لا أعرف كيف جاء قلب لوزير الثقافة د. أحمد هنو، وهو يوقع على قرار بإغلاق 130 بيتًا للثقافة، ومهما كان السبب، من بين 600 موقع ثقافي، وبعضها مغلق للتحسينات والترميم.
قرار الوزير يعنى إصدار شهادة وفاة لـ 20% من بيوت وقصور الثقافة، غير الموجود طبعًا فى العناية المركزة، أقصد الترميم والتطوير، يعني خارج الخدمة، ولا يقدم خدمات ثقافية للبيئة المحيطة.
وبداية يكون السؤال الوظيفي:
إذا كان هدف الوزير إغلاق مواقع للثقافة، فعلى أي أساس يستمد وجوده الوظيفي ومهمته؟ بل وجدوى استمرار منصب وزير الثقافة ذاته، ضمن هذا التوجه، في بلد مصدر تميزه بين الأمم ثقافته وحضارته من جهة!
ومن جهة ثانية: في وقت تدار فيه الحروب حولنا حول الهوية والثقافة؛ ليسهل اقتلاع الأوطان، بعد طمس وجدان وهوية شعوبها.
ويكون السؤال التالي: ماذا يفعل الطبيب حين يكون لديه مريض؟ هل يقتله أم يعالجه؟
طبعًا وزير ثقافتنا اتّخذ طريق عشماوي
يعني الإعدام بالشنق، أو بالصعق، أو بالطرد!
والحكاية لمن لا يعرفها - وأنا أحفظها عن ظهر قلب، عبر رحلة صحفية لنحو 40 عاما، "لفيت" فيها القرى والنجوع في كل محافظات مصر "كعب داير"، صيفًا وشتاءً -:
هناك قصور للثقافة في مراكز المحافظات، وبيوت للثقافة في بعض المدن والقرى، البالغ عددها 4741 قرية، وتوابعها (30888) عزبة وكفر ونجع، في 26 محافظة، بعد استبعاد القاهرة؛ لخلوها من القرى طبعًا.
تخيلوا 27 محافظة بها نحو 600 قصر وبيت ثقافة، وإذا استثنينا القاهرة والإسكندرية؛ لتعدد المعاقل الثقافية المختلفة، نرى بيت ثقافة واحد، يقع بين عشرات القرى هو المصدر الوحيد لكلمة ثقافة، وقد يكون قصر الثقافة في بعض المحافظات، هو منارة الثقافة الوحيدة في المحافظة كلها، مثل: شمال وجنوب سيناء، ومرسى مطروح، والبحر الأحمر، والوادى الجديد... إلخ.
ونأتي لصلب القضية، إذا كان بعض أو كل 120 بيت ثقافة يعني 20% من كل قصور وبيوت الثقافة، عبارة عن شقق مؤجرة، وعلى فكرة توجد أيضًا بعض القصور مؤجرة أيضًا، وكانت المساحات من 60 إلى 80 مترًا، فهل الحل الإغلاق أم التوسع؟ يعني نقتل المريض، أم نركب له أطرافًا صناعية وامتدادات جديدة؟
الأمر الثاني: لماذا لم تفكر يا سيادة الوزير، في كيفية تحويل هذه الشقق بموظفيها، إلى نقاط انطلاق وبؤر ثقافية وإشعاعية لما حولها؟
مثلًا: وكما كان يحدث فى الماضي، يمكن بالتنسيق مع المدارس، أو بعض الكنائس، والمساجد، ومراكز الشباب، إقامة الأنشطة بها؛ مثل: الأمسيات الشعرية، والأدبية، ومعارض الفنون التشكيلية، وعروض المسرحيات والسينما... إلخ.
وعلى فكرة، يوجد بروتوكولات سابقة للتعاون بين هذه الهيئات وأكثر، وقعها وزراء ثقافة سابقين، كانوا يدركون قيمة الثقافة، وإمكانية الاستفادة من هذه الأماكن، مهما شغرت المساحة؛ لأن الهدف أعظم.
نعم، بعض الأماكن قد تضيق بالموظفين، الذين تم تعيين الكثير منهم بالواسطة وتدخلات بعض نواب البرلمان، في هذه الأماكن، وكنت شاهدًا على بعض هذه الضغوط، لكن تم تدريب بعضهم، ويمكن استكمال المهمة إذا صدقت النوايا.
أما فتح باب الانتداب والنقل لهؤلاء الموظفين، للذهاب إلى أماكن حكومية أخرى، فهذا يعني أن الهدف هو التخلص من قصور وبيوت الثقافة للأبد، بـ "التخلي" عن الأماكن، و"تسريب" الموظفين!
الأمر المهم أن بعض هذه الأماكن مؤجرة بقيمة رمزية، تبرعًا من بعض الجهات والأفراد، ولا تزيد عن جنيه واحد، يعني هدفهم كان الثقافة، وهدفكم يا سيادة الوزير، هو الإغلاق، وليس توفير ميزانيات لا تقارن بتكاليف مهرجان واحد!!
الأمر المهم أيضًا، وكان مترسخًا عبر وزارء ثقافة سابقين ورؤساء هيئات سابقين، كانت الثقافة همهم، والوصول للمواطن هدفهم، وتم ترجمة ذلك ضمن أشياء كثيرة في شراء سيارات نقل كبيرة، تم تحويلها وتجهيزها إلى مسارح، ودور عرض سينمائية، ومكتبات متنقلة، وذهبنا بها إلى العديد من القرى والنجوع، حتى وصلنا بها إلى حلايب وشلاتين أقصى جنوب مصر، على الحدود مع السودان.
وكله كوم، وتصريح الوزيرالذي استفزني بقوله: "لا يوجد أي إغلاق، وليس هناك أي قصر ثقافة سيتم إغلاقه، ولن يكون هناك أي مكان تنويري أو تثقيفي سيتم غلقه" كوم.
والرد البسيط: وبماذا تسمي يا سيادة الوزير، إلغاء أكثر من 20% من بيوت وقصور الثقافة؟
وإذا كنت تتلاعب بالمسميات، وتقول قصور الثقافة الموجودة في عواصم المحافظات وبعض المدن، أقول: وماذا عن قرى مصر؟ أليس أهلها الذين يشكلون أكثر من 80% من سكان مصر، لهم حقوق ثقافية علينا؟ أم تابعون لدول مجاورة؟!
وإذا كانت الميزانيات والأزمة الاقتصادية، تمنع إقامة بيوت وقصور ثقافة جديدة، فعليكم يا سيادة الوزير، تفعيل الاتفاق مع المشروعات العمرانية الجديدة؛ بإجبار كل جهة أو مطور عقاري بتقديم بيت أو قصر ثقافة جديد مجهز، كما كان الاتفاق في الماضي مع هيئة المجتمعات العمرانية، وكم من قصر تم بهذه الطريقة!
ثانيًا: تفعيل بيوت الثقافة الموجودة؛ بتحويلها إلى نقاط إشعاع، كما كان يحدث في الماضي، فقد أقمنا من قبل مسرح الجرن، ومسرح الشارع، وكثيرًا من الأنشطة على المقاهي (وأنا شخصيًّا قدمت نموذجًا حيًّا على مقاهي القاهرة وبعض المحافظات، وحولتها إلى بؤر ثقافية).
يعني المريض نعالجه ولا نقتله أيها السادة، نحن نحتاج إلى قيادات ثقافية، وليست حانوتية!!
--------------------------------
بقلم: يسري السيد
[email protected]