

المشهد الثاني: سلوك بلا جذور

تأمّل هذا المشهد:

في ثلاثينات القرن العشرين، أجرى بافلوف تجاربه الشهيرة على الكلاب. دربها على ربط صوت الجرس بالطعام. فتغيّر سلوكها. لكن… بمجرّر زوال الرابط، زال السلوك.

فهل نحن – كبشر – نُدرّب؟ أم نُغيّر؟

العالم النفسي ألبرت إليس قال:

 "المشكلة ليست في الحدث، بل في تفسيرك له."

بمعنى: تغيير السلوك لا يكفي… لا بد من إعادة برمجة التفسير الداخلي.

المشهد الثالث: حين يغيّر الإنسان وجهته، لا خطواته

ولننظر إلى مشهد آخر… من السنة النبوية:

في الحديث النبوي: "قَتلَ رجلٌ تسعةً وتسعينَ نفسًا، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض… فتاب، ومات وهو في طريقه إلى التوبة، فغفر الله له."

التحوّل لم يكن في السلوك فقط، بل في الوجهة. لقد خرج من بيئة الإفساد… نحو أرض الصلاح. وهذا، في علم النفس، يُشبه الانتقال من بيئة تُغذّي السلوك، إلى أخرى تُغذّي الفكرة.

المشهد الرابع: الفلاسفة وسؤال: هل يتغير الإنسان فعلًا؟

وفي منعطف فلسفي أعمق… يظهر هذا السؤال القديم المتجدد:

هل يتغير الإنسان فعلاً؟

ديكارت آمن بأن العقل وحده يمكنه قيادة التغيير. لكن جون لوك قال: "العقل صفحة بيضاء تُكتب بتجربة الحياة."

أمّا كانط، فذهب لأبعد من ذلك، واعتبر أن الإنسان يملك قدرة أخلاقية على تجاوز الرغبات، فقط إن امتلك وعيًا بالقيمة.

بمعنى: التغيير لا يأتي من الخارج، بل من الداخل… حين يفهم الإنسان معنى ما يفعل.

المشهد الخامس: الإسلام… والتغيير الجذري

وهنا، نسترجع الأساس الذي لا يخذل:

"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" [الرعد: 11]

القرآن لم يقل: حتى يغيروا أفعالهم… بل أنفسهم.

وتفسير "الأنفس" هنا يتعدى السلوك… ليشمل النية، والاعتقاد، والرؤية.

وفي حديث النبي ﷺ: "ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله…"

القلب، لا الجوارح، هو بوابة التغيير.

الخاتمة: متى يكون التغيير حقيقيًا؟

حين لا تغيّر فقط ما تفعله… بل تغيّر لماذا تفعله. حين لا تهرب من الذنب… بل تفهم لماذا كررته. حين لا تضع القناع… بل تخلعه.

هذا هو الفرق بين ترويض الحيوان… وتحرير الإنسان.

عبارة ختامية:

"التغيير الحقيقي لا يُقاس بما تركت… بل بما أصبحت."
--------------------------
بقلم: محمد عبدالحميد

مقالات اخرى للكاتب