انتهى أسوأ موسم لكرة القدم المصرية في العقد الأخير.. لا حاجة إلى سرد تفاصيل السوءات وأعدادها التي تسببت في موت المشجعين (مجزرة بورسعيد، والدفاع الجوي)، ولاعبين (أحمد رفعت كمثال)، وتزوير الحقائق، ولي اللوائح، وإشاعة أجواء الظلم والكيل بأكثر من مكيال، وغيرها من سوءات الإدارة منذ أن عرفنا الاحتراف الكروي، فقد أسهب شرفاء الكلمة في عرضها.
إلا أن هذا الموسم شهد أسوأ سوءات الكرة، عندما انتهى بتشييع "السعادة الكروية" التي كانت آخر ما في حوزة الشعب المصري من مصادر السعادة والفرحة، إلى مثواها الأخير، بعد أن تحولت إلى مصدر تعاسة، وحرمت المحرومين من الترفيه، بضغط وفعل الغلاء الفاحش، من أي فوائض مالية تتيح لهم الحصول على أقل قدر من الترفيه، سواء في السفر إلى شواطىء البحر، أو ارتياد المسارح ودور الفن، أو حتى ملابس العيد لأطفالهم، فقد سلبهم التعليم والصحة كل فائض مالي لديهم، ولم يتبق لهؤلاء إلا السعادة باللعبة التي تعشقها شعوب الأرض.. تحول المصريون للبحث عن مصدر سعادة مجاني بديل للكرة التي نلعبها، ووجدوه على المقاهي من خلال الاستمتاع بالكرة الأوروبية و تشجيع أندىيتها ومتابعة دوريتها.
انتهت الأيام الخوالي للطبقة الوسطى المصرية،التي كان أبناءها ينعمون فيها بالبحر والنيل والتنزه،وألقى بهم الغلاء في قبو الحاجة والشقاء،وحرمهم من مصادر السعادة التي لم يتبق منها ـ كما اعتقدناـ سوى كرة القدم،لكنها خانتنا وحنثت بوعدها وأدارت ظهرها للشرائح الاجتماعية الواسعة من المصريين،لتتصدر مصادر التعاسة في حياتهم،بل وتسبق في مرارتها في أحيان كثيرة، مرارة العيش.
استلم الفاسدون المستفيدون من الفوضى الاجتماعية، وتعطيل القانون، وإعلاء المحسوبية والوساطة، شئون كرة القدم، فسلبوا من الشعب آخر مصدر للسعادة، واحتكروها لأنفسهم كما احتكر نظراؤهم في الاقتصاد والسياسة مصادر السعادة لهم ولأسرهم وأبنائهم وأحفادهم.. أهالي بورسعيد والاسماعييلية والسويس والمحلة والمنصورة والأسكندرية، وكل وجه قبلي، سطا عليهم الفاسدون وسرقوا منهم المصدر المتبقي للسعادة لديهم، بعد أن أعجزهم المال عن الإنفاق على أنديتهم الكروية.. حتى الأندية الكبري، الأهلي والزمالك، لم ينج أيا منهم من عملية السطو، وطوال الموسم المنقضي، كانت جماهير الناديين، الذين يشكلون القوام الأعرض من الطبقة الوسطى، والجماهير التي تشجع اللعبة الشعبية الأولى، عاشت لحظات تعاسة وشقاء بسبب ما يعتقدون من وقوع ظلم وغياب العدالة عن فريقهما..
ملايين من الجنيهات تُبذَرْ على لاعبين لا نشاهد منهم إلا التجاوزات والخروج عن قيم وأخلاق الرياضة، بينما يتسول الأبطال الأولمبيون العشاء، ما زاد من الاحتقان المجتمعي، وإشعال نيران الكراهية والفتن بيننا.
ليس من حق الفساد، سرقة آخر ما تبقى لدينا من مصادر السعادة، وليس من حقه إفساد التجانس المجتمعي الذي ينعم به الشعب المصري، ولا يصح ولا يليق ولا يجب أن يكتفي القائمون على أمور حياتنا بمشاهدة هذا "الفيلم" الردىء الذي ينتجه لنا الفاسدون، ولصوص السعادة، فيكفي ما يفعله نظراؤهم في المجالات الأخرى، مايكفي حالة الحرمان من غالبية مصادر الراحة والفرحة.. لقد تحولت المدرجات إلى حلبة سب وقذف، ومقاعد المشاهدين امام الشاشات إلى سرادق عزاء يتبادلون فيه الحسرة والأسى على أيام السعادة التي كان مصدرها الكرة.. لم يتبق أمام الذين سُرِقَتْ منهم آخر مصادر السعادة سوى العصيان الكروي، ومقاطعة المسابقة التي ينظمها الفاسدون والمرتشون في بلادنا، إذا ما أرادوا استعادة السعادة المجانية التي توفرها كرة القدم لهم.
لصوص السعادة يبخلون علينا بما تبقى لنا من آخر قطراتها.. منكم لله يا حرامية.!
------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم