1. التاريخ القديم:
يعود استيطان الأرض بشكل كبير إلى الهجرات الهائلة التي قام بها أجدادنا، لا سيما من وادي الصدع الكبير في شرق أفريقيا إلى بقية العالم. كما أتاحت لنا التقنيات الحديثة لتحليل الحمض النووي القديم فهمًا أفضل للتفاعلات بين إنسان نياندرتال وسلفنا المباشر، الإنسان العاقل.
يمكن توثيق استيطان منطقة الجوار، البحر المتوسط والهلال الخصيب، خلال العشرين ألف عام الماضية تقريبًا، عن طريق تحليل الحمض النووي. ويشرفني أننى نظمت بالتعاون مع البروفيسور كروبيزي مؤتمرًا حول هذا الموضوع قبل نحو عشرين عامًا في مكتبة الإسكندرية، عندما كنت لا أزال المدير المؤسس لتلك المؤسسة. وقد استقطب المؤتمر، الذي عُقد في الفترة من 2 إلى 4 أكتوبر/تشرين الأول 2004، علماء من جميع بلدان البحر المتوسط، ونشرت مكتبة الإسكندرية وقائعه لاحقًا .
ولكن في عصور لاحقة لهذه الهجرات، عندما أصبحت الحضارات أكثر رسوخا، وُثّقت التبادلات بينها جيدًا. ومن خلال الغزو والتجارة والتزاوج، تفاعلت مجموعات مختلفة. وفي تاريخ أحدث نسبيًا، فلنقل منذ عهد الإسكندر الأكبر ، بدأنا نشهد ظهور مدن عالمية بحق، والإسكندرية القديمة خير مثال على ذلك. ولكن إذا تركنا هذا الماضي البعيد، ونظرنا إلى التاريخ الأحدث نسبيا، فإنني أقترح أن نركز على القرون الخمسة الماضية...
2. عندما كان المهاجرون أوروبيين
أعاد التوسع الأوروبي، منذ أواخر القرن الخامس عشر فصاعدًا، تشكيل التركيبة السكانية العالمية، حيث هاجر ملايين الأوروبيين إلى الأمريكتين وأستراليا ومناطق أخرى، وأسسوا دولًا استيطانية. كانت هذه الهجرة مدفوعة بمزيج من الطموحات السياسية والبحث عن الفرص الاقتصادية والحرية الدينية، بالإضافة إلى الأراضي والموارد. وعلى عكس المشاريع الاستعمارية التي ركزت فقط على الاستغلال الاقتصادي، اتسمت الدول الاستيطانية بهجرة أوروبية واسعة النطاق بهدف السكن الدائم. وكثيراً ما أدت هذه الحركات إلى نزوح السكان الأصليين، الذين واجهوا الحرمان والتهميش، وفي كثير من الحالات، الإبادة العنيفة. فمن الفتوحات الإسبانية والبرتغالية في أمريكا اللاتينية إلى المستوطنات البريطانية والفرنسية والهولندية في أمريكا الشمالية ومنطقة البحر الكاريبي، وكذلك المستوطنات الإنجليزية والهولندية في جنوب أفريقيا، فرض المستوطنون الأوروبيون أنظمة قانونية واقتصادية واجتماعية جديدة، كانت غالبًا على حساب السكان الأصليين مباشرةً.
من السمات الرئيسية للاستعمار الاستيطاني تحويل الأرض نفسها لتعكس النماذج الزراعية والاقتصادية والاجتماعية الأوروبية. ففي أماكن مثل أمريكا الشمالية وأستراليا، أُخليت مساحات شاسعة من الأراضي لأغراض الزراعة والتوسع الحضري، مما أدى إلى محو أساليب حياة السكان الأصليين وفرض السيطرة الأوروبية. واعتبر المستوطنون الأوروبيون هذه الأراضي "فارغة" أو غير مستغلة، مبررين مطالباتهم بأطر قانونية وأيديولوجية مثل "الأرض المشاع". في غضون ذلك، أدى دخول الأمراض الأوروبية والحروب والاستيعاب القسري إلى انخفاض حاد في أعداد السكان الأصليين. كما تباينت تدفقات الهجرة في طبيعتها - فبينما وصل العديد من المستوطنين طواعية، تعرض آخرون، مثل المحكومين الذين نُقلوا إلى أستراليا أو العمال المتعاقدين الذين جُلبوا إلى منطقة البحر الكاريبي وجنوب إفريقيا، للتهجير القسري في ظل الحكم الإمبراطوري.
وبحلول القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، عززت مجتمعات المستوطنين هيمنتها إلى حد كبير، حيث أسس السكان ذوو الأصول الأوروبية هياكل سياسية واقتصادية تخدم مصالحهم الخاصة. ولكن، لم تمرّ هذه الهيمنة دون تحدٍّ، إذ ضغطت حركات المقاومة الأهلية، وجهود إنهاء الاستعمار، والنضال من أجل الحقوق المدنية، بشكل متزايد على هذه المجتمعات للاعتراف بالمظالم التاريخية وتصحيحها. ولا تزال آثار الاستعمار الاستيطاني راسخة في النسيج الاجتماعي والسياسي لهذه الدول، مؤثرةً على الحوار حول حقوق الأراضي، والتعويضات، والاعتراف بسيادة السكان الأصليين. وبالتالي، فإن الآثار طويلة المدى للهجرة الأوروبية إلى الدول الاستيطانية ليست تاريخية فحسب، بل لا تزال تُشكّل السياسات والهوية العالمية المعاصرة.
3. صعود الدول الاستيطانية
(أ) تجربة الاستيعاب في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا
طوّرت الولايات المتحدة وكندا وأستراليا - وهي ثلاث من أبرز الدول الاستيطانية - نماذج مميزة، وإن كانت متشابهة، لاستيعاب سكانها المهاجرين المتنوعين. ومنذ القرن التاسع عشر فصاعدًا، شجعت هذه الدول الهجرة واسعة النطاق لدعم النمو الاقتصادي والتوسع الإقليمي، معززةً فكرة الهوية الوطنية الموحدة القائمة على القيم المشتركة والاستيعاب الثقافي. ففي الولايات المتحدة، ظهر مفهوم "بوتقة الانصهار"، وهو اعتقادٌ بأنّ المهاجرين من خلفياتٍ مختلفةٍ يُمكنهم الاندماج في ثقافةٍ أمريكيةٍ مشتركة، تتمحور بشكلٍ رئيسيٍّ حول اللغة الإنجليزية، والحكم الديمقراطي، والمشاريع الرأسمالية. وبينما سمح هذا النموذج بالارتقاء الاجتماعي، إلا أنّه غالبًا ما طالب المهاجرين بالتخلي عن لغاتهم الأصلية وتقاليدهم الثقافية لصالح الأعراف الأنجلو- أمريكية. ولكن لطالما وُصفت أمريكا بأنها "أمةٌ من المهاجرين"، وهو الوصف الذي استخدمه الرئيس جون كينيدي كعنوان لكتابه الشهير عن التجربة الأميركية . كذلك، افتتح أوسكار هاندلين ، المؤرخ الكبير للهجرة في أمريكا، كتابه الأشهر "المُقتلَعون من جذورهم" بتصريحه الشهير: "فكرتُ ذات مرة في كتابة تاريخ المهاجرين في أمريكا. ثم اكتشفتُ أن المهاجرين هم التاريخ الأمريكي".
أما في كندا وأستراليا، فقد اتسمت سياسات الاستيعاب بهيكلية مماثلة، مع بعض الاختلافات، حيث سعت كندا في البداية إلى تبني هوية ثقافية ذات توجه بريطاني، لكنها تحولت لاحقًا نحو نهج أكثر تعددية ثقافية، معترفةً رسميًا بالتنوع اللغوي والعرقي، لا سيما من خلال سياسات ثنائية اللغة وجهود المصالحة مع السكان الأصليين. إلا أن سياسات كندا المبكرة تجاه السكان الأصليين، مثل نظام المدارس الداخلية، صُممت لدمج أطفال السكان الأصليين قسرًا في المجتمع الأوروبي الكندي، ومحو تراثهم الثقافي. كما اتبعت أستراليا مسارًا مشابهًا، لا سيما في معاملتها لمجتمعات السكان الأصليين، وأشهرها الترحيل القسري لأطفال السكان الأصليين - الذين يُشار إليهم الآن باسم "الأجيال المسروقة" - ودمجهم في المجتمع الأبيض.
في حين تبنت هذه الدول في نهاية المطاف التعددية الثقافية بدرجات متفاوتة، إلا أن إرث سياسات الاستيعاب لا يزال محل خلاف. فقد سعت العديد من المجتمعات المهاجرة إلى الحفاظ على تميزها الثقافي رغم الضغوط التي مورست عليها للامتثال، مما أدى إلى سجالات متواصلة حول التكامل مقابل التعددية الثقافية. وطالبت المجتمعات الأصلية في البلدان الثلاثة بمزيد من الاعتراف بالظلم التاريخي وتقرير المصير، متحديةً بذلك سرديات الاستيعاب السلس. ويمثل الانتقال من الاستيعاب القسري إلى سياسات التعددية الثقافية تحولاً كبيراً في الهويات الوطنية لهذه المجتمعات الاستيطانية، إلا أن التوترات لا تزال قائمة بشأن التوازن بين التماسك الوطني والتنوع الثقافي.
(ب) التجربة الصراعية لجنوب أفريقيا وإسرائيل
على عكس نماذج الاستيعاب في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، تُمثل جنوب أفريقيا وإسرائيل حالات أدى فيها الاستعمار الاستيطاني إلى صراعات عرقية وسياسية مستمرة بدلاً من التكامل. ففي جنوب أفريقيا، أدت الهجرة الأوروبية - بدءاً من الاستيطان الهولندي في القرن السابع عشر ثم الاستعمار البريطاني - إلى تسلسل هرمي عنصري صارم بلغ ذروته في نظام الفصل العنصري. فقد رسّخت الأقلية البيضاء الفصل العنصري والتمييز الاقتصادي والإقصاء السياسي، مما أدى إلى انقسام المجتمع انقسامًا عميقًا. وعلى عكس الدول الاستيطانية التي شجعت على الاندماج، كرّس نظام جنوب أفريقيا الانقسامات العرقية عمدًا، متعاملًا مع السكان الأفارقة الأصليين كطبقة منفصلة ومستعبدة على الدوام. ولكن، في نهاية المطاف، أدت مقاومة نظام الفصل العنصري، بقيادة شخصيات مثل نيلسون مانديلا وديزموند توتو وغيرهما من قادة المؤتمر الوطني الأفريقي، إلى تفكيكه في أوائل التسعينيات، إلا أن ندوب العنصرية المؤسسية لا تزال تُشكّل مجتمع جنوب أفريقيا اليوم، مع استمرار التفاوت في الثروة وملكية الأراضي والحراك الاجتماعي.
أما إسرائيل فتنبع تجربتها الصراعية من تأسيسها كدولة يهودية على أرض ذات كثافة سكانية فلسطينية أصلية كبيرة. نتيجةً تصاعد معاداة السامية في أوروبا، ازدادت هجرة اليهود إلى فلسطين خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وبلغت ذروتها بتأسيس إسرائيل عام ١٩٤٨. وقد انطوى إنشاء الدولة على تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، وهو حدث يُطلق عليه الفلسطينيون اسم "النكبة". ومنذ ذلك الحين، ظل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أحد أكثر النزاعات الجيوسياسية صعوبةً، إذ اتسم بالحروب والنزاعات الإقليمية ودورات العنف. وعلى عكس الدول الاستيطانية الأخرى التي حققت في نهاية المطاف هيمنة ديموغرافية من خلال الهجرة الجماعية، لا تزال إسرائيل دولةً ذات مطالب وطنية متنازعة، حيث بقيت مسألة الهوية والانتماء والحكم موضع خلاف عميق .
فى حين تأثرت كلٌّ من جنوب أفريقيا وإسرائيل بديناميكيات الاستعمار الاستيطاني، إلا أنهما تختلفان في كيفية تطور صراعاتهما. فقد انتقلت جنوب أفريقيا من نظام هيمنة عنصرية إلى إطار ديمقراطي يسعى، على الرغم من تحدياته، إلى دمج سكانه المتنوعين. على النقيض من ذلك، لا تزال إسرائيل عالقة في صراع إقليمي وعرقي- قومي، حيث يتسبب التنازع على الأرض والهوية فى تأجيج التوترات المستمرة. هاتان الحالتان تبينان أن تاريخ الاستعمار الاستيطاني لا يؤدي دائمًا إلى الاندماج أو بناء دولة مستقرة، بل قد يؤدي إلى صراعات طويلة الأمد وانقسامات مجتمعية عميقة. إن إرث الهجرة في هذه السياقات ليس مجرد مسألة استقرار تاريخي، بل صراع مستمر على الحقوق السياسية والهوية والتعايش.
متطوعون سويسريون في باريس 1914 خلال الحرب العالمية الأولى
4- إعادة هيكلة أوروبا نفسها
ولكن ماذا عن أوروبا نفسها؟
كان القرن العشرون فترة محورية في تاريخ البشرية: نهاية الإمبراطوريات والاستعمار، وحربين عالميتين، وصعود العملاق الأمريكي، والحرب الباردة، وظهور العولمة، وتأسيس النظام الدولي القائم على قواعد الأمم المتحدة، والذي نجح، رغم عيوبه، في جهوده في مجال المساعدة الإنمائية (الوكالات المتخصصة)، وفي تأسيس "منظمة حقوق الإنسان" كمنارة للعالم (رغم أنها لا تحظى بالاحترام الكافي)، وفي توفير منصة لمناقشة القضايا السياسية، إن لم يكن حلها.
ومع ذلك، فهناك مشروع آخر يستحق اهتمامنا، ألا وهو إنشاء الاتحاد الأوروبي.
في النصف الأول من القرن العشرين، كانت أوروبا، التي قادت العالم على مدى 400 عام، تتهاوى وتجر العالم بأسره إلى جحيمها: حربان عالميتان، ناهيك عن حروب أخرى (مثل الحرب الأهلية الإسبانية)، بالإضافة إلى الكساد الكبير، وصعود الشيوعية والفاشية والنازية. كل ذلك ترك القارة مدمرة بالكامل، وفي العشرين عامًا التالية نالت مستعمراتها استقلالها. يُعدّ بزوغ الاتحاد الأوروبي من رماد الحرب العالمية الثانية إنجازًا رائعًا حقًا، حتى بعد الاعتراف الكامل بالمساهمة الهائلة للقيادة الأمريكية وخطة مارشال.
عند بناء الاتحاد الأوروبي، تبنى الأوروبيون مفهوم الهوية ذات المستويين، حيث حافظ مواطنو كل دولة على هويتهم الوطنية المتميزة، واكتسبوا في الوقت نفسه هوية أوروبية. لقد كان نجاحًا باهرًا. هنا، رُفض نهج الولايات المتحدة الاستيعابي القائم على مبدأ "بوتقة الانصهار"، لصالح فكرة "مجتمع الأمم"، حيث يبقى الفرنسيون فرنسيين والإيطاليون إيطاليين، لكن يصبح الجميع أيضًا "أوروبيين". كان هذا أعظم وأنجح مشروع سلام وازدهار في التاريخ. وفي غضون جيل واحد، لم يعد ممكنا لجيل جديد كامل من الشباب الألمان والفرنسيين تخيّل أن بلدانهم ستخوض حربًا يومًا ما، مع أن آباءهم وأجدادهم كانوا سيجدون صعوبة في تخيّل أن بلدانهم - التي خاضت الحروب في أعوام 1870 و1914 و1940- ستحقق السلام يومًا ما.
لكن اليوم، تُعدّ الهجرة قضية رئيسية في معظم الدول الصناعية المتقدمة. حتى في الدول التي بُنيت على الهجرة كالولايات المتحدة، أصبحت الهجرة قضية خلافية للغاية. بل إنها في الواقع "قضية خلافية" أساسية استغلها سياسيو اليمين المتطرف بمهارة في معظم الديمقراطيات الغربية، حيث يُعدّ الترويج للخوف والكراهية تجاه المهاجرين تجارة رائجة لدى السياسيين الشعبويين. أكثر هذه الحركات تطرفًا هي حركة (MAGA)"لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" في أمريكا، والتى من المفارقات أنها أُمة المهاجرين المثالية.
