كتبت بوست في الفيس اعتراضًا على تصريح رئيس الوزراء، حول مناقشة موضوع الكتاتيب، التي قال عنها مدبولي إنها ستقوم بتنمية الوعي وتكوين وبناء الشخصية المصرية!!
وكانت المفاجأة مذهلة.. لماذا؟ أولًا: وجدت حالة رفض غير عادية اعتمدت على العنوان، وتم توجيه الاتهامات لي بأنني مسيحي متعصب! وطائفي! وغير ذلك كثير.
ثانيًا: تم الربط بين الإسلام (كدين) والقرآن وتعليم الأخلاق والأدب، وبين الكتاتيب! وكأن غياب الكتاتيب تهديد لسلامة الدين، مع العلم أن الكتاتيب بشكلها التاريخي لا وجود لها الآن.
بداية، لم يكن هناك تعليم بأي معنى حتى ما قبل عهد محمد علي، غير تعليم العلوم الدينية بالأزهر فقط. وتماشيًا مع هذا الواقع، كان ما سمي بالكتاتيب، وكانت ملحقة بالمساجد والكنائس، لتحفيظ القرآن هنا، وتحفيظ الألحان الكنسية هناك، مع تعليم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب، وصولًا إلى إرسال البعثات التعليمية إلى أوروبا، وإنشاء مدارس (الطب والهندسة والترجمة وتعليم الجوانب العسكرية... إلخ). هنا تواجدت المدارس بشكل بدائي، فكانت بديلًا تعليميًّا للكتاتيب، وأصبح تحفيظ القرآن عند أحد المحفظين في منازلهم أو إحضارهم إلى المنازل، وهذا مستمر بصورة أو أخرى حتى الآن.
هنا نحن نناقش القضية على أرضية سياسية، لا علاقة لها بأي أرضية دينية على الإطلاق. فهل الاعتراض على عودة الكتاتيب لأسباب سياسية، ومالية، وتعليمية يعني موقفًا من الدين؟ وهل يليق بأي دين أن نربط سلامته أو وجوده بشكل وبأسلوب كان بديلًا لغياب التعليم؟ وهل الكتاتيب عمليًّا وعلميًّا وتاريخيًّا وواقعيًّا تتوافق مع مسايرة التقدم العلمي الذي يجتاح العالم؟ ثم نريد أن نعرف كيف ستقوم الكتاتيب بهذا الدور الخطير والمهم في بناء الشخصية المصرية وبناء وعيها؟ وهل هذا البناء وذلك الوعي سيتم عن طريق الكتاتيب في المسجد والكنيسة (كما صرح مدبولي)، بديلًا لدور المدرسة الأساسي في بناء تلك الشخصية؟ أي استبدال الدور الوطني المصري بدور ديني لا يوحد ولا يساعد على قبول الآخر؟ من أين تلك الموازنات التي تحتاج إلى إعداد أماكن ومدرسين ومحفظين، في الوقت الذي يحدث فيه عجز في أئمة المساجد؟ وما بالك بالعجز الصارخ والخطير في المعلمين في سائر المراحل التعليمية؟ وهل هذه الكتاتيب ستكون بديلًا للمدارس؟
لا شك أن أي تصريحات مهمة مثل هذه التصريحات، لا يجب أن تطلق قبل دراسة مستفيضة متكاملة، حتى تعلن خطة قابلة للتنفيذ، وتتوافق مع الواقع والإمكانات والقبول المجتمعي.
أما ربط الكتاتيب بحفظ القرآن فهذا واجب لا نقاش فيه، ويتم بشكل فردي، ويجب أن يتم استغلال المعاهد الأزهرية بالقيام بهذه المهمة. وطبعًا مع الحفظ يجب أن يكون هناك تعقل وتفقه وتدبر للنص، وهذه هي القيمة الحقيقية للتعامل مع أي نص ديني مقدس. ولكن ماذا نقول في تلك الغدة الطائفية التي ابتلينا بها، والتي تضع غمامة على الفكر، وتوقف تفعيل العقل، ونتمنى أن نتخلص منها بالفهم والإدراك والايمان الصحيح الذي يتعامل مع الإنسان الذي أوجده الله بإنسانيته لا بدينه، وترك له الحرية.
حفظ الله مصر واحدة موحدة بعيدًا عن الطائفية البغيضة، التي تتعارض مع صحيح الأديان، ومع وحدة الإنسان والإنسانية، وحفظ شعبها الطيب والعظيم.
----------------------------
بقلم: جمال أسعد