15 - 05 - 2025

حلبات المصارعة وساحات السياسة

حلبات المصارعة وساحات السياسة

 قبل أي مباراة من مباريات مصارعة المحترفين، التي تدور رحاها على مختلف حلبات المصارعة في الولايات المتحدة الأمريكية، يتم كتابة سيناريو المباراة بعناية وحرفية تامة، من قبل متخصصين وخبراء في سيكولوجية الجماهير، بعد اتفاق كافة الأطراف. 

مثلًا: تحدد المبالغ التي سوف تدفع لكل طرف، مع مراعاة أن المصارع المهزوم الذي سوف يتعرض للضرب والإهانة، سوف يستلم مبالغ مضاعفة، وكذلك يتم الاتفاق على نوعية الشتائم والبذاءات التي سوف يتبادلها المتنافسان، قبل بدء المباراة، على مرأى ومسمع من الحشود التي زحفت مبكرًا، وتبوأت مقاعدها في المدرجات. 

غالبًا يتولى طبيب حقن مسكنات موضعية في المناطق التي سوف تتعرض للضرب من جسد المصارعين، بحيث لا يشعران بالألم، رغم نزيف الدماء المتوقع، وهو جزء رئيس من الإثارة. 

يمكن كذلك تدخل بعض الأطراف في المباراة، ويستحسن أن يكون هناك عنصر نسائي، يثير شغف الجماهير المتعطشة للمتعة المخضبة بدماء المتنافسين. صديقة سابقة لأحد المصارعين تدخل الحلبة، وتشارك في ضرب من كان صديقها، أو مدير أعمال سابق يقوم بحلق شعر رأس من كانت تجمعه به علاقة طويلة... إلخ. 

قبل اللقاء المرتقب يتم الاتفاق مع الجميع، بما في ذلك حكم المباراة الذي ربما يتعرض لبعض اللكمات الطائشة أثناء النزال. غاية كل أفراد هذه المافيا هو خداع المشاهدين، وجني الأموال الباهظة التي يدفعها الجمهور الأهبل طواعية؛ ثمنًا لشعوره المزيف بالمتعة، بعد إشباع رغباته السادية، والمازوشية، أثناء المباريات التي يتم الترويج لها من خلال الإعلانات التي تدفع الجماهير ثمنها أيضًا. 

ثمة تشابه كبير بين ما يجري على حلبات المصارعة، وما يحدث في ساحات السياسة الدولية هذه الأيام. لذلك ينصح بأن لا تكونوا مثل جماهير مصارعة المحترفين، وتصدقوا أن الصراع بين الصين وأمريكا سوف ينتهي بحرب نووية ضروس، تأتي على الأخضر واليابس، فهذا لن يحدث؛ لأن حجم التبادل التجاري بينهما يساوي ٤٥ في المئة من إجمالي التجارة العالمية، والمبالغ التي سوف تجنيها الدولتان من شعوب العالم، نتيجة تطبيق تمثيلية الرسوم الجمركية المتبادلة، تتعدى عشرات المليارات من الدولارات، بالإضافة إلى المكاسب التي حققتها الشركات المقربة للأنظمة الحاكمة في الدولتين؛ نتيجة التلاعب بمعدلات التعريفات الجمركية المزعومة. 

في سياق متصل لا تصدقوا أن حاملات الطائرات والبوارج، جاءت لإشعال حرب بين أمريكا وإيران. ولا تصدقوا أن حربًا سوف تندلع بين الدب الروسي وأبناء العم سام، من أجل عيون الأحمق زيلينسكي الأوكراني. ولا تصدقوا أن الأمريكان سوف يهددون حياة البغل المستبد الذي يحكم كوريا الشمالية، ويهدد الوجود العسكري الأمريكي في آسيا. معظم ما تتناوله الصحف، والقنوات الفضائية، ووسائل التواصل الاجتماعي، يشبه الإعلانات التجارية باهظة الثمن، التي تسبق مباريات مصارعة المحترفين، في بلاد رعاة البقر، حيث يتم المتاجرة بمشاعر الجماهير الساذجة بكافة السبل؛ من خلال نشر مشاهد العنف، والإثارة، وتكثيف الاستفزازات، والتصريحات المقززة، وعبارات التهديد والوعيد من كافة الأطراف، قبل بدء مباريات المصارعة المزيفة. 

والهدف هو خداع الجماهير، ودفعها لإنفاق الملايين بلا تردد، وعن رضاء خاطر، وإفراغ جيوب السذج مما تبقى فيها من أموال، وهذا ما يستحقه الذين يصدقون كل ما تبثه بعض وسائل الإعلام، ويركضون خلف التريندات التي يشارك المشاهير في نشرها، سواء كانوا من الممثلين، أو الوزراء، أو المؤثرين، أو رجال السياسة، أو رؤساء الدول أحيانًا.
-----------------------------
بقلم: د. صديق جوهر
* أكاديمي وناقد ومترجم 

مقالات اخرى للكاتب

حلبات المصارعة وساحات السياسة