01 - 07 - 2025

هل "تأيرن" المصريون؟!

هل

حين وقعت الحرب الإسرائيلية الإيرانية كان انحياز أكثر المصريين بألسنتهم وأقلامهم وقلوبهم إلى الصف المقاوم، فتعجبت طائفة من إخوتنا العرب لذلك، وأخذوا ينكرون على المصريين موقفهم من الحرب، وشرعوا يذكرون ما كان وما سيكون من سيئات إيران والشيعة والفرس، وخاضوا فى ذلك وأفاضوا، وكأنى بهم على طول العِشرة بيننا لم يعرفوا قلوب المصريين، ولم يخبروا عقولهم!

يا إخوتنا، إن المصرى بالفطرة الطَّبْعية، وبالمناعة المكتسبة ينحاز بقلبه وقلمه ولسانه (إن لم يستطع بيده) إلى من يحارب (الكيان) ولو كان الجن الأزرق، وحين يناصر المصرى من يقاوم (الكيان) فهو أمر يأتيه على البداءة والبداهة لا نحتاج معه إلى طول تروٍّ، ولا إلى كثير تفكر، فالعدو أمامنا منكشف مجاهر ولا يشق علينا تبَيُّنه، ولسنا نحتاج إلى كثير تحاور، ولا إلى طويل تناظر لنمايز بين العدو الحالِّ المباشر بالعداوة، وبين غيره الذى فى أمره تفصيل.

تسألنى: ومِمَّ ذاك؟ فأجيبك: إن كل بيت مصرى لا يزال فيه من هذا (الكيان) أثر سوء، فإما مقاتل خرج من بيته فغاب فى الميدان سنين عددًا، أو مُصاب خرج فرجع بعضُه وفَقَد بعضَه، أو شهيد خرج فلم يرجع، أو فقيد (طمره اليهود فى حفرة أو دعسوه بدبابة) فلم يعرف أهله أحىٌّ هو أم ميت، وبقيت أمهاتهم يمتن حيرة وكمدًا عليهم سنين طوالًا، وآخرون هم أهل مدن القناة الثلاث قد أُخرجوا من ديارهم مُهجَّرين فى حروبنا والإسرائيليين، إن هؤلاء جميعًا ناس من شعب مصر نعرفهم ويعرفوننا بالاسم والوجه، ولقيناهم وجالسناهم، ومن لم نره أو نجالسه فقد روت أمهاتنا أخباره لنا مرارًا حتى وعيناها، ووعينا معها عدونا وعرفناه، وزدنا به علمًا ومعرفة حين أبصرنا إجرامه بإخواننا من حولنا. نعم، وقَّعنا ورقة كامب ديفيد ضرورة واضطرارًا، ولكن قلوبنا لم "تتصهين"، وبوصلتنا لم تجنح إلى الموادعة، وحين وقعت الحرب الإيرانية الإسرائيلية كانت بوصلتنا هى أمننا القومى المصرى وأمن الأمة، فكل صاروخ إيرانى طاش أو أصاب أو أخطأ كنا نراه يحمى أمنًا قوميًّا لمصر والأمة، وكان كل صاروخ منها يقتل فكرة فى رأس العدو كانت تزين له الإجهاز علينا بلدًا من بعد بلد؛ فمن أجل ذلك لم ترَ المصريين يذهبون إلى ما ذهب إليه إخوتهم، فلم نقل كلاهما عدو، ولا نظرنا إلى ما فعلوا من قبل فنشمت ونقول هذه بتلك، ولا فكرنا وقدَّرنا فيما سيفعلون ويأتمرون به فيما هو قابل، فلقد كان عندنا نحن عوام المصريين من العلم (بواجب الوقت) ما ليس عند كثير من الحكماء والفقهاء وأهل الرأى فى بلاد أخرى إخوة لنا!

إن المصرى بحسن فطنته يناصر من يحارب (الكيان) ليس حبًّا لطائفة، ولا موالاة لمذهب، بل لسنا نسأل عن عرق ولا دين ولا مذهب هذا المقاوم، ولا نبالى إن كان هو البادئ أم غيره، ولا نسأل أأخطأ حين بادر أم لم يخطئ، بل نتغافل فى ذلك الحين عما كان له من سابقة سوء، ونعينه ولو بأضعف الإيمان، لماذا؟ لأنه من حيث يريد أو لا يريد يدفع عنى عدوًّا لو فرغ من الإيرانى لتحول نهشًا إلى العراقى والسعودى والمصرى.

إذًا فلم يكن هذا من المصريين تأيرنًا ولا تشيعًا، ولا تنكبًا عن الدين، ولا  تنكرًا للعرب، بل نحن نرى أن من يثخن فى هذا العدو هو يحمى أمننا القومى وأمن الأمة من ورائنا، وإن مقاومته تلك تعيننا على إدراك ثارات قديمة، وتحبط مكرًا مرتقبًا من العدو، فكل ضربة من أى يدٍ أتت فهى تكسر شيئًا فى جسم العدو، فينشغل عنا وعن غيرنا بما ناله من فساد وعطب فيضعف شره وأذاه، وتؤخر عنا وعن غيرنا مكائده ولو إلى حين.

وها قد انقضت موقعة من مواقع الحرب، فكما لم "يتصهين" المصريون بعد كامب ديفيد، فإنى لم أرَ بعد حرب إيران من يتقدم لأخذ الجنسية  الإيرانية، ولا ذهب الناس أفواجًا إلى قم والنجف ليتشيعوا، ولا سمعت بهم فتنوا فى دينهم فتركوا الدعاء خالصًا لله ودعوا بشرًا، ولا بلغنى أن أحدهم ذهب إلى دار المحفوظات ليفاخر الناس بنسب فارسى كان خافيًا، بل لا زلنا على مذهبنا ولساننا ومصريتنا، ولا زلنا ننكر عليهم ما خالفوا وما ابتدعوا، ولا زلنا ننكر حروبهم على إخواننا ببلادنا، فهذا هو المصرى العامى، يعلم واجب الوقت، ويزن الأمور ويراجح بينها بميزان هو أضبط من ميزان الذهب، ويعرف كيف يستنبط النفع مما ظاهره الضر، وأزعم أن من أنكروا علينا نصرتنا إيران وقت حربها للكيان لو أنهم عرفوا العدو حق المعرفة، واطلعوا على ما يبيته لهم لكانوا مثلنا وزيادة، فكلنا عند هذا العدو إيرانيون وإن تكلمنا بغير الفارسية، أو لبسنا دشداشة وشماغًا.
--------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

هل