في زيارة رسمية بدعوة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حلّ رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، ضيفًا على البيت الأبيض الأربعاء الماضي، في لقاء بدأ بعنوان “التعاون التجاري” وانتهى بعرض صور مضللة وسخرية دبلوماسية.
من الدعوة إلى المواجهة
جاءت الزيارة ضمن مساعي رامافوزا لترميم العلاقات الثنائية بعد سنوات من التوتر، خصوصًا منذ تغريدة ترامب الشهيرة في أغسطس 2018، حين اتهم حكومة جنوب أفريقيا بارتكاب "إبادة جماعية" ضد المزارعين البيض، وكانت التغريدة التي استندت إلى تقرير مضلل بثته قناة "فوكس نيوز"، أشعلت أزمة دبلوماسية وقتها، وردت عليها بريتوريا بحدة، نافية المزاعم ومنددة بما وصفته بـ"التدخل العنصري" في شؤونها الداخلية، تبع ذلك قرارات من إدارة ترامب بوقف المساعدات المالية وطرد السفير الجنوب أفريقي من واشنطن، مما زاد من حدة الخلافات بين الجانبين.
مشاهد عبثية في المكتب البيضاوي
وبعد سبع سنوات من ذلك الجدل، أعاد ترامب الكرّة في لقائه الأخير مع رامافوزا، حيث عرض أمامه صورًا ومقاطع فيديو يدّعي أنها توثق "الإبادة" ضد البيض في بلاده.
الطريف أن إحدى الصور كانت لمقبرة جماعية في الكونغو، لا علاقة لها بجنوب أفريقيا، والمقاطع الأخرى وُثقت لاحقًا كاحتجاجات رمزية أو حوادث فردية خارجة عن السياق.
رامافوزا، الذي بدا أكثر تماسكًا من مضيفه، لم ينفعل، بل ردّ بنبرة هادئة: "الجرائم في جنوب أفريقيا تمس كل الأعراق، والغالبية الساحقة من الضحايا هم من السود"، ثم أردف بإهدائه لترامب كتابًا عن ملاعب الغولف في بلاده قائلاً بسخرية لاذعة: "كنت أتمنى أقدر أقدم لك طيارة… بس للأسف"؛ في تلميح إلى الطائرة الفاخرة التي أثير حولها جدل مؤخرًا، بعد أنباء عن تلقّي ترامب طائرة من دولة عربية.
جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل
لم تكن الزيارة لاستعراض خلافات قديمة فقط، بل تزامنت مع تصاعد الدور الدولي لجنوب أفريقيا، خاصة في ملف القضية الفلسطينية، ففي ديسمبر 2023، رفعت حكومة رامافوزا دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وأصدرت المحكمة قرارًا في يناير 2024 يطالب إسرائيل باتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع الإبادة وضمان وصول المساعدات الإنسانية، في خطوة اعتبرها المراقبون انتصارًا قانونيًا وإنسانيًا لجنوب أفريقيا، التي تستحضر في خطابها الذاكرة المؤلمة لنظام الفصل العنصري.
بين الادّعاء والواقع
رغم ادعاءات ترامب، أظهرت إحصائيات رسمية عام 2024 أن عدد ضحايا جرائم القتل من المزارعين في جنوب أفريقيا بلغ 44 فقط، ثمانية منهم فقط كانوا من المزارعين أنفسهم، وهو ما يتنافى تمامًا مع مزاعم "الإبادة الجماعية" التي يروج لها تيار اليمين المتطرف في أمريكا.
اللقاء بين ترامب ورامافوزا لم يثمر اتفاقيات كبرى، لكنه كشف عن تباعد واضح في الرؤية بين زعيمين؛ أحدهما يعتمد على الشعارات والصور المفبركة، والآخر يُراهن على القانون الدولي والتاريخ السياسي الحديث، وبين طائرة لم تُهدَ وكتاب عن الغولف، كانت الحقيقة هي الغائب الأكبر في رواية ترامب.