طوال تاريخها الداعم والمؤيد لإسرائيل، لم تتكسب الولايات المتحدة الأمريكية مالًا بقيمة تقترب من 3 تريليونات دولار، عبارة عن استثمارات خليجية موعودة في الولايات المتحدة الأمريكية..
التريليونات الثلاث لن يتم ضخها دفعة واحدة، إنما خلال عشر سنوات، وفقًا لما تراه وتريده شركات السلاح العملاقة، ونظيرتها في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بما يضمن للاقتصاد النمو، ويقفز به إلى مستوى "الحلم الأمريكي". خطط الاستثمارات الخليجية بدأت من اليوم التالي لتولي ترامب مقعد الرئاسة، ونجحت الرياض في تنظيم مؤتمر بولاية ميامي الأمريكية، حضره أهم شركات الصناعات العسكرية، ورؤساء شركات صناعة الطائرات، وفي القلب منها: شركات ريثون تكنولوجي، التي تقدر قيمتها السوقية بنحو 153 مليار دولار، وشركة لوكهيد التي تقدر قيمتها السوقية بنحو 133 مليار دولار.
التقارير الإخبارية الواردة من واشنطن، قبل أن يقوم ترامب بزيارته إلى الرياض وأبوظبي والدوحة، تشير إلى:
ـ تأهب الرياض لشراء حزمة من الأسلحة الأمريكية، بقيمة تزيد عن 100 مليار دولار؛ منها: صفقة صواريخ بقيمة 3.5 مليار دولار، تشمل ألف صاروخ جو- جو متوسط المدى من طراز "آيه آي أم-120" و50 وحدة توجيه لهذه الصواريخ، ومعدات أخرى، تشمل: قطع غيار، وحاويات صواريخ، وخدمات للدعم اللوجستي، إلى جانب التعاقد على شراء 50 طائرة بوينج (عريضة البدن).
ـ الدوحة بدورها تستعد لإبرام صفقة ضخمة مع شركة "بوينج" الأمريكية؛ لشراء نحو 100 طائرة عريضة البدن، مع خيار لشراء عدد مماثل لاحقًا.
ـ الإمارات عرضت خطة لاستثمار 1.4 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي، خلال العقد المقبل، تشمل 100 مليار دولار في مشروع مرتبط بترامب، إلى جانب استثمارات في الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والطاقة. يمتلك كنوز المال، والذهب، والنفط.
لم تحصد واشنطن من قبل مثل تلك الأموال الموعودة، ولم تتكسب من وجود إسرائيل في الإقليم مثل هذه الثروة، خلال عشر سنوات متواصلة، رغم أن أدبيات السياسة تؤكد أن إسرائيل، حماية أمريكية مطلقة.
ترامب، بتكوينه "العقاري" وتفكيره الاستثماري، ربما يجنح إلى الاستجابة إلى مطالب العواصم الخليجية، في إدخال المساعدات فورًا إلى غزة، ووقف إطلاق نار شامل.. البشائر جاءت مع كشف الإدارة الأمريكية عن خطة إدخال المساعدات، عن طريق شركة تمَّ إنشاؤها منذ وقت وجيز في جنيف بسويسرا.. أما إيقاف إطلاق النار، وطبقًا لتصريحات البيت الأبيض، لا مانع عند ترامب أن تواصل إسرائيل المقتلة، في نفس الوقت.. رؤية ترامبية قريبة الشبه بالطوب والأسمنت والزلط، التي صنعت منه مطورًا عقاريًّا بارعًا.. وبالقطع لن تقبل العواصم الخليجية إلا بوقف المجازر في غزة على الأقل، وإعلان هدنة طويل ينتهي بصيغة سياسية تنال الرضا الإسرائيلي والأمريكي، ولن تعارضها السلطة الفلسطينية في رام الله.. هذا أقل ثمن يمكن أن يقبله قادة الدول الثلاث، وفقًا لمواقفهم المعلنة من مجازر غزة.. فضلًا عن أن الاستجابة الأمريكية لمطلب الوقف الشامل لإطلاق النار، مقابل سياسي معقول، نظير التريليونات الموعودة. وأخيرًا كيف تتم المساعدات تحت القصف الوحشي؟! هل يطلب ترامب تقليل عدد الضحايا مثلًا!
المسار يتجه إلى وقف نار شامل.
في حال صحة المسار، حتمًا يسقط سيناريو "الثمن" على رأس نتينياهو - كما يؤكد جميع المحللين الإسرائيليين، والعرب، وغيرهم من أوروبا وأمريكا - سقوطًا يُفشِل مشروعاته التوسعية والاستيطانية.. سقوطًا يأتي في خضم مظاهرات عارمة من الإسرائيليين، تطالب بوقف الحرب وتبادل الأسرى، بينما يقف العالم كله أمام إسرائيل يطالبها بوقف النار وإدخال المساعدات!
الخناق يضيق على نتينياهو (أعود وأكرر في حال صحة مساره) وحضور اليمين الصهيوني المتطرف في السلطة مهدد بالإزاحة، إلى جانب وجود امتعاض، إن لم يكن رفضًا، من الغالبية الكاسحة للجماعة الدولية.. الخناق يضيق على الرجل الذي يراه العالم مجرم حرب، يقتل الأطفال، والنساء، والشيوخ، ويحرم شعبًا بأكمله من المياه والطعام.. فهل ينتهي به المطاف - كما يتوقع الخبراء والمتخصصون في الشأن الإسرائيلي - إلى نهاية "سوداء"؟
هل يستسلم نتينياهو إلى مصيره "الأسود"؟ أم يلقي بورقته الأخيرة؟ على طريقة "شمشمون الجبار" البطل الأسطوري في الذاكرة الجماعية المتوارثة لليهود، الذي رأى في الانتقام من أعدائه، فوزًا في حد ذاته، وقامر بحياته مقابل الفوز بالانتقام، وقاده ذلك إلى محو الوجود نفسه، وموته شخصيًّا.
هل يغامر ويهاجم إيران، رغم اعتراض مسبق من أمريكا، ربما يقلب الطاولة على الآخرين، كما قد يفكر رجل على مشارف السقوط؟ لا أعتقد أن يكون رد نتينياهو على صفقة "الثمن" المعقودة بين ترامب وقادة الدول الخليجية الثلاث، التهور إلى الحد الذي قد يؤدي إلى مقتله.
عمومًا أخشى التأكيد على أن صفقة الثمن، دفع خلالها العرب الخليجيون ثلاثة تريليونات دولار، مقابل وقف المقتلة اليومية التي يقوم بها جيش الكيان، ربما للشك التاريخي في مآلات التعهدات الأمريكية للعرب وغيرهم. ولا أتردد في التأكيد على إدخال المساعدات إلى غزة، اعتمادًا على الثمن الذي حصلت عليه أمريكا، واستنادًا على الشركة الأمريكية المزمع توليها واحتكارها توزيع المساعدات في غزة. فتش عن "الثمن" عندما يأتي ترامب.
--------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم