22 - 05 - 2025

مؤشرات | "كوهين" والخيانة وتأهيل الشرع

مؤشرات |

قبل أيام، وتحديدا يوم الإثنين 19 مايو الجاري 2025، وبالتزامن مع ملفي الجاسوس "إيلي كوهين" و"تصريحات "روبرت فور"، سفير أمريكا السابق عن تأهيل أحمد الشرع أمريكيا وغربيا، طرحت في هذا المكان سؤالاً مهما حول من باع في قضية تسريب وتهريب ملف الجاسوس الصهيوني "إيلي كوهين" من دمشق إلى الكيان الصهيوني، فالمشترى واضح وهو قوات الاحتلال، بينما الشكوك حول البائع تدور في محور مسؤولين سوريين، يقعون في دائرة الخيانة.

ولم تمر ساعات إلا وخرج علينا مستشار للرئيس الانتقالي المؤقت في سوريا أحمد الشرع، كاشفاً عن أن تسريب أو "تسليم" "هدية" ملف الجاسوس كوهين للصهاينة تم بموافقة مباشرة من الشرع نفسه.

وفي بجاحة غير مسبوقة يعترف مسؤول سوري رفيع المستوى - بما أستطيع القول وبملء الفم انه خيانة - بفتح الأرشيف المخابراتي السوري أمام العدو المحتل للأراضي السورية والعربية، وصاحب الأطماع التي لا تنتهي في كل الأراضي العربية.

ويعترف مستشار الشرع، وفقا لما نقتله وكالة "رويترز" "أن القيادة السورية وافقت على تسليم مقتنيات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين إلى إسرائيل، في خطوة تهدف لتخفيف العداء الإسرائيلي، وإظهار حسن نية تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب".

وفى تبرير غريب تشير الأخبار المنقولة عن المصادر السورية عن محادثات غير علنية بين الجانبين "السوري والصهيوني"، أن الأرشيف تم تقديمه لإسرائيل كإشارة غير مباشرة من الشرع، في إطار مساعيه لخفض التوترات وكسب ثقة ترامب.

والسؤال المهم .. كيف تتم هذه السهولة في التعامل مع الكيان الصهيوني ومن يعاونه ويدعمه من الولايات المتحدة الأمريكية؟، في وقت مازال الصهاينة في موقع العدو، يواصلون العدوان على الأراضي السورية، ويحتلون المزيد من الأراضي، ويتعاونون مع أطراف لتدمير القوى السورية.

والغريب أن البيت الأبيض والكيان الصهيوني رفضا الرد على شكل التعاون مع سوريا في تسريب ملف "إيلي كوهين"، واكتفي الجانب الصهيوني بما تم الإعلان عنه من قبل وتحديداً يوم الأحد 18 مايو بأنه تم استعادة مجموعة من الوثائق والصور والممتلكات الشخصية المرتبطة بكوهين، وأن جهاز "الموساد" تعاون مع جهاز استخبارات أجنبي من أجل تأمين هذه المواد، وأنها "عملية سرية ومعقدة" بالتعاون مع جهاز استخبارات حليف!!.

وقد اعتبرت دولة الاحتلال الصهيونية أن ما تم بشأن السطو على ملف الجاسوس "كوهين" " يعد إنجازًا أخلاقيًا من الدرجة الأولى"، لكونه كان سبباً رئيسياً فيما حدث في نكسة 1967، بحصوله على معلومات دقيقة عن الجيش السوري، وحتما عن أسرار أخرى، وقد سعى الكيان لسنوات للحصول على رفاته، ويعتبره رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بأنه "أسطورة" و"أعظم عميل استخبارات في تاريخ الدولة".

ولكن ماذا يعتبر الجانب السوري والنظام الحالي برئاسة أحمد الشرع ما جري بشأن ملف كوهين الذي عثر عليه في أحد مباني الأمن الداخلي السوري؟، وبماذا يمكن وصف ما قيل بخصوص السرعة في استخدام الأرشيف المخابراتي في التفاوض مع الصهاينة والأمريكان دون تقديم أي شيء، فيما العدوان والانتهاك للدولة السورية قائم.

وعن أي بادرة دبلوماسية وورقة تفاوضية، يتحدث المسؤولون السوريون بنظام الشرع، دون إدراك حقيقي منهم لأهمية هذا الأرشيف لكل الأطراف.

ويبدو أن ما قاله السفير الأميركي السابق في دمشق "روبرت فورد"، عن دور أميركي غير مباشر في تأهيل أحمد الشرع ليتولى زمام الأمور في سوريا، عبر سلسلة من اللقاءات بدأت عام 2023 خلال فترة قيادته تنظيم "هيئة تحرير الشام" تحت اسم أبو محمد الجولاني، قبل أن يتولى رئاسة سوريا، سيكشف عن الكثير خلال الأيام والشهور المقبلة.

ولا نستبعد أن يكون للكيان الصهيوني دور في عمليات التأهيل التي جرت للشرع، خصوصاً أن "روبرت فورد" قال إن عملية تأهيل الشرع التي بدأت 2023 عبر منظمة بريطانية غير حكومية متخصصة في حل النزاعات لإخراجه من عالم الإرهاب وإدخاله إلى السياسة، ولقاءاته الثلاثة معه لم تكن كافية وحدها لتأهيل الشرع سياسيا، لكنها جاءت تتويجا لمسار طويل بدأ منذ أن أعلن الشرع عام 2016 انفصال تنظيمه عن "القاعدة"، وتقديم نفسه لنظام الأسد.

تحليل كل هذا الوضع يؤكد أن هناك ترابط قوي بين ما جري من تأهيل الشرع لقيادة سوريا، وما جرى من تعاون واضح وصريح مع الكيان الصهيوني في ملف الجاسوس "ايلي كوهين"، وأن الأسرار كثيرة وستتدفق في الفترات المقبلة، ويظل القلق سيد الموقف من رائحة ستزكم الأنوف.. اللهم احم اوطاننا من شرور من يبيع دون أي ثمن وطني حقيقي.
----------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات |