09 - 06 - 2025

رشقة أفكار | في الأجواء المسمومة : " التحفيل " يمتع الجماهير .. والضربات يسددها ثلاثي رأس الحربة!

 رشقة أفكار | في الأجواء المسمومة :

- تغير الشعار القديم الأثير .. من "تعال إلى حيث النكهة"..  إلى "تعال إلى حيث الحفلة" .. "التحفيل" بالمعني الرائج هذه الأيام !

" النكهة راحت عليها ، والتحفيل" أصبح  متعة ..وربما أسلوب حياة!

يمارسه كثير من الناس  .. لافرق في هذا  بين دولجي و اخوانجي  .. طبيب أو مهندس .. صحفي أو محام .. رئيس حزب أو رئيس نادي .. حتى الوزير .. أو الوزيرين في بعض!

 - باتت هذه هي المتعة عند الجماهير ! كثيرون من مختلف الانتماءات يفكرون في التحفيل ، كأنه دواء يؤخذ قبل وأثناء وبعد الاكل ..

- يبدو وكأن فيه الشفاء من علل و أمراض مختلفة ، على راسها الكبت والقهر وعدم التحقق ، فضلا عن ذلك  الشعور المُذِل  بانعدام  الجدوى والأهمية .

- وحده التحفيل الجيد يمكنه أن  يصنع الفارق ! لذلك فحتي الخاسر الأكبر  يجد المتعة في الانتصار  على غريمه ولو بتحفيل ملفق !

- تخيلوا معي -  أنتم - وأنا  معكم -  يا عديمي الخيال التحفيلي ، وعديمي القدرة على ترويض الجدية الصارمة و انتهاج أسلوب التفاهة ولو قليلا  - أن  " "التحفيل "بات هو الدواء  الشافي من الانهيار  النفسي لكثير من الناس ، الذين يعانون في الحياة ، من كل شيء :  قلة الدخل وكثرة العيال ، وتزايد الهموم  والمعاناة في إيجاد  ثمن الاكل والشرب والعلاج واللبس والمواصلات  الخ

- لو فكر الناس في كل هذه الأشياء  طوال الوقت،  لانفجروا أو  ماتوا ، وهذا بالحتم ليس وفقا لذلك النداءالثوري  في نص صلاح عبد الصبور الرائع ،  وإنما بفعل الانكسارات الموجعة في الحياة !

إنهم  يُحَفِلون  أو يندفعون للتحفيل، وقد يدفعون لذلك  دفعا ، ويستغلونه  بنفس طريقة استغلال  " بص شوف العصفورة"! "

"حبايبنا الحلوين "بتسمية شهيرة للكاتب الكبير صلاح عيسى - يستغلون كل ذلك ويشعلونها اكثر ، بهدف إشغال الناس !

الجميع تقريبا - عدا فئة ضالة وقلة منحرفة أنا  أحد أفرادها طبعا - يعتبر التحفيل  فريضة حياتية .

تأمُلْ  هذا الاسلوب يستدعي فورا للاذهان فلسفة مايسمي ب "نظام التفاهة" لواضعه "  آلان دونو"  الفيلسوف الكندي الشهير ، الذي صاغ هذه الفلسفة ووضعها في كتاب بهذا العنوان .

يصف " دونو "عصرنا الحالي بأنه عصر وصول التافهين  إلى السلطة في جميع مناحي الحياة، في الإقتصاد، والعلوم، والقانون والسياسة .. ويقول إن هؤلاء  يتكاثرون  كالقطط ، وهم  يمعنون في التفاهة ، ويفتقرون إلى الخيال والشغف ، ويتجنبون المخاطرة كليا ، مما يهدد بإصابة العقل البشري بالعُقم من خلال نشر الميل الحاد للفتور الثقافيّ والسياسي. وإجمالا يري دونو أن التفاهة  هي نظامٌ اجتماعيٌ يؤدي إلى تهديد دائم بالسقوط في المنتصف .

التفاهة أحاطت بكثير مما يجري في حياتنا ، وبصفة خاصة  كرة القدم ، بكل مافي أجوائها الآن من سموم فتاكة !

هذه المنظومة في مصر غارقة  كليا في مستنقع التفاهة ، بأكثر من أي مكان آخر .. حتى أننا نخجل إذا تحدثنا عنها في مصر .

في  العالم المتقدم كرة القدم ليست مجرد لعبة وفقط ولكنها علم كامل. ونظام عالمي للعبة ، إدارة FIFA ..  وقواعدها الحاكمة ، والتي تعلو على القوانين الوطنية للدول ، ومنظومة المحاكم الرياضية والجوائز العالمية ،  والمدربون والحكام واللاعبون .. استثمارات ضخمة .. ومبالغ طائلة ، ونجومية طاغية ، حركة كل طرف من أطرافها محسوبة .. إما سمعة محترمة كسمعة اللاعب الأشهر  بيليه ،  أو انهيار مذل كما حدث للرئيس  التاريخي السابق للفيفا جوزيف بلاتر ، على خلفية تهم الفساد التي لاحقته ، وبلاتيني ،  وجاك وارنر المتهم بالرشوة ومحمد بن همام المحظور من تولي المناصب الرياضية مدي الحياة .

