شهد النصف الأول من شهر مايو الجاري زخماً غير مسبوق في نشاط الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي عكس بوضوح ملامح رؤية استراتيجية تستهدف بناء الإنسان المصري، وتعزيز حضور مصر على الساحتين الإقليمية والدولية، مع التركيز على قضايا الصحة والتعليم والتنمية البشرية، إضافة إلى الحضور الدبلوماسي اللافت في ملفات الطاقة والأمن والسلام الإقليمي.
وفي سياق حرص القيادة السياسية على تطوير منظومة التعليم، عقد الرئيس السيسي اجتماعًا مهمًا ضم وزير التربية والتعليم الفني، ومدير الأكاديمية العسكرية، لمناقشة آليات تطوير اختيارات المعلمين وتدريبهم وتأهيلهم، بما يضمن تخريج كوادر تعليمية متكاملة من حيث الكفاءة العلمية والمهارات الشخصية، وهو ما يمثل نقلة نوعية في بناء منظومة تعليمية تستند إلى جودة العنصر البشري كأحد ركائز النهضة الوطنية.
منظومة صحية متكاملة
وفي إطار خطة الدولة لتحسين جودة الحياة، استعرض الرئيس خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء ووزير الصحة ما تحقق ضمن الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية، حيث كشف وزير الصحة عن انخفاض معدل الزيادة السكانية مقارنة بالعام السابق، في مؤشر إيجابي على فاعلية المبادرات الحكومية في هذا الملف بالغ الحساسية.
وشهد اللقاء عرضًا لخطط توسعية في قطاع الصحة شملت الانتهاء من تطوير وإنشاء 20 مستشفى جديداً في 11 محافظة، بإجمالي سعة سريرية تقارب 2700 سرير، فضلاً عن تنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل والتي ستغطي خمس محافظات جديدة بتكلفة تقديرية بلغت 115 مليار جنيه.
كما طُرحت على طاولة النقاش الخطط المستقبلية لتطبيق منظومة رقمية صحية متكاملة تتماشى مع أهداف "رؤية مصر 2030"، باستخدام الذكاء الاصطناعي وإنشاء سجلات طبية إلكترونية ومنصات معلومات موحدة. وقد وجه الرئيس بضرورة الإسراع في تنفيذ هذه الخطط، ودراسة إدخال الذكاء الاصطناعي كمادة أساسية في المناهج التعليمية، بما يعكس توجهًا استباقيًا نحو المستقبل.
مبادرات صحية شاملة تستهدف كل الأعمار
الرؤية الصحية الرئاسية لا تقتصر على البنية التحتية فقط، بل تمتد إلى الإنسان في كل مراحل حياته. وقد اطلع الرئيس على نتائج 15 مبادرة رئاسية تستهدف فئات عمرية مختلفة، ونجحت في تقديم أكثر من 234 مليون خدمة صحية، إلى جانب إنهاء قوائم الانتظار لعلاج نحو 2.7 مليون مواطن منذ 2018، فضلاً عن علاج أكثر من 2.1 مليون آخرين على نفقة الدولة خلال عام واحد.
وشدد الرئيس على ضرورة توطين صناعة الأدوية والأجهزة الطبية، وتعزيز الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، إلى جانب تحسين بيئة عمل الأطباء، وتدريبهم على استخدام أحدث التقنيات، بما يضمن تقديم خدمة صحية تليق بالمواطن المصري.
شراكات دولية استراتيجية
على الصعيد الخارجي، واصل الرئيس السيسي تعزيز علاقات مصر الاستراتيجية مع الشركاء الدوليين، فقد استقبل رئيس مجموعة البنك الأفريقي للتنمية، في لقاء أكد خلاله الرئيس دعم مصر لجهود التنمية في القارة السمراء، مشددًا على أهمية التعاون في مجالات الأمن الغذائي والطاقة المتجددة والبنية التحتية، وذلك بالتوازي مع دعم القطاع الخاص كمحرك رئيسي للتنمية.
وفي موسكو، التقى الرئيس بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، في إطار احتفالات عيد النصر، حيث ناقشا ملفات عدة أبرزها: محطة الضبعة النووية، والمنطقة الصناعية الروسية في قناة السويس، والسياحة، والتنسيق في القضايا الدولية والإقليمية. وقد شدد الرئيس المصري على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، وفتح المجال أمام المساعدات الإنسانية، والدفع باتجاه حل الدولتين كمدخل لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
تعاون أوروبي متقدم
أما في اليونان، فقد كانت الزيارة الرسمية للرئيس محطة دبلوماسية بارزة عززت الشراكة الإستراتيجية بين البلدين. وجاءت القمة الثنائية مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، لتؤكد عمق العلاقات السياسية والاقتصادية بين القاهرة وأثينا، خصوصًا في مجالات الطاقة النظيفة والربط الكهربائي، الذي يربط بين مصر وأوروبا لأول مرة عبر خط مباشر.
وشهدت الزيارة إطلاق مجلس التعاون رفيع المستوى بين مصر واليونان، كآلية جديدة لتنسيق الجهود الثنائية في مجالات التعليم، النقل، الهجرة الشرعية، مكافحة الإرهاب، والصناعات التحويلية، بما يعكس إدراك الجانبين لأهمية تكثيف التعاون الإقليمي في مواجهة التحديات المشتركة، وخصوصًا الأمنية والاقتصادية.
رؤية شاملة
خلال النصف الأول من شهر مايو، بدا واضحًا أن تحركات الرئيس عبد الفتاح السيسي – داخل مصر وخارجها – تأتي في إطار رؤية شاملة تتكامل فيها الجهود التنموية والصحية والتعليمية مع السياسات الخارجية المتزنة، بهدف بناء دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات، وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية.