ليست السجادة البنفسجية التي تم استقباله عليها في مطار الملك خالد الدولي، لدى وصوله إلى الرياض، والتي تحمل نفس لون رباطة عنقه، وليس فنجان القهوة الذي لم يشربه ترامب ووضعه جانبًا فيما يعد إهانة للمضيف، وليس قيامه بالسير خطأ خلف ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عوضًا عن الذهاب إلى كرسيه، خلال مراسم توقيع اتفاقيات الشراكة بين البلدين.
لم تكن تلك الترندات هي الحدث الأهم خلال زيارته للمملكة، ولا حتى توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية، وصفقات السلاح التاريخية بمليارات الدولارات.
كان الحدث الأبرز والأهم هو لقاء ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع، على هامش جولته الخليجية، لكنه أبدًا لم يكن لقاءً هامشيًّا، فقد تم إعلان ترامب عن رفع العقوبات عن سوريا؛ لينهي سنوات من الحصار الذي تم فرضه على الاقتصاد السوري، بعد اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد في 2011.
- هذه العقوبات كانت تشمل قطاعات النفط، والبنوك، وقيودًا على مسؤولين سابقين، إضافة إلى "قانون قيصر" الذي أدى إلى انهيار حاد في قيمة الليرة السورية، ونقص هائل في المواد الغذائية والطبية الأساسية.
- القرار قد يشكل بداية لمرحلة اقتصادية مختلفة في سوريا، التي عانت طيلة سنوات من أزمات خانقة؛ بسبب الحرب والعقوبات الدولية.
- من المتوقع أن تؤدي الخطوة الأميركية إلى "تأثير الدومينو"، حيث قد تتبعها خطوات مماثلة من دول أوروبية، وجهات دولية أخرى؛ مما يخلق مناخًا مشجعًا للاستثمار في سوريا، و لعودة المستثمرين المحليين والدوليين إلى السوق السورية.
- ولكن علينا ألا ننسى أن ترامب فى ولايته الأولى، كان الوحيد الذي أعلن اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، تلك المرتفعات السورية الموجودة فى منطقة استراتيجية هامة، واحتلتها إسرائيل خلال حرب عام 1967، وضمتها إليها في خطوة لم تلقَ اعترافًا دوليًّا سوى من أمريكا.
وعلينا ألا ننسى أن إسرائيل توغلت في سوريا بشكل غير مسبوق، ووصلت صواريخها إلى محيط القصر الرئاسي فى دمشق، لأول مرة فى الولاية الثانية لترامب.
وعلينا ألا ننسى أن الولايات المتحدة استعانت بتنظيم القاعدة، والتنظيمات الإرهابية، العديد من المرات، في أكثر من موضع، وضد أكثر من دولة، وبعد انتهاء مهمتها كانت تلقى بها فى أقرب سلة قمامة.
* وعلينا ألا ننسى أن الشرع ينتمي إلى تنظيمات ما زالت تحارب وتعادي الأنظمة الرسمية العربية في بلدانها؛ لأنها تتعاون مع أمريكا وإسرائيل، وتصفهم ب "أعوان الشيطان".. فكيف نحل هذا اللغز بتلك المشاهد بين الشرع الذي بدا خجولًا وممتنًّا ل ترامب على عطفه وحسن صنيعه؟!!!
فور تولى الشرع الحكم فى سوريا، والهجوم عليه من جهات عديدة، رأيت أن علينا أن ننتظر ونرى أداءه في حكم سوريا، بعد سنوات طويلة من حكم الأسد، وأن مسطرة الحكم عليه تحددها علاقته بالكيان المحتل، ثم اكتشفت أن هذه المسطرة ليست عربية فقط؛ بل أمريكية أيضًا.. وها هو يحدد مكانه بدقة بإعلانه الاستعداد للانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية!!
إن استعداد الرئيس السوري أحمد الشرع لتقديم فروض الولاء والطاعة، واستعداده للانخراط في اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية، كل ذلك لن يمنحه صك المرور الأبدي إلى قلب ترامب، فمع أول محاولة لإظهار قدرته على الاستقلال بحكم سوريا، أو عدم التجاوب مع الأطماع الإسرائيلية، سيتم التخلص منه فورًا، والحجج كثيرة ومتوفرة، وأهمها: أنه جيء به من حضن التنظيمات الإرهابية المتطرفة، إلى القصر الرئاسي مباشرة، وأن من جاء به قادر على إعادته إلى حيث كان.
----------------------------
بقلم: سحر عبدالرحيم