عربيا وأفريقيا وآسيويا   لم نر هناك مثل مايحدث في مصر .. لم نر في العالم كله رئيس نادي مثلا يشتم ويسب ويخيف كل الناس ،  ويهدد بفضح خصوصياتهم أو سقطاتهم ، التي يمتلك  "سي دي" منها  كدليل دامغ عليها! .. وليس على أبطال قصصه  وحدهم ، وإنما تشمل  آباءهم المتوفين ، وأمهاتهم ولو كن من  المعاقين ، وشقيقاتهم المتسكعات في الحفلات والسهرات ..  وكل هذا مسجل عنده ، لا يستثني من التهديد به أحد مادام ضايق الرجل  .. من المستشار صاحب مال المعز وذهبه  تركي آل شيخ  إلي أسطورة الملاعب رئيس نادي القرن .. النادي الأهلي محمود الخطيب.

تشعر أن الرجل تفوق في الاستخبارات على كمال ادهم مثلا !  لم يوفر أحدًا في مصر -  أي أحد -  إلا وسحقه وحَفَلَ عليه، ولعلي لا ابالغ إذا اعتبرته أنه أصل التحفيل في مصر ..  ومفجر ثورة التحفيل!

الجماهير كانت - وماتزال -  تنتظر تحفيل مرتضي ! وذلك رغم إبعاده عن منصب رئيس نادي الزمالك ، في واقعة أرغم فيها على الابتعاد بكل مافي ذلك من إهانة إلى  حد ما !

" "الباباراتزي"  المصري لايزال يهرع إليه في كل مكان ، فهو ملك التريند ، يذهب إليه ليستثيره - ويبتلع إهانته إن حدثت أو الحط  من كرامته - لأنه عندما يتفاعل مع الحالة التي يضعونه  فيها ، يتحقق لهم المراد ،  فيجري لسانه بكل ماهو علقم ومر .. ويخسف الأرض بمن "يهبشه" ، من دلاديل ممدوح عباس ، إلى  الجرابيع كميدو والخونة كشيكابالا ، وفي وقت سابق قبل الصلح والتنازل عن القضايا ، غمز الأهلى ورئيسه من قناة هدايا تركي آل شيخ من الساعات والمجوهرات ، وهي  غمزات كان  يضع عليها تحويجات وتحابيش   وبهارات من عنده ،  معها يبدأ التحفيل على غريم الزمالك التقليدي ورئيسه ، وهو أسلوب  مازال يستخدم حتى الآن ،  بالرغم من أنها  كلفته منصبه كرئيس لنادي الزمالك في إحدي المرات . ثم  كلفته حريته آيضا حيث عوقب بالسجن شهرا !

الجماهير تجاوبت مع بذاءات وتحفيلات مرتضي  وأضافت عليها واخترعت لها أطرا أخرى  ومنحتها مصداقية ، ولطالما ساندت هذه التحفيلات جماهير نادي الزمالك ، خاصة عندما تكون نتائج مواسمها صفرية ، وكاد الموسم الحالي أن يكون كذلك ، لولا فوز الزمالك بكأس مصر ! ( هل فاز حقًا بالكأس ؟ الأهلوية يتساءلون عن التفويت المتعمد!)

 أصبح  الأهلي متهما في نظر جماهير الزمالك بأنه نادي السلطة ونادي الدولة المدلل!

 بيراميدز لا جماهير له ، ولكنه  كلما احتاج لمشجعين ومؤازرين جاء إليه  مشجعو الزمالك نكاية في الاهلي !  كل هذا يريح الزملكاوية عندما يخسرون المنافسة أمام الأهلي  ، فيلجأون إلى الاتهامات المرسلة بأن الأهلي يشتري الحكام  فيساعدونه باحتساب أهداف غير صحيحة ، وبضربات جزاء غير مستحقة ، بل واحتساب وقت ضائع أطول من اللازم ، ليتمكن من الفوز بالمباريات التي يرونه غير جدير بالفوز فيها !

يعتبرون الأهلي فائزا بكل البطولات لأنه نادي الدولة المدلل، ولذا وأمام ضيقهم من ذلك اعتبروا بيراميدز هو الفائز بالدوري ،  ويتساءلون - في ظل فقر  نادي الزمالك المدقع  - من أين يأتي النادي الاهلي بفلوسه الكثيرة ؟ "يكونش ده مال حرام من أيام الأهرام (مثلا) ومال غسيل أموال" ؟ ويركنون إلي هذه التفسيرات مرتاحين لها ،  حتي أنك تقرا لصحفيين بلغوا من العمر نضجا كبيرا يروجون -  تحفيلًا -  لفكرة  أن الزمالك نادي الشرف والأهلي نادي الفساد !

للأسف يتسبب في  هذا الباباراتزي ، وصحفيون ، وأيضا هؤلاء المتنطعون على موائد القنوات الرياضية الذين يدعون أنهم يحللون مبازيات كرة القدم ، وآداء المدربين واللاعبين والحكام !

تتذكرون أيام الكباتن الكبار محمد لطيف وعلى زيوار وحسين مدكور والجويني والحامولي وميمي الشربيني ، آنذاك لم يكن هناك مثل هؤلاء الذين سمموا أجواء الرياضة ، بما قالوه كذبا وزورا وجهلا ، من أجل أن يتقاضوا آلاف الجنيهات مع كل إطلاله ، تعيدهم من الموت المقيم بعد انتهاء عمرهم في الملاعب ، إلى الحياة ونعيمها بفعل كريستالة حقيرة وكاميرا بث تليفزيوني ، يتصورون بعدها أنهم جوارديولا وانشيلوتي وربما أعظم  منهم !

كل هؤلاء الذين لا قيمة لهم استخدموا التحفيل لأجل أن يقودوا الجمهور إلى مناطق أخري بعيدا عن المنافسة ، وانساق الجمهور من هنا وهناك .. واصبح عجيبا غريبا أن يدافع عن الأهلي العظيم أساطير نادي الزمالك نفسه ، ونجوم  عصره الذهبي حسن شحاته وفاروق جعفر ، فيما يهيل  عليه التراب ويكيل  له الاتهامات المطاريد  - من  نجوم الأهلي زمن الخطيب و  زيزو وطاهر الشيخ  - الذين بعد أن" شطب" قدمهم  الذهبي، "شطبت"  معها أيضا علاقتهم بالملاعب،  مثل مصطفي يونس ومجدي مقشة !

  كباتن كبار جدا(!!) أحبهم جمهورهم ، لكنهم أصبحوا بمرور الوقت على خلاف مع أنديتهم التي لمعوا فيها ، فأصبح مصطفي ﻳﻮﻧﺲ ومجدي عبد الغني مثلا مطاريد الاهلي الذين يهيلون  التراب على الخطيب ، إلى حد أن أحدهم زعم مؤخرًا " أن الخطيب كان يتآمر على صالح سليم لحساب  اللواء  عبد المحسن مرتجي" ، حيث كان صالح سليم ينافسه على رئاسة النادي !

ويتهم هؤلاء الأهلوية ويتوحد معهم زملكاوية آخرون الأهلي بأنه يشتري انتصاراته ومكاسبه ، أولا لانه مدعوم من الدولة ( لاحظ مثلا أن مرتضي منصور الذي فشخ الجميع على مدى عدة  اعوام كان رئيسا لنادي الزمالك لم  يقترب منه أحد أو يجرؤ على ذلك من مسؤولي أو أجهزة الدولة ! بل وربما كان دوره هذا مطلوبا ، بحسب تفسير لأصحاب نظرية "بصوا العصفورة " ، لتمرير قرارات صعبة للحكومة في ارتفاع الأسعار أو إطلاق قتلة من السجون بعفو رئاسي مثلا، او تمرير قرارات مثل رفع الدعم او تقليص سلع مدعومة في بطاقات التموين!

هذا الثلاثي المرعب ،  ثلاثي رأس الحربة في المعترك الرياضي  ، وهم  مطاريد الأهلي ومعهم متنطعو القنوات التليفزيونية ، وباباراتزي  الصور و المانشيتات ، وقائد ثورة السيديهات ، هم من سمموا أجواء الرياضة .. وبعد ان كان التنافس الشريف بين الجمهور ، أصبح هناك من  الزملكاوية  من يتمني أن تسقط طائرة الأهلي في النيل حتي لا يذهب ومعه  "زيزو" للعب في كأس العالم للأندية  إلي أميركا ..وبلغ الأمر حد أنهم لم يضيقوا من  ان يخسر  الزمالك أمام " بيراميديز"، طامحين ان يكون  المقابل هو ضياع الدوري من الأهلي !

وأسوا مافي الموضوع هو أن يتوارى إلى المؤخرة  ، تشجيع المنتخب القومي المصري".. تلك الفضيلة التي  لم تعد تشغل بال الجمهور ، إلا من رحم ربي !!

للحديث بقية

-----------------------------------

بقلم: محمود الشربيني


مقالات اخرى للكاتب

 رشقة أفكار | في الأجواء المسمومة :