استفزني بشدة حديث وزير التربية والتعليم، وهو أحد أشهر وزراء الحكومة، ولأسباب يعلمها القاصي والداني، في لقاء ضمن عشرات لقاءات الـ "توك شو" التي يعقدها مع جحافل مسؤولي وزارته، في جميع محافظات المحروسة، بحيث يقوم بتجميع ما يقارب ألفين منهم في قاعة عملاقة، ويمسك بمكبر الصوت واقفًا، وعلى طريقة مقدمي البرامج يذهب، ويعدو، ويعود، وإن كان هذا كله في إطار الشكليات التي لا تهمني كثيرًا، أو حتى مطلقًا.
الذي يهمني حديثه المتكرر والممل عن إنجازات وزارته، التي لا يراها إلا هو، وحتى بلغ به الحلم أن قال: "إن ما تحقق في هذا العام إنجاز لم تشهده مصر من سنوات"! وكم كنت أود لو كنت حاضرًا وسائلًا عن الإنجاز ومعناه من وجهه نظره.
عشرات آلاف وأحيانًا مضاعفاتها، يتم إنفاقها على تنقل وكلاء وزارة ومديري إدارات، وحتى رؤساء أقسام ومديري مدارس، ووصولًا للخالة الدادة الرفيقة "أم أحمد" من أسوان وحتى الإسكندرية، وجلها لا يتحمل أصحابها جنيهًا واحدًا؛ بل تتحملها ميزانية وزارته المثقلة من الأساس بما يكفيها. وهل سمع الوزير أن هناك اختراع اسمه "الفيديو كونفرانس" يخاطب به ما يريد؟ أو صادف يومًا مصطلح "اللا مركزية" والتي من خلالها يكتفي بلقاء وكلاء وزارته، وبدورهم يخاطبون مديري الإدارات، وبدورهم يخاطبون مديري المدارس، وأيضًا وصولًا إلى الخالة الرفيقة الدادة "أم أحمد"!
وأما ما يحدث في محافظات جنوب الصعيد تحديدًا، وتصمت عنه الوزارة تمامًا، من وجود قيادات تتولى أرفع مناصب وزارة التعليم بهذه المحافظات، باتت محل شك تمامًا، وباتت رائحتها تزكم الأنوف، وباتت جهات تحقيق تتلقى مئات الشكاوى ضدها، وباتت تخالف القانون، وباتت تتاجر بفجور في المناصب داخل مديرياتها وإداراتها، وبات الوزير ذاته يتلقى شكاوى ضدها، وبات محافظو هذا الإقليم أو ذاك تعجُّ مكاتبهم بصرخات مظلومين (طبعًا دون أن يسمح وقت معاليه باستقبال فلان أو غيره ممن ظلموا)، والحديث عن مصالح شخصية لهذه القيادات، ومعها يبتسمون وهم يحتسون القهوة الفرنسية صباحًا، وعلى طريقة الرائع والمبدع "يوسف السباعي" في رائعته "رد قلبي" لا زال يرى معاليه في الوزارة والمحافظة أن "علي بن عبدالواحد" عالة على المجتمع، ولا يستحق الاستماع أو حتى الإنصات لمشاكله.
محافظات الصعيد وفي مقدمتها محافظة "قنا" ترى فيها ما لم تره مطلقًا في أي إقليم آخر في قطاع التربية والتعليم، ولا زالت تستحق من محافظ قنا ومن وزير التربية والتعليم أن يستمعوا، ولو لمرة واحدة، لصرخات معلمين، وأولياء أمور، وقيادات وسطى، وأن يتوقفوا، ولو مرة واحده أيضًا، في الإشادة والمباركة ومنح صكوك الغفران، لقيادات يعلم كل من يحبو على كوكب الأرض أن الإشادة والمباركة والصكوك في غير محلها مطلقًا.
ولا بد أن يعلم المسؤول الذي يشيد دون واقع، ويرفع مخالفًا ومتقاعسًا على مواطن أو موظف شريف، عليه أن يعلم ويعي جيدًا أن شهادته سيحملها يومًا فوق رأسه، في يوم الحساب، ويسأل عنها حتمًا.
وعليه أن يعلم أيضًا أن رب العزة حسمها مبكرًا بقوله "ستكتب شهادتهم ويسألون".
-------------------------
بقلم: عادل عبدالحفيظ