5. الدولة ذات السيادة والدولة الوطنية
كثيرًا ما يُقال إن "الدولة الوطنية " بدأت مع معاهدات وستفاليا في منتصف القرن السابع عشر . في رأيي، كانت الدولة ذات السيادة، وليس الدولة الوطنية، هي التي أنتجت هذه المعاهدات.
في عام 1648 أنهت معاهدة وستفاليا للسلام حرب الثلاثين عامًا في أوروبا، والتي كانت تُعرف أحيانًا بأنها آخر الحروب الدينية الكبرى. وأكدت المبادئ الرئيسية لمعاهدة وستفاليا على السيادة والأمن الجماعي وتوازن القوى. وهكذا، فإن الدولة ذات السيادة، وليس الدولة الوطنية، هي التي انبثقت من هذه اللحظة المحورية.
تشترك الأمم في بعض القواسم الثقافية؛ لذا يمكننا الحديث عن الأمة الجرمانية والتي تشمل ما يُعرف اليوم بألمانيا والنمسا وأجزاء من سويسرا، كما يمكننا الحديث عن الأمة العربية (22 دولة ذات سيادة أعضاء في جامعة الدول العربية بالإضافة إلى فلسطين). وتخلق القواسم الثقافية المشتركة بين هذه الدول شعورًا بالهوية المشتركة والتعاطف، حتى وإن تناحرت فيما بينها.
من ناحية أخرى، تُعَرّف الدول ذات السيادة بأنها إقليم له حكومة مركزية تحكمه، ولها الحق في إبرام اتفاقيات وتنفيذها مع دول أخرى ذات سيادة، بشأن التجارة أو غيرها من القضايا.
من المشكلات التي برزت أن حدود الدول ذات السيادة نادرًا ما تتطابق مع تجانس سكاني مطلق. ومع ذلك، سعت الدول الوطنية إلى تعزيز الروابط بين قاطنيها من خلال ترسيخ مفهوم التجانس الثقافي: من خلال تطوير سرد تاريخي مشترك، ونشيد وطني، وعلم وطني، ولغة مشتركة، وفي كثير من الأحيان دين مشترك. وبذلك، خلقت مشكلة الأقليات، التي لم تُحسن دولٌ كثيرة التعامل معها. اليوم، يُهدد وصول المهاجرين أو اللاجئين، من خلفيات ثقافية مختلفة تمامًا، هذا السعي نحو التجانس الثقافي.
6. التجانس الثقافي والتعددية
رفضت الغالبية العظمى من البشرية أفكار المجتمعات النقية عرقيًا، أو الفريدة عرقيًا، أو المتجانسة دينيًا. وهُزم أولئك الذين روّجوا لذلك بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي. لكن بديهي، أن تلاقى مهمة قبول التعددية صعوبات جمة في التطبيق. قد تُثري المجتمعات المتنوعة فسيفساء مجتمع متعدد الثقافات، لكنها تُولّد أيضًا شعورًا بعدم الارتياح لدى السكان. لقد شهدنا كوارث في البلقان ورواندا، وتفككًا للدولة في يوغوسلافيا والسودان… . وكلها تُذكّر بصعوبة تطبيق التعددية، حتى في المجتمعات الديمقراطية الأوروبية، دون الوصول إلى حد الانفصال. فكثُرت التوترات في البلقان، وشهدت تشيكوسلوفاكيا انفصالًا سلميًا بين التشيك والسلوفاك.
لذا، فإن الهدف هو أن نحتفي بتنوعنا، مع التمسك بالقيم العالمية التي نؤمن بها، والتي تُنشئ روابط مشتركة للعمل الاجتماعي التوافقي.
-----------------------------
بقلم: د. اسماعيل سراج الدين *
* مدير مكتبة الإسكندرية الأسبق
غدا الحلقة الثانية (الهجرة اليوم 1- ظاهرة معقدة وقضية خلافية 2-اللاجئون والنازحون والمهاجرون 3- البعد الجنساني في النزوح الداخلي والهجرة الدولية 4- الضغوط والتحولات الديموغرافية في الشمال الغني والجنوب الفقير)