من طبيعة الأمور أن يعمل الإنسان، أيًّا كان مكانه وزمانه، على تحقيق مصلحته الخاصة والذاتية، ولكن إذا كان هذا الأمر طبيعيًّا. ولكن لا تستقيم الأمور بعيدًا عن تحقيق تلك المصلحة الذاتية، في إطار تحقيق التوازن مع المصلحة العامة؛ حتى لا يحدث ذلك التناقض بين الخاص والعام، الذى لا ولن يكون فى صالح الفرد أو المجموع.
ولذا وعلى تلك القاعدة، لا يتحقق لأي تشريع قانوني الاستقرار، والالتزام، والتحقق، بعيدًا عن ذلك التوازن؛ الذى يحقق المصلحة الخاصة والعامة بقدر الإمكان. فأي تشريع لا يضع فى اعتباره جيدًا النتائج المترتبة على تطبيقه، خاصة فى الإطار الاجتماعي والاقتصادي، سنجد هناك نتائج سياسية، لا يستطيع القانون ولا غير القانون مواجهتها. كما أن أي قضية يحكمها القانون، وقد تجاوز الزمن هذا القانون (وهذا أيضًا طبيعي)، وأصبح الاستمرار فى تطبيقه مع المتغيرات الزمنية والسياسية لا يتوافق مع الواقع المعيش، فيجب أن ندرك أن تعديل هذا القانون لمعالجة آثاره السلبية، لا تكون بحلول قانون ينتج آثارًا سلبية بديلة (كأنك يا ابو زيد ما غزيت).
هنا وجدنا حكم الدستورية، الذي ألزم البرلمان بتعديل قانون الإيجارات القديم، في إطار عدم ثبات القيمة الإيجارية؛ أي: زيادة تلك القيمة بما يتناسب مع كل المدخلات الواقعية، وحسب البيانات والإحصائيات الرسمية؛ وذلك حتى تكون هناك حالة عدالة، تتوافق مع الظروف الفعلية والواقعية، بعيدًا عن التعميمات النظرية. فوجئنا بمشروع قانون مقدم من الحكومة، مغشوش ومنقول من قانون إيجارات الأراضي الزراعية (الإصلاح الزراعي) فى مادته الخامسة؛ وهو طرد المستأجر بعد خمس سنوات.
هنا إذا كانت الأرض الزراعية تمثل أيضًا مصدرًا للرزق، ولكن الفارق بين الأرض والسكن فارق كبير.
فماذا تفعل أسرة فقيرة، لا تملك من حطام الدنيا شيئًا، عندما تطرد بعد خمس سنوات؟ كما أن المشروع تحدث عن بعض البدائل لمثل هذه الحالات، ولكن لم يحدد أو يدرس أي إمكانية للتنفيذ الفعلي على أرض الواقع.
هنا ماذا ستكون النتيجة على أرض الواقع، عندما يتم طرد عدة ملايين من المستأجرين؟ خاصة أنه سيكون هناك تعاطف مع هؤلاء، من جانب القريبين من طبقاتهم الاجتماعية، ناهيك عن مستغلي الصيد فى المياه العكرة (وهم للأسف كثر).
هنا لنا عدة اقتراحات، تعتمد في المقام الأول على البيانات الرسمية الحقيقية والصحيحة:
أولًا: كل مستأجر يملك سكنًا بديلًا، سواء كان يستغل السكن الإيجار أو لم يستغله، يترك السكن بعد السنوات الخمس.
ثانيًا: الشقق المؤجرة وغير المستغلة لسنوات يتم إخلاؤها.
ثالثًا: يتم زيادة الإيجارات بنسب تتوافق مع عمر المبنى، ونوعية المكان (زمالك - دقي - إمبابة - شبرا - مركز - قرية - منطقة عشوائية... إلخ)، وكذلك وجود مقدمات سابقة كانت تتوافق مع نسبة التضخم.
رابعًا: أن يظل السكن للجيل التالي للمؤجر الأصلي.
هنا لا بد أن نعي أهمية تلك القضية، وحساسيتها المرتبطة بالإعاشة، وأهمية السكن في حياة الإنسان. فهل لنا أن ندرك ذلك التوازن بين مصلحتك ومصلحة الاخر؟ فالتمسك بمصلحتك دون مراعاة وضع الآخر، لن يحقق أي مصلحة لك ولا له. فهل البرلمان يمكن أن يدرك تلك المبادئ والقواعد التشريعية، بعيدًا عن المصلحة الخاصة والذاتية للأعضاء؟ وذلك من المفترض أن النائب لا يمثل نفسه؛ بل يمثل الشعب، ويدافع عن المصلحة العامة، التي هي مصلحة الغالبية الغالبة من جماهير الوطن العزيز، الذي يجب أن نخاف على سلامته.
حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
-------------------------------
بقلم: جمال أسعد