08 - 07 - 2025

درس دي نيرو الذي لم ينته بعد!!

درس دي نيرو الذي لم ينته بعد!!

جرت العادة في أي مناسبة ثقافية أو حدث فني أن يستغل النجم الكبير الموقف ويجسد مشهد بطولة أمام السلطة إما بالإشادة أو الافتخار وأحيانا كثيرة بقصائد المديح والتملق .. إلا العالمي روبرت دي نيرو .. السهل الممتنع في أدائه أمام الكاميرا، وفي شجاعته وجرأته في نقد النظام السياسي بأسلوب لاذع لايخشى أحدا ولايسمع سوى صوت الضمير!.

أثناء تكريم الفتى الإيطالي العجوز في مهرجان كان السينمائي 2025 ومنحه جائزة السعفة الذهبية الفخرية عن مجمل أعماله، شن هجوما شرسا وجديدا على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واصفا إياه بـ"الرئيس المتخلف ثقافيا" .. ووقف نجم الأوسكار فوق المنصة وأوجز رأيه وشهادته أمام التاريخ فيما يحدث من حوله، في عبارة نارية قائلا :"نحن نعيش في فترة مظلمة يعود فيها المتخلفون فكريا إلى الواجهة" .. وانتهى إلى أن أصدق الفنانين يشكلون تهديدا للطغاة والفاشيين في العالم!.

شجاعة دي نيرو ليست وليدة لحظة نشوة وزهو، أثناء التكريم أمام الآلاف من زملاء المهنة والملايين من عشاقه وجماهيره .. ولكن سبقتها مناسبات أخرى لم يدخر جهدا أو كلمة لفضح ممارسات وافكار أكبر رأس في الولايات المتحدة، إيمانا منه بأن الأخير يجب أن يعمل في خدمة المواطن وليس العكس .. فوصف نجم هوليوود ملياردير البيت الأبيض بأنه ليس سوى رجل سيء وشرير لا يمتلك أي حس أخلاقي أو إحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين .. وأكد دي نيرو أنه قضى سنوات في دراسة وتحليل الشخصيات الشريرة، ودرس خصائصهم وسلوكياتهم، إلا أنه يرى أن ترامب مختلف عنهم، إذ أن المجرمين التقليديين لديهم رمز شرف أو إدراك معين للصواب والخطأ، حتى لو لم يلتزموا به دائما .. بينما الرئيس العائد إلى السلطة يعيش ويتصرف بلا أخلاق أو مبادئ، بل ويهتم فقط بمصلحته الشخصية دون أي اعتبار لمصلحة من وثقوا به أو تعاملوا معه .. ولذلك فترامب لايرقى لمهارة المجرمين الحقيقيين.

كيف امتلك هذا الفنان تلك الحماسة، وحافظ على هذه الجرأة والجسارة في التعبير عن رأيه والثبات على موقفه ،حتى مع من بإمكانه أن يجبره على الإقامة الجبرية أو الحرمان من الأضواء والشهرة أو الزج به خلف القضبان بصحبة المنحرفين والخارجين عن القانون؟! ... إنها ثقافة الحرية ومنطق التحقق والثقة بالنفس والقدرات .. وقبل هذا وذاك، قناعة الفنان الأصيل بأنه محصن بموهبته وتاريخه من أي تنمر سياسي، أو اضطهاد عنصري صادر عن أي سلطة .. ودولة الديمقراطية التي تصنعها الشعوب قبل الأنظمة هي البيئة الصحية والعفية الملائمة لاحتضان دي نيرو وأمثاله من رموز القوى الناعمة التي تبني المجتمعات، وتحطم أصنام وتماثيل الحكام والطغاة وحاشية الفساد!.

- جميل درسك البليغ وخطابك الأكثر بلاغة واحتراما يا إكسير شباب الوعي والنبل في ثوب "الثمانيني" الرشيد!!
-----------------------------
بقلم: شريف سمير
* نائب رئيس تحرير الأهرام

مقالات اخرى للكاتب

مضيق هرمز .. حتى لانغرق في بئر الخيانة والضعف!